السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«شيعة الجزائر».. فيروس يهدد وحدة بلد المليون شهيد.. والسلطات تصادر طردًا يحتوي على كتب شيعية بمطار ماي سطيف.. ونشطاء يحذرون من محاولات طهران لنشر الفتنة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا تتوقف محاولات إيران من أجل اختراق الدول العربية، فبين الفترة والأخرى تظهر بعض الوقائع التى تؤكد استمرارية موقفها وخططها التى تنتهى من أجل تنفيذ مآربها فى زرع عناصر تنفذ ما تصبو إليه.
مؤخرا صادرت السلطات الجزائرية فى مطار «8 ماى بسطيف» بولاية سطيف، طردًا بريديا به كتب شيعية، وأحجار متعلقة بالمذهب الشيعي، قادمة من العراق عبر فرنسا، وهو ما يفضح محاولات النظام الإيرانى المتكررة لاخترق بلد المليون شهيد، وخلق بؤرة شيعية فى الجزائر.

ذكرت مصادر لصحيفة الشروق الجزائرية، أن أفراد فرقة فحص الطرود البريدية، التابعة لمفتشية أقسام الجمارك بمطار «٨ ماى بسطيف»، تمكنت من ضبط ٧ كتب، ومجموعة أحجار لها علاقة بالمذهب الشيعي، قادمة من كربلاء والنجف بالعراق، والتى يستعملها الشيعة أثناء السجود فى الصلوات، ويعتبرونها مقدسة.
وأوضحت السلطات الجزائرية، أن الكتب والأدوات الشيعية عثر عليها فى حقائب المسافرين القادمين على متن رحلة جوية قادمة من ليون الفرنسية.


سوابق إيرانية
وخلال الأشهر الماضية، ارتفعت وتيرة مواجهة السلطات الجزائرية لمظاهر التشيع فى البلاد، فى ظل تحذير نشطاء من مساع إيرانية لنشر التشيع فى الجزائر، والتى على إثرها تم إنهاء عمل الملحق الثقافى فى السفارة الإيرانية بالجزائر «أمير الموسوي»، بعد اتهامات له بنشر التشيع فى بلد المليون شهيد.
وأغلقت إدارة معرض الجزائر الدولى للكتاب، فى ٣١ أكتوبر ٢٠١٨، جناحًا يُسمَّى «المجمع العالمى لأهل البيت»، الذى أُسس فى ١٩٩٠ بأمر من المرشد «على خامنئي»، بعد عرضه كتبًا مسيئة لصحابة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتحتوى على مضامين متطرفة تروج للمذهب الشيعي.
ومن الكُتب المعروضة فى جناح المجمع العالمي، «عدالة الصحابة بين القداسة والواقع»، لمؤلفه يحيى عبدالحسن الدوخي، وثانٍ تحت عنوان «الصحابة فى حجمهم الحقيقي»، واللذان وردت فيهما إساءات كثيرة للصحابة، وثالث تحت عنوان «ثورة الحسيني» لمؤلفه آية الله باقر الحكيم، بحسب صحيفة الشروق الجزائرية.
الأمر لم يتوقف عند مصادرة الكتب والتغلغل الثقافى، ولكن استطاعت قوات الأمن الجزائرية، فى يونيو الماضي، تفكيك تنظيم شيعى يُعرف بتنظيم «أنصار الدين» يقوده «سيدى شريف عثمان حيدرة» فى دولة مالي، على الحدود مع الجزائر، ويرتبط بعلاقات واسعة مع الحرس الثوري، ضمن مشروع إيرانى لتأسيس ذراع شيعية فى الجزائر، تماثل نموذج حزب الله فى لبنان؛ سعيًا لضم جزائريين إليه فى المستقبل، ضمن مخططات بعيدة المدى، لتأسيس هذا التنظيم المذهبى داخل الجزائر.
نشاط طهران فى استهداف الجزائر، تصاعد مع وصول الدبلوماسى الإيرانى المُثير للجدل «أمير موسوي» للجزائر فى ٢٠١٤، وغادرها أخيرًا، بعد قضائه ٤ سنوات فى مهمة الملحق الثقافى لسفارة إيران، والذى اتُّهِمَ بنشاطه لنشر التشيع، واستقطاب الجزائريين عبر السفر إلى العراق ولبنان وإيران.
وفى إبريل، أطلق ناشطون ومدونون جزائريون حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى تدعو إلى «طرد الملحق الثقافى بالسفارة الإيرانية أمير موسوي»، وهو ما حدث بخروج موسوى فى سبتمبر الماضي.
واعتبر النشطاء أن «موسوي»، يُشكل خطرًا حقيقيا على الأمن الجزائري؛ بسبب علاقاته المتشعبة وسط المجتمع المدني، ونشاطه المشبوه فى نشر الفكر الشيعي.



لماذا تستهدف إيران الجزائر؟
قال قاسمى سعيد، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: إن النظام الإيرانى تسيطر عليه النزعة المذهبية فى السياسة الخارجية الإيرانية؛ ما يشكل تهديدًا على الأمن القومى الجزائري.
وأضاف «قاسمي»، فى دراسة له بعنوان «النزعة المذهبية فى السياسة الخارجية الإيرانية وتداعياتها على الأمن القومى الجزائري»، نشرها المعهد الدولى للدراسات الإيرانية، أن الجزائر منذ تأسيس النظام الإيرانى الجديد، كان هدفًا لسياسة تصدير المذهب «تصدير الثورة الخمينية».
وأوضح أن إيران سعت إلى «تأسيس مذهبي» فى الجزائر، عبر السعى لخلق نخب وأقليات مذهبية فى الجزائر، تكون وسيلتها لتعميق نفوذها واتخاذها مبررًا للتدخل إذا استدعت الضرورة.
ولفت الأكاديمى الجزائري، إلى العلاقات المبكرة التى نسجها «آيات الله»، مع إسلاميى الجزائر ودعمهم لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، واستقبال طهران الحافل لزعيم الجبهة «عباس مدني» فى تسعينيات القرن الماضي، ودعم الجبهة حتى بعد إلغاء السلطات الجزائرية للانتخابات التى فازت بها الجبهة فى ١٩٩٢.
واحتج نظام «الخميني» على إلغاء الانتخابات الجزائرية التى فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، واصفة ذلك بـ«المسلكية الطاغوتية» كما سمتها طهران، ولم تتوان إيران فى وصف اغتيال الرئيس الجزائرى «محمد بوضياف» بأنّه «اغتيال طاغية»، كما صرح بذلك رجل الدين «أحمد جنتي» فى إحدى خطبه بجامعة طهران.
وما زاد مخاوف السلطات الجزائرية من السياسة الإيرانية، أن طهران وعدت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بدعمهم بـ٥ ملايين دولار فى حال وصولهم إلى السـلطة، ومن دون أن تكشـف أسـباب هـذا الدعـم، ورغـم الاختلاف المذهبى بيـن الجبهة التى تتخذ من السـلفية منهجًا، وهو ما تعده إيران «مذهبًا» معاديًا لمذهبها الرسمى الإثنى عشـري، الذى تسـميه «مذهـب آل البيت»، وقد أسـفر هـذا التدخل الإيرانى عن اتخاد الجزائر قرارًا بإبعاد ٧ دبلوماسيين إيرانيين، من بينهم الملحق العسكرى والثقافى ومساعد السفير، فى إطار قرار تخفيض مستوى التمثيـل الدبلوماسـي، قبل أن تقـدم الجزائر على سحب سفيرها وعدد من الدبلوماسيين فى أوائل ١٩٩٢ بعد قيام إيرانيين بمحاصرة السفارة الجزائرية.


ولفت إلى أن إيران سعت إلى نشر المذهب الشيعى فى الجزائر لمد نفوذها، لافتًا إلى أن الوجود الشيعى الجزائرى أصبح علنيًّا منذ ٢٠١١، وتعاظم خلال وجود أمير الموسوى كملحق ثقافى فى السفارة الإيرانية.
ورأى الأكاديمى الجزائري، أن استمرار وتيرة التغلغل الإيرانى بالصورة المذهبية يؤثر على وحدة المجتمع الجزائرى وتماسكه.
الأمر الآخر من وجهة نظر «قاسمي»، هو أن هناك مخاوف على الأمن القومى الجزائرى من تأسيس إيران «جماعات شيعية مسلحة» على غرار الميليشيات الشيعية فى العراق وسوريا واليمن، وحزب الله فى لبنان.
وأبدى الباحث تخوفه من اللعبة على ورقة الهوية العرقية والصراع العربى الأمازيغي، فى نشر التشيع بين الأمازيغ؛ ما يزيد الهوية والصراع المجتمعى بين العرب السنة، والأمازيغ الشيعة؛ حيث إن هناك صراعًا متكررًا بين الأمازيغ والعرب فى الجزائر.
وطالب «قاسمي»، فى ختام دراسته، السلطات الجزائرية، بالحسم فى التعامل مع الاختراق الإيرانى للمجتمع الجزائري، والتسريع فى تطويق المد الشيعى الذى تشرف عليه السفارة الإيرانية فى الجزائر، بقيادة «موسوي».
وأكد أنه إذا لم تسارع الجزائر فى مواجهة الاختراق الإيراني، فإن البلاد تتجه إلى سيناريو أسوأ مما حدث فى «العشرية السوداء»؛ حيث كان هناك دعم إيرانى للجماعات الإرهابية ضد الجيش والشرطة بالجزائر، فى تسعينيات القرن الماضي.
وفى نوفمبر ٢٠١٧، أوقفت الشرطة الجزائرية، بمطار هوارى بومدين فى العاصمة، وحققت مع أكثر من ٤٠٠ جزائري، عادوا من إحياء مراسيم عاشوراء وأربعينية الحسين فى كربلاء وقم، وحجزت بحوزتهم منشورات تشيد برموز وشخصيات دينية وسياسية عراقية وإيرانية.
واتهم الناشط السياسى الجزائرى أنور مالك، أمير موسوى بالتنسيق مع جزائريين متشيّعين لتنظيم رحلات سرية نحو طهران والنجف.
من جانبه، اعتبر المحلل والباحث السياسى المغربى محمد بودن، أن اعتقال التنظيم الشيعى من قبل الأمن الجزائرى يؤكد وجود مخطط متكامل تسعى إيران لتحقيقه فى الشمال الأفريقى عبر أوجه متعددة، فى مقدمتها حزب الله والنزعة المذهبية.
وأضاف بودن، أن التوغل الإيرانى فى الجزائر يأتى كنتيجة مباشرة لتطور العلاقات الإيرانية الجزائرية، والتى سمحت لإيران بهذا التوغل فى الأمن الروحى للجزائر، عبر أوجه عديدة من التعاون الثقافى.
ورأى بودن أن نسبة الجزائريين الشيعة فى ارتفاع، فهناك نحو مليونى شيعى فى الجزائر، وهناك تجمعات شيعية كبرى بالجزائر، لافتًا إلى أن الجزائر البلد السنى الوحيد الذى يدرج عاشوراء فى قائمة أيام العطلات الرسمية.