تعاظم دور الشعر في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأفاض بكلمات وصور تحتوي فضائله وقيمته، فهو نور يُستضاء به، ملأ الدنيا وما فيها خلقا وعلما وأدبا.
كانت الدنيا قبائل متناحرة فوحدها في دولة يحكمها الخلق والقانون والحب والإخاء، فلا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى؛ حيث كان الشعر في الجاهلية يميل إلى التفاخر بالأنساب والأعراق، فانصهر في الإسلام في الدفاع عن الأمة الإسلامية والمسلمين، وقد تغيرت المفردات من التفاخر إلى مدح رسول الله، وتغير نهج الشعراء بالخلق القويم، فهذا كعب بن زهير هاجم النبي ثم تراجع وأسلم، فما كان من النبي إلا التسامح، وقد أهداه بردته مكافأة له ونسي الإساءة بالمعاملة الحسنة ضاربا أروع الأمثلة في التسامح، فكتب كعب بن زهير:
نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
مَهْلاً هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْ قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
كان هدف النبي - صلى الله عليه وسلم -، توحيد الكلمة وتوحيد الصف والتعاون والتماسك، فالمسلمون متسامحون؛ لذلك فهم يتسامون ويعلو شأنهم كقمم الجبال، فقد مدحه حسان بن ثابت الذي عاش مئة وعشرين عاما نصفها في الجاهلية والستين الباقية في الإسلام وكان شاعر الرسول وزوجه سرين التي أنجبت له ابنه عبد الرحمن وهي أخت مارية القبطية من مصر تكريما للمرأة المصرية، فالمصريون يصاهرون النبي وحسان بن ثابت فقال:
إِنَّ الذَوائِبَ مِن فِهرٍ وَإِخوَتَهُم قَد بَيَّنوا سُنَّةً لِلناسِ تُتَّبَعُ
يَرضى بِها كُلُّ مَن كانَت سَريرَتُهُ تَقوى الإِلَهِ وَبِالأَمرِ الَّذي شَرَعوا
وفي كل عصر من العصور نجد النور والهدى والضياء والروح مفردات تسير كنهر متدفق على ألسنة الشعراء، فالكلمات تستدعيها الروح والوجدان، فتخرج في أبهى صورة مدحا لأبهى شخصية على وجه الأرض، فالشعر نضب من كلمات تعجز عن وصف النبي، فأي كلمات تحتوي خصاله، وإذا وصلنا إلى العصر الحديث نجد أحمد شوقي يمدحه قائلا:
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وسناء
الروح والملأ الملائك حوله للدين والدنيا به بشراء
يا خير من جاء الوجود تحية من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا
بك بشر الله السماء فزينت وتوضأت مسكا بك الغبراء
ولم تف الكلمات حق رسول الله مدحا، ولم يأت الشعراء بما في جعبتهم من صور واستعارات تغطي فضائل وخصال نبي الأمة ومعلمها، صلى عليك الله يا علم الهدى.
