الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

عربات السيدات.. «الستات مابيعرفوش يسكتوا».. خناقات تنتهي بقصص وحكايات تبدأ بـ «غلاء الأسعار» وتنتهي بـ «النصائح الزوجية»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عربة مترو السيدات، يرفع الجميع شعار "الستات مابيعرفوش يسكتوا"، ما بين خناقات وصدامات تصل أحيانا إلى حد تقطيع البلوزات، وينتهي الأمر في الغالب بالصلح وقُبلات وقصص وحكايات عن الرجال، وشأن البنات والولاد، هن كذلك لا يستطعن كتم أنفاسهن، ولا يقدرن على فضيلة الصمت، لديهن مهارة الحكّي، خاصة إذا كان وسيلة للتسلية في عربة المترو، خلال رحلاتهن اليومية " رايح.. جاي".


داخل عربتهن بالمترو، نجد عالم "السيدات" المنفصل، حيث تمتلك السيدات حرية أكبر من حيث الوقوف أو الجلوس على الأرض، دون الخوف من نظرات الرجال المتربصة، فضلًا عن وجود فتيات يتجملن ويضبطن "الميك آب" وغيرها.
تبدأ "حكاوي السيدات" في المترو بـ"خناقة" ثم "صحوبية"، أو خلق الأحاديث حول مشكلة أو أزمة ما تتبادر إلى مجتمعنا.
"هو أسعار الخضار النهارده إيه؟ " سؤال إحدى السيدات داخل عربة المترو لأخرى تجلس بجانبها، ليكون هذا السؤال بداية حديث مطول حتى وصولهن للمحطات التي يريدونها، كما يتطرق الأمر للتحدث في الأمور المعيشية وعدد الأطفال وظروف العمل ومشكلاته وأزمة المرتبات والخناقات الزوجية، وأزمة ارتفاع الأسعار لمختلف السلع والمنتجات، فضلًا عن الأحاديث المنزلية والمطبخ وكيفية عمل بعض الأكلات المميزة.
لكن في الفترة الأخيرة، ظهرت موجة من ارتفاع الأسعار للسلع والمنتجات الغذائية تحديدًا، والتي كانت محور حديث الجميع، ومنهن السيدات في المترو، ورصدت "البوابة" حديث سيدتين عن أزمة ارتفاع الأسعار وعدم إمكانيتهن لمواكبة هذا الغلاء، نتيجة عدم زيادة مرتباتهن كلًا في محل عمله المختلف.
على الجانب الآخر، تتحدث سيدات من كبار السن عن أولادهن وتربية الأحفاد والمشكلات التي قد تحدث نتيجة اختلاف التفكير والعمر بينهم، بجانبهم فتاة تتحدث في الهاتف المحمول عن اقتراب موعد امتحاناتها والمذاكرة، وتحمل هذا العبء الكبير لتحقيق النجاح في كافة المواد الدراسية، يجاورهن مجموعة من فتيات الجامعة، يضحكن بأصوات مرتفعة ويتبادلن النكات والمواقف الطريفة التي تعرضن لها طوال اليوم في الجامعة وحضور المحاضرات والتكليفات المطلوبة منهن وغيرها.

ويصل تبادل الأحاديث بين السيدات داخل عرباتهن في المترو إلى الظواهر الاجتماعية وعلى رأسها فكرة الزواج والخوف من العنوسة، حيث تسعى الأمهات إلى تزويج أبنائهن من الأولاد والفتيات، وهذا ما حدث في المترو بالفعل، بين سيدتين، كانتا تتحدثان عن ظروف العمل والحياة وغيرها، حتى وصل الحديث إلى مطالبة أحداهن الأخرى أن تبحث لها عن عريس لابنتها الوحيدة، بينما ردت الأخرى أنها لديها شاب وتبحث له عن عروسة، ذات خلق جيد وصفات حسنة، واتفق الطرفان على التواصل مع بعضهن لإتمام التعارف بين الأبناء والتنسيق للزواج قريبًا.
فيما تقوم بعض السيدات بتفقد أيدي الفتيات للبحث عما إذا كانت مخطوبة أو متزوجة، بحثًا عن عروسة لأبنائهن، وإذا توصلت للفتاة المناسبة تبدأ في الحديث معها عن أمور بصفة عامة، ثم الانتقال إلى فكرة الزواج ووجود أبن لها يريد الزواج، أو أحد أقاربها، تحت بند "يابخت من وفق راسين في الحلال"، لتتحول السيدات داخل المترو إلى أشبه بـ "الخاطبة".

فيما تحتل الأزمات الزوجية جانبا كبيرا من أحاديث السيدات داخل المترو في عرباتهن، حيث نجد السيدات يطرحن الشكاوى من أزواجهن ومعاناتهن اليومية من الزوج، والمسئولية عن المنزل والأطفال والمطبخ وغيرها من مهام المرأة المتزوجة.
ورصدت "البوابة" جانب من حديث امرأة متزوجة تشكو من زوجها لعصبيته المفرطة وعدم تفهمه لكثير من الأمور ورفضه الدائم للنقاش في أي مسألة بخصوص "عش الزوجية" أو الأطفال، قائلة: "جوزي مجنني"، لتبدأ الأخرى في مواسيتها، قائلة: "كل الرجال كده مش بيعجبهم العجب بس خلاص هنعمل إيه بقوا قدرنا، علشان بقى بيربطنا بيهم ولاد"، ثم أعطتها بعض النصائح التي ستساعدها في التعامل مع زوجها ومحاولة احتواء هذه الأزمة.
وتطرقت إلى أزمتها في التعامل مع أطفالها الصغار، ومسئولية تربيتهم وتوفير حياة كريمة لهم في المستقبل، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها أغلب المواطنين، وكيفية الحصول على الأموال اللازمة لتلبية كافة احتياجاتهم ورعايتهم ماديًا وصحيًا، قائلة: "العيال كل شويه عايزين ده وده واحنا بنحاول نوفر ليهم فلوس الأكل والشرب واللبس وهما مش فاهمين اننا بنتعب لحد ما نجيب القرش ومش عايزين نحرمهم من حاجة بس ما باليد حيلة". فضلًا عن حديثهن عادة عن أزماتهن المتوالية مع "أهل الزوج أو الزوجة" والحموات وأشقاء الزوج أو الزوجة التي لا قد تنتهي طوال الحياة الزوجية وتتسبب في العديد من الخلافات بين الزوج والزوجة، وقد ينتج عنها الطلاق في بعض الأحيان.

الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، رأت الظاهرة طبيعية وقالت "حكاوي" السيدات الاجتماعية والزوجية والنفسية داخل عربات المترو، ترجع إلى طبيعة الشعب المصري، كونه اجتماعيا جدًا، يتعرفون على بعضهم البعض سريعًا، موضحة أن الشعب ينفتح بشكل سريع من خلال "الحوارات والحكايات والتفاعل الاجتماعي، خاصةً في البيئة الاجتماعية البسيطة الممثلة في اللقاءات في الشوارع وفي المترو وغيرها.
وتابعت "منصور"، أن عربات السيدات في المترو كونها مخصصة فقط للسيدات تعطي لهن قدرا من الخصوصية، والتي تجعلهن أكثر انفتاحا وحرية ويتبادلن الخبرات، مشيرة إلى أن عربة المترو تحولت إلى "نادي" يجتمع فيه السيدات لتبادل الأحاديث للقضاء على عنصري الوقت والملل الذي قد يواجهونه، ويتم تبادل بعض المشاكل الاجتماعية والزوجية المختلفة، باعتباره أمر عادي بينهم، وأصبح يتكرر يوميًا.

وقال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، إنه لا ضرر من فضفضة السيدات في عربة المترو الخاصة بهن، وتابع إن السيدات داخل عربات المترو نتيجة الضغط والرغبة في "الفضفضة" يقمن بخلق الأحاديث مع بعضهن البعض عن كافة الأمور الحياتية واليومية المختلفة، لافتًا إلى أن ما يحدث داخل عربات السيدات في المترو مثله مثل ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أنها مصدر من مصادر "التنفيس" عن الذات للأشخاص "المكبوتة"، فهناك ضغوط اقتصادية واجتماعية على المواطنين مما يدفعهم إلى اللجوء إلى "الفضفضة" مع أي شخص في أي وقت.
وأضاف "فرويز"، أن العلاقات الاجتماعية الحقيقية أصبحت صعبة، مما يدفع البعض إلى اللجوء إلى العلاقات الافتراضية وخلق الأحاديث مع الغرباء، موضحًا أن "الجيران" والأقارب أصبحوا يبتعدون عن بعضهم البعض، وهذا الأمر نوع من الانحدار الثقافي، ويعني انحدار في العلاقات الاجتماعية داخل الأسر والمجتمع، وكذلك انحدار في الثقافة الدينية، وبالتالي أصبح العالم كله صورة افتراضية من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة التي أصبحت العائلة الواحدة تستخدمها للتواصل بدلًا من اللقاء المباشر.
تحتل الأزمات الزوجية جانبا كبيرا من أحاديث السيدات داخل المترو في عرباتهن، حيث نجد السيدات يطرحن الشكاوى من أزواجهن ومعاناتهن اليومية من الزوج، والمسئولية عن المنزل والأطفال والمطبخ وغيرها من مهام المرأة المتزوجة.