الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

البابا شنودة.. الصوم‏ أهميته وفائدته

البابا شنودة
البابا شنودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية وبها وضع الله حدودًا للجسد لا يتعداها‏.‏ وبالامتناع عن الأكل يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد ويرتفع أيضا فوق مستوى المادة‏،‏ وهذه المادة هى حكمة الصوم، ولكن حينما ينهزم الإنسان أمام الجسد حينئذ يأخذ الجسد سلطانًا عليه‏، ويظل الإنسان يقع فى خطايا عديدة من خطايا الجسد، واحدة تلو الأخرى.
والصوم عرفته كل الشعوب، وهو معروف فى كل ديانة حتى فى الديانات الوثنية والبدائية، والذى يقرأ عن البوذية والبراهمية والكونفشيوسية، وعن اليوجا أيضا يرى أمثلة واضحة عن الصوم وعن قهر الجسد لكى تأخذ الروح مجالها، والصوم عندهم تدريب للجسد وللروح أيضًا.
وفى حياة المهاتما غاندى الزعيم الروحى الشهير بالهند نرى الصوم من أبرز الممارسات الواضحة فى حياته وكثيرا ما كان يواجه به المشكلات. وقد صام مرة مدة طويلة متواصلة حتى قال الأطباء: إن دمه بدأ يتحلل.
وبالصوم اكتشف اليوجا بعض طاقات للروح.. تلك الطاقة الروحية التى كانت محتجبة وراء الاهتمام بالجسد. وقد عاقها الجسد عن الظهور، ولم يكتشفوها إلا بالصوم ويرى الهندوس أن غاية ما يصلون إليه هو حالة النِرفانا Nirvana، أى انطلاق الروح من الجسد للاتحاد بالله ولا يمكن أن يدركوها إلا بالنسك الشديد والزهد والصوم.
بالصوم يشعر الإنسان بضعفه فيلجأ إلى الله لكى يقويه. فالصوم إذن هو فترة صالحة يتوسل به الإنسان أن يتدخل الله لكل مشكلاته لكى يحلها، وفى فترات الصوم الممزوج بالصلاة يقترب الإنسان إلى الحياة التى ترضى الله سبحانه وروحيات الإنسان يمكن أن تكون فى أى وقت، ولكنها فى فترة الصوم تكون أعمق وتكون أصدق وتكون أقوي.
والذى يدرك فوائد الصوم وفاعليته فى حياته وفى علاقته بالله إنما يفرح حقا بالصوم ولا يكون من النوع الذى يصوم، وفى أثناء الصوم يشتهى متى يأتى وقت الإفطار، بل إنه حينما يحين الإفطار يشتهى الوقت الذى يعود فيه للصوم من جديد. والإنسان الروحى يفرح بأيام الصوم، أكثر مما يفرح بالأعياد التى يأكل فيها ويشرب.. ومن فرح الروحيين بالصوم لا يكتفون بالصوم العام، إنما يضيفون إليه أصوامًا خاصة بهم.. شاعرين بأن روحياتهم تكون أقوى فى فترة الصوم، ولعلنا نتذكر أن الآباء الرهبان -من محبتهم للصوم- جعلوه منهج حياة وبه صارت حياتهم منتظمة.
إن الصوم الحقيقى هو الذى يتدرب فيه الصائم على ضبط النفس ويستمر معه ضبط النفس كمنهج حياة فيضبط نفسه فى أيام الفطر كما فى أيام الصوم.. وهكذا يكون الصوم نافعا له ويعتبر بركة لحياته ولا يرى فى الصوم صعوبة بل يراه نعمة.
إن الصوم يصل إلى كماله بالجوع، وفى احتماله وما أكثر الفضائل الروحية التى يحملها الجوع.. ففيه يشعر الإنسان بضعفه فيبعد عن الغرور والشعور بالقوة، وفى ضعفه تقوده مسكنة الجسد إلى مسكنة الروح.. ويصل إلى فضيلة الاتضاع، وفى شعوره بالضعف يحتاج إلى قوة تسنده فيلجأ إلى الله بالصلاة، وهكذا يرتبط الصوم بالصلاة، وصلاة الإنسان وهو جائع صلاة أكثر عمقًا، وقد عرضنا هذا الموضوع هنا فى موقع الأنبا تكلاهيمانوت فى كتاب «روحانية الصوم» للبابا شنودة الثالث. أما الجسد الممتلئ بالطعام لا تخرج منه صلوات ممتلئة بالروح، فى الواقع إن الجوعان يشتاق أن يصلي، أما الشبعان فكثيرا ما ينسى الصلاة، ولعلنا نلاحظ أن غالبية المتدينين يصلون قبل الأكل، بل نرى قليلين من الذين يصلون بعد الانتهاء من الأكل وقد شبعوا.
إن الصوم مفيد للإنسان صحيا؛ فالذى يتعب الجسد ليس هو الصوم، بل الأكل، أى كثرة الأكل والتخمة وعدم الضوابط فى الطعام، بل الصوم هو فترة راحة لبعض أجهزة الجسد، إنها فترة تستريح كل أجهزة الجسد الخاصة بالهضم والتمثيل: كالمعدة والأمعاء والكبد والمرارة، هذه التى يرهقها الأكل الكثير والطعام المعقد فى تركيبه، كما يتعب الجسد أيضا أنه بعد الإفطار يبدأ فى تناول المسليات والترفيهات وما أشبه، فترتبك أجهزته.
وما أخطر اللحوم بشحومها ودهونها فى زيادة نسبة الكوليسترول Cholesterol فى الدم، وخطر ذلك فى تكوين الجلطات، حتى إن الأطباء يشددون جدًا فى هذا الأمر ويقدمون النصائح فى البعد عن الدسم الكثير حرصا على صحة الجسد، وبخاصة بعد سن معينة وفى حالات خاصة.
ومن فوائد الصوم أنه يساعد على التخلص من السمنة والبدانة والترهل، فالمعدة كلما تعطيها أزيد من احتياجها تتسع لتحتمل ما هو أكثر ويزداد اتساعها فى حالات الترهل، وكثير من الأطباء ينصحون من أجل صحة الجسد بإنقاص وزنه، ويضعون له حكما يسمى Regime (رجيم)، ويقولون: الإنسان البدين لن يضبط نفسه فى الأكل بعد أن كان يأكل بلا ضابط، والصائم يقلل أو ينقص من وزنه دون أمر من طبيب، حقا إنها لمأساة أن يقضى الإنسان جزءًا كبيرًا من عمره يربى أنسجة لجسده ويكدس فى هذا الجسم دهونًا وشحومًا، ثم يقضى جزءًا آخر من عمره فى التخلص من هذه الكتل التى تعب كثيرًا فى تكوينها واقتنائها. لعل هذا يذكرنى بالتى تظل تأكل إلى أن يفقد جسدها رونقه ثم ينصحها الأطباء أن تصوم وتقلل الأكل وتتبع رجيم.
صوموا إذن لتستفيد أجسادكم صحيًا ولا تفقد رونقها، وفى الوقت نفسه تسمو الروح وتقترب من الله.
إن الصوم يساعد على علاج كثير من الأمراض.. ومن أهم الكتب التى قرأتها قديمًا فى هذا المجال كتاب لعالم روسى ترجم إلى العربية سنة ١٩٣٠م، باسم «التطبيب بالصوم».
إن الصوم أيضًا يجعل الجسد خفيفًا ونشيطًا؛ فالصوم إذن ليس مجرد علاج للروح، إنما هو علاج للجسد أيضًا، فيجب أن تتحرروا من فكرة أن الصوم يتعب الصحة، هذه الفكرة التى تجعل بعض الأمهات من حنوهن الزائد على صحة أبنائهن يخفن عليهن من الصوم فتفرح الأم أن ترى ابنها سمينا وممتلئ الجسم، وتظن أن هذه هى الصحة! بينما قد يكون العكس هو الصحيح.
المقال تم نشر فى جريدة «الأهرام» يوم الأحد الموافق ٣١ يوليو ٢٠١١