رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ابن العاق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه، وبعدما استمع الخليفة الراشدي إلى الوالد "المفجوع" بخلق ابنه، أحضر أمير المؤمنين ذلك الولد وأنبه على عقوقه لأبيه، لكن الأمر لم ينته عند ذلك، فقد كان تحت لسان الولد كلام وهموم وأوجاع، فقال ذلك المشتكى عليه لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟.. فأجابه بلى. 
بالطبع هي قصة شهيرة ومعروفة، وكلنا نعلم ما تبقى منها أن للمولود حقا في الاسم والمأكل والملبس والتعليم، وقبل كل ذلك العطف والإحسان وحسن المعاملة، وإذا تخاذل الأب عن تقديم ذلك يكون عاقًا لأبنائه، فالعقوق ليس فعلا يرتكبه الأبناء فقط، فكم من أب ارتكب ذلك الفعل المشين، وخير دليل على ذلك محاكم الأسرة التى تعج أروقتها بقضايا النفقة، والتى يفقد أحد الأبوين احترامه بمجرد بلوغ بابها فتصبح المعركة نوعين، إما أب يريد تجويعهم كتأديب للأم، أو أم تستخدمهم لتنغيص حياة الأب، فالنفقة على المستوى المالي ليست مطمعا للأم كما يروج لها البعض فهى نادرًا ما تكفى حد الكفاف للأطفال، وفى الحالتين فالطفل هو الخاسر الأكبر لينشأ وهو يرى أمام عينيه أن هناك من يتبارى فى اغتصاب أبسط حقوقه وهو الحفاظ على كيانه، فكثيرًا ما يتحول هؤلاء الأبناء إلى سلاح، وربما يعتقد أحد الآباء أنه سيكون الفائز فى معركته؛ لكن الواقع يؤكد أن هذا النوع من المعارك يخسر فيه جميع الأطراف، فهناك أب حتى وإن نجح فى إقناع المحكمة كذبا وزورا بشدة فقره عبر إحضار تقارير طبية تثبت عدم قدرته على العمل، أو الدفع بأحد والديه لرفع دعوى نفقة أصول على الفروع، أو الذهاب بملابس رثة فى محاولة مستميته لإظهار فقره، كلها أساليب يلجأ إليها بعض الآباء وكثيرًا ما ينجحون فى استخدامها ليكون فى النهاية حكم القاضي أقل كثيرًا من الحد الأدنى للفقر!، فيحكم للصغير بما لا يكفيه الخبز "الحاف"، بالطبع يرى الأب أنه ربح؛ ولكن الحقيقة أنه خسر شرفه حينما أصر على تجويع طفله، أما الأم فطريقها أقصر كثيرًا ففى كل الأحوال لن تستطيع أن تستحوذ على الكثير لأن القاضي لا يحكم إلا بالأوراق وعلى رأسها شهادة الدخل، فبالتالي لا تستطيع سرقة الأب كما يدعى البعض؛ ولكنها ستخسر عمرها وهى تتجول فى أروقه المحاكم وهى ترفع أصنافا مختلفة من قضايا النفقة تتطلب منها وقتا وجهدا وفاتورة بكل شيء يحكم فيها بعد سنوات، فالنساء ياسادة لا يعشقن المحاكم.
أما الأب الذى دائما ما يتشدق فمه بالآية الكريمة "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"، ألا تعلم أن تفسير الآية وهو "ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل ربّ ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك، كما تعطفا عليّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما"! فبأى عين تطلب من ابنك أن يدعو لك بالرحمة وأنت لم تربه أصلا ولم تطعمه إلا بحكم محكمة، وارتكبت في حقه جريمة "تجويع" وكان ميراثه منك رزمة أحكام قضائية ثمنًا لرغيف الخبز، فكم من الوقاحة أن تطلب دون أن تعطى.! والأدهى من ذلك هؤلاء الذين يتفتق ذهنهم مرددين مقولة "ما تاخد من بنك ناصر الـ500 جنيه!" وكأن الأطفال ما هم إلا مجموعة من الشحاذين يستحقون الشفقة.. ليكبروا وقد علق فى أذهانهم أنهم تربوا من صدقة حتى وإن كانت الحقيقة غير ذلك. 
ربما حان الوقت لحماية لهؤلاء الأطفال من تلك المعركة الطاحنة عبر وضع تشريعات جديدة تحمي حقوقهم، وتلزم الأب بالإنفاق الجيد على الأطفال بمجرد وقوع الطلاق، ووضع إطار تنظيم لها تحت إشراف المحكمة، أبسط تلك التشريعات ألا يحكم بنفقة أدنى من خط الفقر الذى يحدده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبذلك يتم وضع حد أدنى للنفقة فلا تصدر أحكاما بخسة يترتب عليها رفع المزيد من الدعاوى التى تثقل كاهل المحكمة، وأن تكون النفقة متعلقة بدرجة يسر الزوج، وأن يكون سريان النفقة منذ وقوع الطلاق وليس من تاريخ رفع الدعوى مع وضع الآليات المناسبة التى تتراءى للمشرع لإمكانية التنفيذ السريع للحصول عليها، ربما تكون بصرف جزء من راتبه بإخطار موجه من المحكمة إلى جهة عمله لحين الفصل فى القضايا وفقا لرؤية القاضى وكذلك وضع تشريع خاص بأصحاب المهن الحرة والتى يصعب على الأم إثبات قيمة الدخل الحقيقى، بالإضافة إلى تشديد العقوبة على الأب فى حالة التقاعس عن سداد النفقة، فهناك الكثير من الآباء يمتنعون عن السداد لمدة تصل إلى سنة حتى بعد الحكم؛ ليضطر الأم إلى رفع قضية بالمتجمد، فهل على الأطفال الصوم لحين الحصول على المتجمد؟
وللعاق بقية.