الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السيسي وأفريقيا.. والتحدي الأكبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الاتفاقية التى وقعتها مصر مع أوغندا منذ بضعة أيام فى مجال الإنتاج الحيوانى، هى باكورة ثمار الدبلوماسية المصرية التى تحملت أعباء الماضى، وأخذت على عاتقها تصحيح أوضاع مغلوطة، اتفاقية سبقتها اتفاقيات ولا بد أن تتبعها عشرات أخرى حتى تلحق مصر بقطار الاقتصاد الأفريقى العفى الذى أهملناه فسبقنا إليه آخرون، فى السنوات الأربع الماضية كانت إعادة مصر إلى الحضن الأفريقى التحدى الأكبر أمام السيسى، فالقطيعة المتعمدة أو غير المتعمدة مع أغلب دول القارة الذهبية وسعت الفجوة وسمحت لآخرين بلعب دور كنا الأحق به، زاد من صعوبة التحدى تلك الظروف الصعبة التى مرت بها مصر فى السنوات السبع الأخيرة، وسعى بعض الأطراف إلى استمرار القطيعة باختلاق الأزمات، والسباق المحموم بين بعض الدول المستقرة على التوغل فى مفاصل الاقتصاد الأفريقى بعد أن أدركت أهميته، وفى مقدمتها الصين وأمريكا وإسرائيل.
كان على مصر أولًا تطبيب جراح القطيعة، ثم تصحيح الرؤية المغلوطة بعد إزاحة الإخوان من الحكم، ثم فتح مجال لتعاون يعتمد على قاعدة صلبة بناها «عبدالناصر» فى خمسينيات القرن الماضى، وقد نجح السيسى فى ذلك عندما وضع أفريقيا فى مقدمة أولوياته، والأرقام التى رصدناها تؤكد المجهود الكبير الذى بذلته مصر فى هذا الملف الأهم، فوفقًا لتقرير نشرته الهيئة العامة للاستعلامات.. بلغ عدد زيارات السيسى الخارجية ٦٩ زيارة فى السنوات الثلاث الأولى من حكمه، كان نصيب أفريقيا منها ٢١ زيارة، أما اجتماعاته مع زعماء ورؤساء حكومات أفارقة فبلغت ١١٢ اجتماعًا، ونتيجة لذلك كان هذا التعاون مع أغلب الدول الأفريقية فى مجالات عدة، فى مقدمتها الزراعة والتجارة والصحة والتعليم والثقافة والإعلام ومكافحة الإرهاب.
لقد أدرك السيسى أهمية العودة إلى أفريقيا فكان هذا الكم من الاتفاقيات مع دولها، وكان للسودان الشقيق النصيب الأكبر من خلال ١٧ اتفاقية فى أغلب المجالات، ثم كانت المبادئ العشر مع إثيوبيا والسودان والخاصة بالتوزيع العادل لحصص المياه، أما اتفاقية التجارة الحرة فكانت الترجمة الحقيقية لشعارين رفعتهما مصر وهما (أفريقيا وحدة واحدة والمكسب للجميع) والاتفاقية فرصة ذهبية لمن يرغب فى العمل داخل سوق إنتاجه المحلى يزيد على ٣ تريليونات دولار وبه أكثر من مليار مستهلك، خاصة أن ٩٠٪ من الواردات والصادرات فى السوق معفية من الجمارك.
لم يعد التعاون بين مصر ودول أفريقيا رفاهية بالنسبة لمصر، ولا أمنًا قوميًا لها، بل أصبح التكامل والتعاون ضرورة تقتضيها تلك المتغيرات التى تكاد أن تعصف بالمنطقة. 
لقد انتهزت بعض الدول فرصة غياب مصر عن أفريقيا طوال عقود فتنافست على الاستثمار فيها، وتأتى الصين فى المقدمة حيث زادت استثماراتها على ١٧٠ مليار دولار فى مجالات البنية التحتية والتجارة والصناعة، ويكفى طريق الحرير الذى خصصت له الصين ١٢٤ مليار دولار ليربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، بالإضافة إلى سوق حرة مع جيبوتى تحقق ٧ مليارات دولار فى العامين المقبلين، وخط سكة حديد مكهرب فى إثيوبيا يربط بين مدنها، هذا التوغل الصينى فى أفريقيا دفع الجانبين إلى إنشاء العديد من المدارس لتعليم اللغة الصينية، أما أمريكا ففطنت إلى أهمية التواجد فى أفريقيا فأصبحت المنافس القوى للصين، تليها إسرائيل التى حرصت على التواجد فى القارة السمراء منذ عقود بعد أن جعلت من اقتصادها هدفًا لها، فكان نصيبها الاستثمار فى المعادن مثل الذهب والماس، كما استغلت خصوبة التربة وتوفر المياه فاستثمرت فى الزراعة.
لهذا كله لم يكن غريبًا أن نرى هذا الاهتمام من السيسى بأفريقيا، وعزمه على عودة الدور المصرى فيها، وتحقيق الوحدة والمكاسب المشتركة بين دولها، ولا غرابة فى سعيه لإنشاء خط سكة حديد وشبكة ربط كهربائى مع السودان، بل وانفتاحه على كل دول القارة من خلال تعاون تضمنته أغلب توصيات منتدى شباب العالم الأخير، والذى أراه قناة مهمة للتواصل مع دول القارة.
حرص بن جوريون على التواجد الإسرائيلى فى أفريقيا وأوصى به، ثم جاء نتنياهو ليقول (أفريقيا عادت لنا وعدنا لها) لذلك تواجد ٢٥٠ رجل أعمال إسرائيلى منذ سنوات للاستفادة من كنوز القارة، ثم دخلت الصين وأمريكا وتركيا ودول أوروبا، وهذا ما جعل السيسى أكثر إصرارًا على خوض التحدى ليعيدنا إلى أفريقيا، فهل تنهض معه كل قطاعات الدولة وفى المقدمة رجال الأعمال؟