الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"عفاف".. قصة كفاح عمرها 45 سنة

عفاف
عفاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زوجى مات راضى عنى.. «٥٠ بلاص» رأسمالها فى الحياة.. وطلبى مجاب من ربنا
رائحة «المش» المنبعثة فى سوق الأربعاء بمدينة أبوكبير، تسرق الانتباه لامرأة ستينية، تستند بظهرها، إلى سيارة متوقفة بالشارع، تفوح من وعاء الجبنة القديمة، التى صنعتها بحرفية بمنزلها، جعلت «جبنتها» مميزة، إضافة إلى كلماتها الطيبة، التى تنادى الزبائن بها، جعلهم يقتربون للشراء عن طيب خاطر، فضلًا عن ملامحها، التى تروى حكايات، دون النطق بكلمة، سوى ابتسامة لا تغيب زينت جبينها، فالرضا والشقاء حكايتان امتزجتا، واضحتان على وجه «عفاف»، صاحبة الـ٥٠ جرة، فهى ليست كأى أخرى تبيع الجبنة..
«عفاف مصطفى»، تخطت ٤٥ عامًا، فى صناعة الجبنة القديمة وبيعها بأسواق المدن، فبعد زواجها لم تجد مفرًا من العمل، لمساعدة زوجها، الذى يبذل كل جهده، لتوفير قوت يومهم، خاصة بعد إنجاب أول طفل لهما، لكن شاءت الأقدار أن يكون رزقهم بالكاد، فهو يعمل أجيرًا لدى الفلاحين، لم تكن تعلم ماذا تعمل، فهى لا تمتلك قيراط أرض، أو موظفة، فكانت «جبنة المش»، وسيلة للرزق ببيعها لأبناء المدينة، ومن هنا بدأت مشوار الكفاح، الذى اعتادته منذ طفولتها، ولأنها الابنة الكبيرة لأسرتها، كانوا يعتمدون عليها، فى أعمال المنزل، التى تفوق عمر الأطفال، فتحملت المسئولية، حتى تم خطبتها فى عمر الـ١٤، كان خطيبها الذى عقد قرانه عليها، آنذاك بالجيش، ادخرت من الراتب الشهري، الذى كانت تتقاضاه من الجيش المصري، مبلغًا اشترت به الشبكة لنفسها، وتزوجا بعد ٣ سنوات، فضيق الحال كان حائلًا، لإتمام الزواج مبكرًا.
وتروى «عفاف»، تلك التى كان لها نصيب من اسمها، تعففت عن السؤال، وكافحت من أجل حياة كريمة، يبدأ يومهما مع أذان الفجر، يخرج زوجها لعمله، وتخرج هى للأسواق، تبيع الجبنة القديمة، وتشترى جبنة قريش بيضاء، وأيضًا بيع الجبنة، تعود برزقها فى آخر النهار، لتبدأ كفاحًا جديدًا، بواجبات بيتها، وما إن تنتهى تبدأ بتجهيز الجبن، هذه دورة حياتها.
وعن صناعة الجبن الذى تميزت فيه، تقول: «ربنا عارف إنها رزق عيالي، حلاها فى إيدي، وميزنى عن غيري، والزباين كانت تطلب جبنتى بالاسم، وعن مراحل صناعتها قالت إنها: تضيف الملح للجبنة البضاء وتتركها أيامًا لتتماسك، وتضيف اللبن الرائب والملوحة «المرتة» والكوسبة بعد مزجهم، وتضيفهم للجبنة، بعد رصها بالبلاص، كانت رأس مالها، وكأن عدد الجرارت كان يزيد مع عدد الأبناء حسب قولها، فبدأت بواحد حتى وصل عددهم أكثر من ٥٠.
لم تكن مهنتها يسيرة، فكانت تجتهد قدر استطاعتها، لم يعوقها برد الشتاء والمطر، أو حتى حرارة الصيف، عن هدفها، حتى أنها أجهضت ٦ مرات، من الحمولات الثقيلة التى كانت تتجول بها، وأنجبت ٦ من الأبناء، عوضًا عمن فقدتهم، من بينهم ٤ فتيات، كل ما كانت تتمناه هو الستر، وكانت قناعتها بالقليل، زادها فى رحلة الحياة، كانت كل ما تتمناه فقط البركة والستر، فرزقها الله البركة فى الأبناء ببرهم، والمال رغم قلته، وعلمت أبناءها، وأصغرهم فتاة بكلية التربية بجامعة الزقازيق، تحصل على المركز الأول كل عام، وتستعد للماجيستير والدكتوراه، فتلك هى فرحة أمها الكبيرة. 
واختتمت بابتسامة: «ربنا كافئنى بأبناء بارين، وفخر ليا بأخلاقهم وقناعتهم، ويشهد ربنا أنى شقيت وربتهم بالحلال، بناتى اتجوزوا شباب محترمين، ولى أحفاد زى الورد، وأولادى طلعونى أنا وأبوهم حج قبل وفاته، وأمنيتى الوحيدة أموت فى الكعبة، وأزوج بنتى الأخيرة، وواثقة فى عطاء ربنا هينولهالي، لأنه مخذلنيش طول عمري».