الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تأخذوا الواقع على محمل الجد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قد تُمنع من الكلام، قد تُمنع من السفر، لكن ليس سهلًا على أحد أن يمنعك من الابتسام.. من الضحك. وبعيدًا عن المنع وخلافه حيث إن الكلام عنه بات سخيفًا ويثير شجون. فالابتسام أو بالأحرى الضحك لا يكلفك أكثر من مقدار بسيط من الطاقة لتشغيل عضلتين.. الضحك لا يميت القلب كما يقولون.. القلب يدميه الغضب.. الغضب وحده. واعلم أنك مضطر إلى تشغيل عشرين عضلة لكى تغضب.
دعنا الآن من تكلفة الضحك وفوائده، وأضرار الغضب ومسالبه.. دعنا ننظر إلى الضحك من زاوية أخرى، أو نطرح سؤالاً كهذا مثلاً.. لماذا نضحك؟ هل كل الذين يضحكون سعداء حقًا؟ 
يقول كثير من الفلاسفة والشعراء والحكماء والأطباء فى مواضع لا تحصى: إن الضحك يطيل العمر، وأضيع الأيام تلك التى لا نضحك فيها.. إلخ. لكن قالوا أيضا فى حق الضحك: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وشر البلية ما يضحك، وهنا فى الوجدان تكمن فكرة غرائبية حول ارتباط الضحك بوقوع الشر فترانا جميعًا عندما نضحك نقول: «خير.. اللهم اجعله خير». يوجد من هذه الأمثلة الكثير لكن ما لفتنى فى كل ما قيل عن الضحك هو ما قاله البعض عنه: الضحك ابن الوعي.. ابن المنطقة المضيئة من العقل.. هو ابن الذكاء.. أو هو أمارة الذكاء لذا فهو من امتيازات العقل.. بل من امتيازات الإنسان. هل سمع أحد من قبل عن أى كائن حى يضحك عدا الإنسان؟ إذن الضحك قاصر على الجنس البشرى ويميزه عن المخلوقات الأخرى.. لماذا يميزه؟ لأنه ابن العقل الذى حظى به الإنسان دون غيره من المخلوقات.
الضحك مرتبط بشكل من الأشكال بالعقل، والعقل روح الحرية.. والحرية بحاجة إلى أدوات منها: الشعر، الطرفة، النكتة، النقد النزيه. باختصار، كل الفنون الساخرة، هذا الفضاء الرحب لتتريض العقول، والقلوب.
من يقرأ النكات الدالة، والحكايات الطريفة، والأعمال الساخرة يعرف أنها لم تأت من فراغ بل من رحم يتسع الحرية أو على الأقل يغض الطرف عن قبس منها. كما أنها لا تأتى إلا فى بيئة تعرف كيف تميز بين الصواب والخطأ فتسخر من الثانى وتضحك منه وعليه.. هذا هو أحد وسائل الرفض.. التقويم.. المطالبة بمنع تكرار هذا الخطأ وإلا وجه بالسخرية والضحك مرة أخرى. وفى الوقت نفسه لا تجد الشخصية العامة التى ورد ذكرها فى الطرفة أو النكتة تقيم الدنيا وتقعدها ويواجه الأمر كله بالغضب والانتقام، بل يتفهم أن هذا محض اعتراض.. لفت نظر.. دق ناقوس. وليس استهزاء به أو منه. 
الضحك والنكات والحكايات الطريفة والنوادر تنتجها بيئات ومناخات حرة ومتعلمة جيدًا ومثقفة وتعرف كيف تفرز الخطأ الذى يرتكبه غبى أو أحمق وتضحك منه، وعليه، وفوق كل هذا تأخذ العبرة وتتعلم من الدرس.
الدرس؟ نعم. الدرس، فكتب الطرائف والنوادر والظرائف، متخمة بالدروس، بقدر ما فيها من ملاحة وهذر. أحدها هو كتاب «أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزى والذى بعد أن تفرغ منه ستتأكد أن الحمقى كثيرون وهم يشاركوننا الحياة - التى يفسدونها طبعًا بمسحة من غبائهم - وعلينا أن نتعود على مواجهة الأمر بالضحك والتعلم من الدرس. 
تؤكد حكايات وأخبار ابن الجوزى أن العامة لم يقبلوا أخطاء الخاصة وحاولوا تقويمها ما يعنى أن المجتمع الذى يفرز مثل هذه الحكايات ويسخر منها للدرجة التى تجعل البعض يدونها من باب الطرفة والملاحة والنقد أيضًا ليس جاهلاً بل متعلمًا ومثقفًا بقدر تمكنه من اكتشاف الخطأ وإصلاحه أو التنبيه والإشارة لإصلاحه.
كما تؤكد الحكايات عدم ضرورة أخذ الواقع على محمل الجد.. وكذلك الأشخاص.. الهذر أكثر من اللازم. والاستخفاف بات ثقيلاً جدًا.
يعتقد «برونو ماكايس» وزير البرتغال للشئون الأوروبية، أن الأوروبيين يحتاجون إلى كلمة تجمعهم، كما جمعتهم كلمة «أوروبا» فى القرن التاسع عشر، وهذه الكلمة الآن «أوروآسيا»، الجغرافيا، التى تتركز فيها القوة الاقتصادية، والسياسية، والثقافية. وهى مكان نزاع، وتناقضات، منقسمة بين ثقافات مختلفة، وتَعِدُ بجوائز كبرى للمنافسة والسيطرة.
الدرس؟ نعم. الدرس، فكتب الطرائف والنوادر والظرائف، متخمة بالدروس، بقدر ما فيها من ملاحة وهذر. أحدها هو كتاب «أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزى والذى بعد أن تفرغ منه ستتأكد أن الحمقى كثيرون وهم يشاركوننا الحياة - التى يفسدونها طبعًا بمسحة من غبائهم - وعلينا أن نتعود على مواجهة الأمر بالضحك والتعلم من الدرس.