الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صناعة الفوضى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اعتدنا كل فترة أن يخرج علينا أحد المسئولين الأمريكيين السابقين بكتاب يحكى فيه عن الأسرار التى عاصرها وعايشها أثناء فترة توليه منصبه، وبالرغم من مرور أكثر من ١٥ عامًا على غزو العراق، و١٣ عامًا على إعدام الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، تظل هناك الكثير من الأسرار والتفاصيل حول الغزو الأمريكى وتداعياته، فضلًا عن شخصية الرئيس العراقى، ومدى الحقائق والأساطير حول شخصيته، وكيف تعاملت المخابرات المركزية الأمريكية مع المعلومات حول صدام، وتعمد نشر معلومات خاطئة حوله وحياته ونشأته. وهى قصة ساهمت فى صناعتها المخابرات مع وسائل الإعلام الأمريكية من صحف وقنوات تليفزيون.

وبعد مرور كل هذه السنوات، وتوالى اعترافات مسئولين أمريكيين مثل كولن باول وتونى بلير، ممن شاركوا فى عملية الغزو بأنهم اخترعوا أدلة إدانة صدام، فقد تواصلت الشهادات التى تضيف المزيد من التفاصيل وتربط بين داعش وفوضى الشرق الأوسط ودعم الولايات المتحدة للاستبداد والصراعات، وكيف تصنع شياطين وملائكة من الحكام حسب الهوى، وليس لأهداف ديمقراطية أو نزع السلاح.

واحدة من الشهادات المهمة تأتى شهادة جون نيكسون، مسئول المخابرات المركزية «سى. آى. إيه» السابق، والذى كان أول مسئول يقابل «صدام» بعد القبض عليه فى ديسمبر٢٠٠٣، ويستجوبه طوال أسابيع، وسجل نيكسون شهادته فى كتابه «استجواب الرئيس». والذى يقدم صورة مختلفة عن صدام، وعن عقلية الاستخبارات الأمريكية التى صنعت صورة عن الرئيس العراقى الأسبق

نيكسون كانت مهمته بالمخابرات من ١٩٩٨ دراسة شخصية صدام، وبعد القبض على صدام وبسبب شائعات عن وجود أكثر من شبيه له تم استدعاء نيكسون، ويقول: «مجرد أن رأيته، تأكدت أنه صدام». بل إن نيكسون يذكر بنوع من السخرية الكثير من الأساطير التى صنعتها المخابرات الأمريكية عن صدام، ومنها قصة وجود عشرات الأشخاص يمثلون دور الشبيه، وبعد أن يتعرف جون على صدام ويسأله عن قصة البدلاء يرد بسخرية: هل عثرتم على أى بديل.. لا يوجد سوى صدام حسين واحد. ولا ترجع أهمية شهادة نيكسون فقط إلى كونها تنسف فكرة أسلحة الدمار أو مشاركة صدام فى هجمات سبتمبر، لكنها تكشف كيف تصنع المخابرات مع وسائل الإعلام قصصًا وصورًا وحكايات لا أساس لها من الواقع، ويتم كل هذا بتعمد.

ويقول نيكسون إنه اكتشف أن المخابرات المركزية تحتفظ بتقارير عن صدام، منقولة من صحف تبلويد صفراء مثل قصة زواجه من راقصة، نشرتها الصحف وتناولتها محطات التليفزيون، وأبدى نيكسون دهشته من اعتماد أكبر جهاز مخابرات فى العالم على تقارير وهمية لا أساس لها. حيث أفرط الإعلام فى نشر مقابلات مع الراقصة المزعومة، وهم يعرفون أنها كذبة كبيرة.

ويكشف نيكسون عن وهم آخر روجته المخابرات المركزية والإعلام الأمريكى، عندما أرجعت ما اعتبرته عنف صدام إلى أنه كان يتعرض للضرب من عمه وزوج أمه بعد رحيل والده، وعندما يسأل صدام عن ذلك يقول له ضاحكًا: لقد كان عمى صديقًا لى وكنت كاتم أسراره، بل إنه هو الذى نصحنى بترك تكريت إلى بغداد.

نيكسون أجرى تحقيقًا مطولاً مع صدام ويقول: «صدام كان من أكثر الشخصيات المؤثرة فى حياتى، لديه القدرة على أن يكون مبهرًا، ولطيفًا، ومضحكًا، ومهذبًا عندما يريد.. لكنه يصبح متغطرسًا وبذيئًا عندما يغضب».

ويعترف نيكسون أن استجوابه لصدام أكد خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وعندما حاول إطلاع الرئيس جورج دبليو بوش على نتائج التحقيقات، اكتشف أن بوش لم يكن مهتمًا، وأنه «كان معزولاً عن الواقع.. يجلس وسط مستشارين يقولون له نعم».

ويرى نيكسون أن إدارة بوش لم تفكر فى تداعيات إسقاط العراق، وظهور تنظيمات متطرفة مثل داعش، ويتساءل عما إذا كان وضع المنطقة سيكون أفضل حال بقاء صدام، بل إنه يرى الفوضى الجارية نتاجًا لسياسات المخابرات الأمريكية، وأن بوش لم يطارد الإرهاب بعد ١١ سبتمبر، خاصة أن صدام كان يعتبر القاعدة والسلفيين السنة من أعدائه بل إنه أبدى تفهمًا لسياسات صدام فى مواجهة مؤامرات حقيقية ثبت أنها حقيقية لاغتياله وتفكيك العراق لصالح إيران. بل إن نيكسون يكشف عن صدمة الرئيس العراقى من صفقة إيران كونترا التى باعت فيها أمريكا السلاح لإيران. وكيف صنعت أمريكا الفوضى وتركتها قائمة.

ومن العراق إلى اليمن، إلى سوريا إلى ليبيا، ترى مصر أن الصراع لا يقود إلى حل، وأن السياسة وحدها هى التى تضمن التوصل للاستقرار وتحل الصراعات، ومنذ بداية الأزمة فى ليبيا، ومصر تتخذ موقفًا واضحًا نقطة الارتكاز فيه دعم وحدة الشعب والأراضى الليبية ودعوة المجتمع الدولى للقيام بمسئولياته تجاه دعم الاستقرار فى ليبيا، وإنهاء حكم الميليشيات ودعم وحدة الجيش والمؤسسات الليبية، وهى مطالب تتناقض مع مساعى الدول التى تدعم الإرهاب وتريد استمرار الفوضى فى ليبيا ونهب بترول وثروات الشعب الليبى، وكان موقف مصر من البداية وحتى الآن يتركز فى وحدة الشعب الليبى، وآخر خطوة كانت القمة المصغرة للقادة المعنيين بالشأن الليبى، فى «باليرمو» بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس التونسى ورؤساء وزراء إيطاليا وروسيا والجزائر ورئيس المجلس الرئاسى الليبى والقائد العام للقوات المسلحة الليبية ورئيس المجلس الأوروبى ووزير الخارجية الفرنسى

وفى القمة جدد الرئيس السيسى مطالبته لكل الأطراف الليبية بالالتقاء على كلمة سواء وإعلاء المصلحة الوطنية فوق أى اعتبارات سياسية أو أيديولوجية أو قبلية، وأكد من جديد أن مصر تقف على مسافة واحدة بين جميع الليبيين، وموقفنا تجاه ليبيا يستند إلى اعتبارات حماية الأمن القومى والاستقرار فى ليبيا وفى مصر.

بدون شك كانت الفوضى فى ليبيا نتاج تواطؤ دولى، حيث تدخل حلف الناتو لإسقاط القذافى وترك الفوضى تتفاعل، وتحولت الأراضى الليبية إلى مجال لميليشيات الإرهاب وتجارة السلاح والهجرة غير الشرعية، ولهذا كان رأى مصر أن الخطر من الفوضى لن يقتصر على ليبيا أو مصر، وإنما سوف يطال أوروبا، وهو ما حدث سواء فى هجمات إرهابية أو فى تدفقات للهجرة غير الشرعية، وتجارة غير مشروعة للسلاح، ولهذا بدأت أوروبا والدول المضارة مثل إيطاليا وفرنسا تنتبه إلى النتائج الوخيمة للفوضى فى ليبيا، وظهرت تحالفات دول مثل قطر وتركيا مع تنظيمات الإرهاب بهدف السيطرة على النفط وإعادة نشر فلول داعش من العراق وسوريا.

مصر دعت من البداية المجتمع الدولى إلى السعى لحل للأزمة الليبية، والتى أضحت تمثل تهديدًا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمتوسط، وأن الأهم هو التسوية السياسية الشاملة فى ليبيا، واستعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية وأن يكون دور المجتمع الدولى داعمًا للتسوية فى ليبيا، دون أى انحياز لأى طرف من الأطراف وأن التسوية يقودها وينفذها الليبيون من جميع أنحاء البلاد، بدون اجتزاء أو اختزال للأزمة فى جانب واحد، ولهذا سعت مصر إلى توحيد المؤسسة العسكرية فى ليبيا، لأن الأمن أساس أى تحرك، وهو الذى تستهدفه التنظيمات الإرهابية وداعموها.

ومع الوقت تتأكد الرؤية المصرية، فى أن الحل هو ضمان وحدة الدولة، وقوة مؤسساتها، وغير ذلك يقود إلى فوضى لا تفضى لشىء.

حفظ الله مصر وشعبها وجيشها