الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

باروخ سبينوزا.. نقد التأويلات الباطلة

باروخ سبينوزا
باروخ سبينوزا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"إن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها"؛ قائل هذه العبارة هو الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا ويعد من أهم فلاسفة القرن 17، ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي.
سبينوزا، والذي تحل ذكرى ميلاده اليوم السبت، كان قد طرح كتابه "رسالة من اللاهوت والسياسة" الصادر سنة 1670م، والهادف أساسا لتحديد علاقة الدين بالسياسة من خلال عقلنة مناهج دراسة الظواهر، طبيعية كانت أم بشرية، ومعلوم أن الفيلسوف قد أشار في كتابه السالف الذكر إلى عدد من الإشكاليات المتعلقة بهيمنة الدين على السياسة، هذه الهيمنة التي تحاول تبرير إرادة سياسية لا علاقة لها بالنص الديني.
ولذلك فقد رفض سبينوزا القراءات اللاهوتية وانتقدها لارتكازها إلى أحكام مسبقة، وتشبثها بمبدأ التصديق والتسليم الذي تستغله الفئات النافذة للهيمنة على أفئدة العامة دون أي مراجعة نقدية.
ويعتبر سبينوزا من أكثر الفلاسفة جرأة رغم ما جره عليه هذا المؤلف من الويل والنقد اللاذع لكون هذه الرسالة عالجت إشكالية الدين والمعجزة والوحي وتاريخ الشعب اليهودي بطريقة فلسفية مجردة من الاعتبارات الإيمانية والاعتقادية، وفق منهج محدد لاكتشاف معاني النصوص المقدسة وهو المنهج الهندسي، الذي يقوم بدراسة الظواهر الطبيعية والبشرية بعيدا عن ادعاءات النخبة المستغلة للدين، والتي انتقدت سبينوزا الفيلسوف اليهودي الديانة الذي لم تشفع له ديانته أمام شعبه، حيث اعتبروه "قد صنع رسالته في جهنم وساعده في ذلك الشيطان.
كما أن الأوساط الكاثوليكية والكالفينية بل حتى الديكارتية انتقدته بسبب الرسالة، فأصبح نعت السبينوزية يعني الإلحاد والفساد الفكري والمعاداة للدين كما يقول بلير "السبينوزية أصبحت تطلق على من ليس لهم دين، ولا يعبئون كثيرا بإخفاء ذلك" أو كما يقول كوليروس" أليس هذا أخطر إلحاد عرفه العالم؟ إن هذا هو ما حدا براعي كنيسة الإصلاح في إنكوسه إلى أن يسمي سبينوزا عن حق، أفجر زنديق عرفه العالم" لكن سبينوزا على العكس من ذلك فهو يدعو في منهجه الجديد إلى التعامل مع متون النصوص المقدسة وفق منهج يعتمد على العقل والملاحظة ثم التجريح التاريخي، فمسألة النصوص المقدسة ليست حكرا على تراث بعينه، بل يمكن إسقاطها وإحلال مادة أخرى محلها، مع الإبقاء على نفس المنهج، كإسقاط التراث اليهودي وإحلال محله التراث المسيحي أو الإسلامي.
سبينوزا كان يريد تعميم فلسفته وتطبيقها على الديانات الأخرى لولا الإمكانيات اللغوية والثقافية المحدودة لديه، ومع ذلك فقد عمم تحليلاته على قدر ما استطاع على التراث المسيحي واليوناني والروماني ثم الإسلامي، ليصبح التصديق ثمرة لجهد وليس شرطه القبلي، فالقراءة الداخلية المحايثة للنصوص والوقوف على مكوناتها وسياقها التاريخي لا يقوض النصوص المقدسة، بل يقوض التأويلات الملتبسة التي حيكت حولها ليضع سبينوزا حدا للطرق التقليدية واللاهوتية لتأويل الكتاب المقدس والتي اعتبرته ينفلت من كل فهم، فكلماته وعباراته تنطوي على أسرار وخفايا يعجز الفهم على سبر أغوارها.