رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداع البوابة.. تلك هي إرادة السماء قصة قصيرة لـ"عبير أبو عليان"

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن هذه إرادة الله وإرادة الله فوق كل شيء، هكذا قال فى البداية، وأيضا قال فى النهاية، قالها بشجن... أكمل حديثه بأسى، وعزف على أوتار موسيقاه الحزينة، لم تقاطعه حبيبته فيما سمعت، دعته يكمل حديثه، وهى لا تفهم منه شيئا سوى نبرة الحزن والاضطراب التى تجلوها صوته، يتحدث ويناقض نفسه، يخبرها بأنه سيخسرها للأبد وأنه لن يعوضها طيلة عمره، ويستصغر نفسه لأنه قرر أن يفارقها، تسأل نفسها أتكون إرادة الله أن يخسر الإنسان من يحب ويعترف لنفسه بذلك، وأنه مهما طال عمره لن يعوض ذلك القلب الذى عشقه... كيف لأحد أن يستصغر نفسه عندما يفعل شيئا يندم عليه وتكون هى إرادة الله... هكذا صرخت فى أعماقها... فإن إرادة الله فوق الجميع، ولست أنت من تقرر إرادة الله كيف تسير؟ كتمت فى نفسها شجنا حزينا... لم تستطع أن تحاوره ولم تفعل شيئا سوى رحيلها من حياته كما أراد أسير الشجن... قررت أن تنساه إلى الأبد، ولكن حديثه لا يفارق مسامعها، فقوله «هذه إرادة الله» لم تفارقها، أخذت تفكر وتفكر فى حبيبها كيف كان معها منذ البداية همساته...حركاته... نظراته... لكى تدخل فى أعماق تلك الشخصية التى قد عشقتها ولم تعرف لغز الحزن الذى كانت تراه فى عينيه طيلة الشهور الماضية... طال ليلها وصمتها... وقفت فى النافذة تتأمل الفضاء الواسع وتلك النجوم الحائرة فى سمائها... أمعنت نظرها فى نجمة بعيدة خافتة، سمعت صوته العذب وهو يتحدث عن الحب وخلجاته ويعزف لحن الوفاء....
أطلقت لسمعها العنان لتتذكر ما حكاه عن قصة الدبة التى أكلت صاحبها وأن بعضا من البشر يفعل ما فعلته الدبة، بأن يقتل الإنسان حبيبه من أجل حبه له... هكذا سرد قصته بأسلوبه الخلاب الذى يجعل من يسمعه منبهرًا بذلك الصوت الندي... هنا ابتسمت ساخرة من حديثه مستنكرة ما تسمع فهو من عشقها قبل ذلك، وفى الوقت نفسه، تركها ورحل وهو يحبها كما يقول فكيف ينتقض ما فعلته وهو فعل نفس فعلها... هكذا زادت حيرتها وهمها... فالليل القاتم يكاد يقتلها بإحساسه الساكن والنجوم متناثرة فى أنحاء الفضاء الواسع فى مساحته (الضائق فى صدرها) حتى تكاد أن تختنق....
لمحت نجمة أخرى حينها عاودها حنينها إليه، سمعته وهو يتحدث عن عشقه لمصر الخارج عن إرادته، وهو يشبه ذلك الحب بالهرمونات التى لا يتدخل فيها الإنسان ولا علاقة له فيها....
لم يفارق صوته أذنيها تلك الليلة.. سقطت دمعة من عينيها حينما استرجعت قوله لها حين قال بيقين أنا وحدى سوف أعطيك مشاعر وحبا يفوق حب البشر... أجهشت بالبكاء هامسة فى صمتها أنه لم يعطها سوى العذاب الذى قد جمعه قساوة قلوب كل البشر..
قررت أن لا تذكره بعد هذا اليوم وأن تنساه كما قرر هو أن ينساها...
وفى ظل شجنها وصمتها ارتعدت السماء وتساقط المطر بشدة وتناثرت النجوم وتهاوت فلم تكد ترى، دخلت إلى غرفتها مرتعبة مما حدث، تنظر إلى ذلك المطر المنهمر بغزارة مخيفة من خلف النافذة، زاد بكاؤها وحرقة قلبها، إذ إنها أيقنت بأن تلك أيضا هى إرادة السماء......