الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الدكتور يحيى الرخاوي لـ"البوابة نيوز": أهالي الريف يحترمون المريض النفسي وفي المدن يعزلونه.. نتعرض لحرب عالمية شاملة لغسل الأدمغة لصالح الاستهلاك والاستغلال.. وبعض ضيوف الفضائيات مرضى نفسيون

الدكتور يحيى الرخاوى
الدكتور يحيى الرخاوى لـ"البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«حرفوش احتياطى» كما يحب أن يصف نفسه، فقد جمع بين الطب النفسى والأدب والفلسفة، يحلل ويشرح آلام النفس البشرية، ومن الصعب أن تدرج شخصيته تحت تصنيف واحد.
الدكتور يحيى الرخاوى، استمر عطاؤه ولا يزال منذ 54 عامًا، بدأها بالحصول على دبلوم الأمراض الباطنة، ثم دبلوم الأمراض النفسية والعصبية، والدكتوراه فى الطب النفسى بكلية طب قصر العينى، حتى وصل رئيسًا لقسم الطب النفسى بجامعة القاهرة، ولم يكتف بدوره المهنى والعلمي، بل أيضا أصبح شريكا مهما فى الحياة الثقافية المصرية والعربية، بإصداره العديد من الدواوين الشعرية والمؤلفات الأدبية.. «البوابة نيوز» حاورت الدكتور يحيى الرخاوى، لتحليل الواقع المصرى. وإلى نص الحوار:

■ كيف ترى آثار التحديات التى نعيشها على الحالة والصحة النفسية للمصريين؟
- لا يمكن الإجابة بشكل يشمل كل المصريين، وعلينا أن نفرق بين حالة الناس فى مقابل حالة الحكومة، علما بأننى من حيث المبدأ أتجنب وصف الحالة بالصفة النفسية أو الصحية، فالحالة سياسية اجتماعية واقعية ووصفها بهذه الصفات (النفسية/الصحية) تختزلها إلى مشكلة طبية سخيفة، أقول إن حالة الناس هى الصبر والانتظار، أما حالة الحكومة فتختلف من التهوين والتبرير إلى المحاولة والألم والتصحيح، هذا حسب موقع المسئول ومدة التزامه.
■ تقول إحصائية لأمانة الصحة النفسية إن ربع المصريين مرضى نفسيون.. فما تعليقك؟
- أنا آسف، فمع احترامى للأمانة العامة للصحة النفسية، إلا أننى أشك فى مصدر هذه المعلومات، فعلى حد علمى فإن الأبحاث الانتشارية Epidemiological (وهى الأبحاث التى تحدد تواتر مرض أو ظاهرة بين عامة الناس) صعبة، وفى بلدنا هى لا تمثل معظم الناس، كما أن تحديد الخط الفاصل بين السوى والمريض النفسى هو أمر مختلف عليه علميا، وهذا من شأنه أن يخلّ بالإحصاءات المتاحة بشكل شديد.
■ هل يوجد مرضى نفسيون بيننا ولا يعرفون هذا أو يظهرون على الشاشات وما مدى خطورة هذا على المجتمع؟
- طبعا يوجد ونصف، وهذا يعتمد على ما إذا كان من نسميه مريضا يتمتع بالبصيرة فى حالته أم لا، وكما ذكرت فى الإجابة السابقة فإن الحد الفاصل بين السوى والمريض النفسى هو حد هـُـلامـِىّ غامض، بالتالى تصبح الإجابة عن هذا السؤال ذات مصداقية محدودة، وعموما فإنه لا يوجد خطر من هؤلاء على المجتمع مقارنة بالخطورة التى يمكن أن تصيب المجتمع من أخطاء الإعلام وما يجرى من خلاله من غسيل المخ أحيانًا، وسيطرة المال، وانتشار قيم الشطارة السوداء على حساب مجاميع المحتاجين.

■ الحروب النفسية أشد خطورة من العسكرية.. هل تتعرض مصر لمثل هذه الحروب وما وسائلهم وأمثلة على ذلك؟
- مصر وغير مصر عرضة للحروب النفسية التى أصبحت تخدم المال الكاسح، وما يسمى العولمة بشكل متمادٍ شديد الخطورة، وكأن الجارى هو حرب عالمية شاملة لغسل الأمخاخ لصالح الاستهلاك والاستغلال والتسطيح، أما وسائلهم فهو الإعلام المغرض، والقيم الزائفة، وترويج سلع تسمى حقوق الإنسان المكتوبة على الورق، على حساب الحقوق الأولى بالممارسة والقيم الأهم والأبقى مثل العدل والاحترام.
■ كثيرًا ما ينشر عن شخصية مهمة مثل الأديبة جيهان المكاوى التى وجدت مشردة فى شوارع الدقى.. هل كل المشردين مرضى نفسيون وكيف تعالج هذه الظاهرة؟
- مدى علمى عن الأديبة الدكتورة جيهان المكاوى هى أنها بعد عطائها الإبداعى والوطنى والعلمى وبحثها الرائع للمقارنة بين تركيا ومصر والاتحاد السوفيتى فيما يتعلق بالحقوق والالتزامات الإنسانية، قد توقفت وقد بلغت من العمر ثمانين عاما إلا واحد، وهذا لا يعنى أنها مريضة نفسيا، مهما بلغت عزلتها أو آلامها، وإنما قد يعنى تقصيرًا من ناحيتنا فى حقها، وإنكارًا لتاريخ عطائها، وربما يسرى ذلك على شخصيات أخرى مرت بظرف مماثلة أو قريبة من ذلك.
■ هل المختل عقليا يرتكب جرائم؟
- نسبة ما يرتكبه المختل عقليا من جرائم لا تزيد كثيرا على نسبة الإجرام من الأسوياء، بل هى تقل حتما عن نسبة الجرائم الحديثة التى تقوم بها السلطات المسيطرة الرسمية العمياء عبر العالم، مثل الحروب الاستباقية، والاستعمار الخفى واللعب فى البورصات والأموال حسب آليات الجرائم المشروعة، على حساب الجوعى والمشردين والفقراء عمومًا عبر العالم.

■ هل تغيرت نظرة المصريين للمرض النفسي؟
- أعتقد أن قبول المرض النفسى بطيبة واحترام فى المناطق الريفية هو أفضل منه فى المدن، حيث تباعد الناس عن بعضهم البعض، ففى الريف يغلب التعاطف مع المريض النفسى واعتباره «مبروكا» وقريبا من الله بشكل أو بآخر، أما فى المدن وبعد إغارة الإعلام وتباعد الناس عن بعضهم البعض، فقد أصبح استعمال صفة المرض النفسى إما مبررًا للعجز والكسل والتخلى أو ربما للصق لافتة مشوِّهة تؤدى إلى تمادى عزله وتجنبه.
■ ما نصائحك لتحسين الصحة النفسية للمصريين؟
- النصائح ليست هى الوسيلة المثلى لتحسين أى سلوك أو تحقيق ما هو صحة نفسية، وإنما إصلاح المجتمع، وعودة العلاقة بالطبيعة، والاطمئنان إلى عدل الله سبحانه وتعالى بعيدًا عن وصاية السلطة الدينية، والتكافل بين الناس هى أهم مقومات ما يدعم الصحة النفسية.
■ يرى البعض أن «التفاهة» أصبحت أسلوبا لحياة المصريين فى كل شىء لجذب الانتباه.. ما تعليقك على هذه الظاهرة؟
- أقر بشكل أو بآخر أن السطحية والاستعجال، والاختزال والتسرع فى إصدار الأحكام تتزايد فى مجتمعاتنا بشكل منذر، فإذا كان هذا هو المقصود بالتفاهة، فإن تعليقى أنه أمر خطير ومرعب وينبغى الانتباه إليه منذ الطفولة فى المنزل ثم بمنتهى الجدّية فى المدارس، ثم بالالتزام فى العمل حتى آخر العمر، وكل هذا أصبح فى تراجع منذر.

■ الإرهاب.. الإلحاد.. الإدمان، مثلث رعب يحاصر الشباب.. كيف نواجهه وأسبابه؟
- هذا صحيح للأسف، وإن كان الدافع لكل من هذه المظاهر يختلف عن الآخر. فالإرهاب خاصة يستشرى من منطلق التعصب الدينى الذى هو نابع من انغلاق التفكير والتنازل عن النقد. والإدمان أصبح ثقافة مخربة برغم أن بداياته تكاد تبدو كنوع من الاحتجاج لكنه ينتهى إلى طريق للهرب والضياع. أما الإلحاد فهو إعلان أن رسالة الإيمان ودوره الإيجابى (أقول الإيمان، وليس الدين أو التدين)، لا تصل إلى الشباب خاصة بطريقة إبداعية سلسة.
■ قلت إن الإلحاد طور من أطوار نمو العقل البشرى.. ما الدوافع التى تؤدى بعلماء ومفكرين إلى الإلحاد؟
- إن الله سبحانه قد خلق العقل البشرى ومنحه نعمة التفكير وموهبة النقد، ومن الوارد أن يمر الإنسان وخاصة الشباب بمرحلة فيها شك وإعادة نظر ليس بالضرورة فى الأسس الجوهرية للدين، وإنما فيما يصله من السلطة الدينية التى تتولى عنه مهمة التفكير وحسم الحقائق، وعندى أن الإلحاد استحالة بيولوجية، فالخلية إن انفصلت عن الهارمونى المحيط والكون الأعظم لا يمكن أن تستمر فى الحياة، وحتى لو ألحد التفكير المعقلن بعض الوقت، فإن استمرار السعى السليم سوف يجعل خلاياه تعيده إلى الفطرة لتبقى، ومن ثم التوجه إلى الله سبحانه وتعالى.
■ هل يوجد أشخاص بطبيعتهم يميلون للتطرف؟
- ليس تماما، وإنما يوجد نوع من التربية تسحب من العقل البشرى مرونته وقدرته على النقد والمراجعة، مما يمهد إلى ما يسمى التطرف، وهذا هو الذى يؤدى إلى هذا المصير الإرهابى البشع، أما أن تكون الطبيعة البشرية منحرفة إلى التطرف من البداية، فكلاّ وكلاّ.

■ لماذا يوجه الإرهابيون ضرباتهم الخسيسة إلى أقباط مصر.. وما رسالتهم النفسية من هذا؟
- أعتقد أن الإرهابيين لا يشغلون أنفسهم بانتقاء معين إلى من توجه ضرباتهم الخسيسة، فهو توجه لكل من يختلف معهم، وليس أظهر فى الاختلاف من اختلاف الديانة، وبالتالى هم لا ينتقون الأقباط دون سواهم بل هم لا يعترفون بحق الحياة إلا لأنفسهم ومن على شاكلتهم، وكل من عدا ذلك فليس من حقه أن يعيش كما خلق الله، أو أن يعيش أصلًا.
■ ما تعليقك على مطالب تقنين أو إلغاء عقوبة تعاطى الحشيش أو المخدرات؟
- إن مجرد سن القوانين بالمنع أو بالإباحة ليس هو غاية المراد من السلطة، فإن تطبيق القانون هو الذى ينبغى العناية به، وما يجرى حاليًا بالنسبة لانتشار المخدرات والحشيش بالذات يكاد يثبت أنه مباح فعلا تطبيقا، برغم تجريمه قانونا، فأنا ضد إباحة التعاطى، لكننى أنبه إلى ضرورة دقة تطبيق المنع فعلًا.
■ المدمن مجرم أم مريض؟
- المدمن منحرف، مختلف، محتج، مغترب، هارب، فهو ليس مريضا بالمعنى المباشر وإلا جعلنا هذا نلتمس له العذر له بمرضه، وهو ليس مجرما إلا إذا دفعه الإدمان لاختراق القانون أكثر من اختراقه بالتعاطى.
■ كيف ترى انتشار الشائعات فى الفترة الماضية، والتى وصل عددها للآلاف؟
- البركة فى الفيس بوك والتغريدات، الأمر الذى جعلنا نعيش تحت رحمة مئات وآلاف المحطات الإذاعية الأهلية المنطلقة بلا ضابط أو رابط والعياذ بالله.
هذه النقلة التكنولوجية الأحدث قد وسعت الدائرة الإعلامية بشكل بالغ، وهى لها جانبها الإيجابى بلا أدنى شك، فقد أتاحت الفرصة للتعبير والتواصل الشعبى بعيدا عن وصاية وسلطة الدولة والمال معًا، لكن للأسف فإن الدنيا ساحت على بعضها، وانحّلت القيود، وأصبح كل من يملك الوقت والأصابع والجهاز صاحب محطة إعلامية بلا أدنى مراقبة، أو مسئولية، لا من خارجه ولا من داخله، ومن البديهى ومن واقع التاريخ أننا لا يمكن مقاومة التقدم أى تقدم، وخاصة التقدم التكنولوجى المتسارع مهما حاولنا، لكن علينا أن ننتبه وأن تتعاون كل المؤسسات فى العمل على الإفادة من هذه الوسائل إيجابيا أكثر فأكثر بما هيأت لنا من سرعة التواصل، وتبادل الآراء، والانفتاح على ثقافات أخرى، وهذه هى الوسيلة المثلى لمواجهة ومعادلة غباء التعصب وأوهام التفوق العنصرى أو الدينى.