الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«البنا» و«الخومينى».. تاريخ أسود من الإرهاب والدماء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المصالح لاتعرف الصداقات والعداوات فهى تتصالح دائما بغض النظر عن المبادئ والقيم الدينية، هذا ما ينطبق على إيران وجماعة الإخوان الإرهابية فى مصر، فمن المعروف أن سياسة الجمهورية الإيرانية مناهضة للسنة بشكل عام، ولكن مع ذلك لا يوجد لديها أدنى مشكلة لإقامة تحالفات استراتيجية وتكتيكية مع أعدائها من السنة طالما تخدم مصالحها الخارجية، ويمثل تعاون إيران مع الإخوان المسلمين، أحد أكبر التنظيمات السنية فى العالم، والذى يحمل أيضا خلافات أيديولوجية مع الجمهورية الإسلامية.


تعود بداية العلاقات الإخوانية الإيرانية، إلى عام ١٩٣٨ وحتى الآن، فقد كشفت وثائق تاريخية عديدة، قيام روح الله مصطفى الموسوى الخومينى عام ١٩٣٨، بزيارة المقر العام لجماعة الإخوان، وتشير هذه الورقة إلى لقاء خاص تم بين المرشد الأول للجماعة حسن البنا وروح الله مصطفى الخميني، الذى أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخوميني مفجر الثورة الإيرانية.
وعندما تبنى الأزهر الشريف سياسة التقريب بين المذاهب، زار رجل الدين الإيرانى محمد تقى القمى مصر، والتقى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، وشارك الرجلان فى اجتماعات التقريب بين المذاهب، كما زار «نواب صفوي»، مؤسس الحركة الشيعية الثورية «فدائيان إسلام» المناوئة لحكم الشاه آنذاك- مصر بدعوة من الإخوان المسلمين.
لم يرحب فقط الإخوان المسلمون بظهور الجمهورية الإسلامية فى إيران فى أعقاب ثورة ١٩٧٩، ولكن إيران احتفت أيضا بحماس بالغ بصعود الإخوان المسلمين فى مصر، ليس هذا فقط بل شاهدنا التقارب القطرى الإيرانى فى ظل الأزمة العربية مع قطر، والتى ترعى وتؤوى أبرز قيادات الإخوان الهاربين من مصر فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو، والتى سقط فيها النظام الإخوانى آنذاك.


وتوطدت علاقات إخوان مصر مع إيران، بعد وصول الخوميني للسلطة فى إيران ١١ فبراير ١٩٧٩، وكانت من أوائل الطائرات التى وصلت مطار طهران واحدة تحمل وفدًا يمثل قيادة التنظيم العالمى للإخوان المسلمين وتناقلت الألسن آنذاك أخبارا بأن الوفد طرح على الخوميني مبايعته خليفة للمسلمين.
تقول الرواية بأن الخومينى تريث ووعدهم بالإجابة لاحقًا، وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذى يقول بـ «المذهب الجعفرى مذهبًا رسميًا.. وبولاية الفقيه نائبًا عن الإمام الغائب»، كان من الواضح ماهى إجابة الخوميني.
وينظر الإخوان إلى إيران فى ١٩٧٩ باعتبارها نصرا لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، فقد أيدت جماعة الإخوان، الثورة الإسلامية فى إيران منذ اندلاعها، ونظرت إيران أيضا إلى تصدر الإخوان المسلمين للثورة باعتباره نجاحا.
ورغم تأكيدات الإخوان المسلمين بأن أدبياتهم تركز على فكرة الإسلام الشامل والتقارب بين مذاهبه، لكن واقعهم يكذبهم وخاصة فى العلاقة المشبوهة، التى ربطت جماعة الإخوان منذ نشأتهم بنظام الملالى فى إيران حسبما تشير تقارير عالمية ووثائق وشواهد على ذلك، وكان آخر تصريح للأمين العام السابق للجماعة الإسلامية فى لبنان، فتحى يكن، عندما قال إن «مدارس الصحوة الإسلامية تنحصر فى ٣ مدارس هى مدرسة حسن البنا ومدرسة سيد قطب ومدرسة الإمام الخميني، وكذلك تصريحات على أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية عندما قال مرة، إن الإخوان هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية، موقف يناقض تماما حالة التوتر المذهبى فى المنطقة.


ومن بين التأكيدات على العلاقات بين إيران والإخوان، هى صمت الأخيرة عن الاعتداء على السفارة السعودية فى طهران والقنصلية فى «قم» عام ٢٠١٦، وقبل ذلك بثلاثة أعوام، فى فبراير ٢٠١٣، استضاف الرئيس المعزول آنذاك محمد مرسى نظيره الإيرانى محمود أحمدى نجاد، خلال قمة إسلامية عقدها فى القاهرة، بعد مظاهرات عمت البلاد ضد حكمه، حينها خطب نجاد فى الأزهر الشريف معبرا عن عمق العلاقة بين الجانبين، ومعتبرا ضمنا، أن مصر باتت بوابة تدخل إيران إلى المنطقة.
ولم تكن زيارة «نجاد» للقاهرة الوحيدة حينها، فشخصيات استخباراتية وعسكرية عدة زارت مصر خلال فترة حكم الإخوان، لعل أبرزها زيارة قام بها الجنرال قاسم سليماني، بعد طلب مرسى المساعدة من إيران سرا، لتعزيز قبضة الإخوان على السلطة.
ويقول خبراء إن طهران طالما استغلت العلاقة السيئة بين الإخوان وحكومات بلدانهم، بهدف استقطابهم، فى مصر وتونس واليمن والعراق وأماكن أخرى، وحتى فى سوريا، التى كان فيها النظام السورى حليفا لها، والتى استغلت إيران علاقتها الجيدة معه لتتوسط لديه للإفراج عن عدد كبير من قيادات الإخوان وكوادرهم من السجون، مع بدايات الأزمة السورية.


عقلية القرون الوسطى
عقب ٢٥ يناير ٢٠١١، ازداد التقارب الفعلى بين جماعة الإخوان وإيران، من خلال توجيه آية الله على خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية فى إيران تحية إلى ثوار التحرير، واصفا إياهم بأنهم أبناء حسن البنا، وهى إشارة صريحة وقوية إلى طبيعة العلاقة بين أبناء البنا وأبناء الخميني، واعتبر الدكتور على أكبر ولايتى وزير الخارجية الإيرانى الأسبق والمستشار الأعلى لمرشد النظام الإيرانى على خامنئي، أن الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين المجموعات الإسلامية كافة، وقال: «نحن والإخوان أصدقاء، ونقوم بدعمهم، وهم الأقرب إلينا عقائديًا بين جميع الجماعات الإسلامية».
وكانت إيران أول المهنئين بفوز محمد مرسى الرئيس المعزول، وقد كانت هناك خطبا عديدة فى صلاة الجمعة بإيران، وأغلبها تعبر عن موقف رسمى دعا المصريين إلى التقارب الإيرانى المصرى بانتخاب مرسى باعتبار ذلك واجبًا دينيًا، لا يُعفى منه أحد.
وكان الإخوان المسلمون فى مصر مستمرون على تأييد الحكم الجديد الإيراني، وقد سيَروا مظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس السادات لشاه إيران فى مصر، ثم أيدوا إيران فى حربها ضد العراق، وفى عدد مجلة «كرسنت»، المسلمة الكندية، بتاريخ ٦ ديسمبر ١٩٨٤ يقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني: «لا أعرف أحدًا من الإخوان المسلمين فى العالم يهاجم إيران». كان هناك استثناءات لهذا عند الفرع الإخوانى السورى الذى كان خارجًا للتو من مواجهة ضارية (١٩٧٩-١٩٨٢) مع نظام الحكم السورى الحليف لإيران، وإن كان هذا ليس رسميًا، وإنما فى كتابات لأحد قيادات الإخوان فى سوريا هو الشيخ سعيد حوا».
ولطالما كان المرشد الأعلي، على خامنئي، وجه بترجمة اثنين من كتب حسن البنا وسيد قطب، إلى اللغة الفارسية، ما يشير إلى التقارب الإيرانى الإخوانى وإثارة إعجابه بجماعة الإخوان ورؤيتهم الإرهابية، وكان يمثل كتاب سيد قطب «فى ظلال القرآن»، الذى صدر فى الستينيات من القرن الماضي، أحد المفاتيح المهمة لفهم اتجاه «ولاية الفقيه»، و«الحكومة الإسلامية»، عند الإمام الخوميني فى تلك الحقبة، فضلا عن مفهوم «الحاكمية»، كما ترجم المرشد الحالى على خامنئى وكان وقتها تلميذا للخميني، كتاب سيد قطب «المستقبل لهذا
الدين» الذى صدر عام ١٩٦٦ إلى اللغة الفارسية، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها مؤلف الكتاب، الذى أعدم فى السنة ذاتها، بـ«المفكر المجاهد».
وهذا يوضح التشابه بين التشكيلات الحزبية العربية الشيعية وتنظيم الإخوان حتى قيل إن تنظيم حزب الدعوة الإسلامية فى العراق الذى تشكل فى ١٩٥٩، هو النسخة الشيعية من تنظيم الإخوان المسلمين من حيث الشكل التنظيمي، والأهداف والمرحلية فى العمل الحركي.