السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

جهود إقليمية لمواجهة الإرهاب فكريًّا.. "الإفتاء المصرية" أنشأت مرصدين للتصدي لـ"التلاعب بالنصوص" والفتاوى التكفيرية.. و"اعتدال السعودى" يتسلح بتأهيل المتطرفين قبل دمجهم في المجتمع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تفاقمت ظاهرة الإرهاب فى أعقاب ما أطلق عليه الربيع العربي؛ حيث استغلت الجماعات المتطرفة حالة الفوضى الأمنية التى سيطرت على بعض البلدان، وشرعت فى استقطاب الشباب من أجل الانضمام إليها بدعاوى مختلفة، مستغلة بذلك مستويات البطالة المرتفعة بين المواطنين العرب، فضلًا عن الإحباط الذي أصاب العديد من الفئات الشعبية نتيجة تراجع المستوى المعيشى الذى ارتبط سلبًا بحالة الفوضى والتدهور الاقتصادى.


ويمكننا القول إن منحنى نشاط التنظيمات المتطرفة شهد تقدمًا فى بداية اندلاع الربيع العربى فى العديد من البلدان، والتى يأتى فى مقدمتها: ليبيا وسوريا، قبل أن تنجح ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ فى تقويض إرهاب التنظيمات المتطرفة، بعدما تمت الإطاحة بتنظيم الإخوان من الحكم، الأمر الذى شكل دافعًا قويًا للتنظيمات الإرهابية التى كانت تعول على حكم الجماعة، فى تقديم دعم عسكرى لها فى كل مناطق الصراع بالشرق الأوسط. 
ورغم قيام بعض الجيوش النظامية فى المنطقة بشن حملات ممنهجة من أجل وأد التطرف، ومن ذلك إطلاق الجيش الوطنى الليبى، بقيادة المشير خليفة حفتر، عملية الكرامة فى ٢٠١٤ من أجل قتال التنظيمات الإسلاموية، التى تمددت فى ليبيا، كما استعان الجيش الوطنى فى اليمن بالتحالف العربى، من أجل تحرير البلاد من تنظيم الحوثى الإرهابى الموالى لإيران فى ٢٠١٥، وأطلقت مصر العملية العسكرية الشاملة «سيناء ٢٠١٨» من أجل القضاء على بذور التطرف، ورغم كل هذه الجهود؛ فإن مجابهة الإرهاب لا يمكن أن تتم من خلال الأداة العسكرية فقط، ولا بد من أداة أخرى فكرية تعمل معها بالتوازى. 
وبعبارة أخرى؛ إذا كانت الأداة العسكرية تنجح فى هزيمة العناصر المتطرفة على أرض الواقع، فإن الأداة الفكرية تتركز مهمتها فى اجتثاث التطرف فكريًّا، بما يعيق قدرات الإرهابيين على استقطاب عناصر جديدة، الأمر الذى يجعل من دور الأداة العسكرية فى مواجهة الإرهاب أسهل، بعدما تم تجفيف أدوات التنظيمات المتطرفة الاستقطابية. 

وعلى صعيد متصل، تتطلب مواجهة الإرهاب فكريًّا تبنى حملات فكرية من أجل القضاء على الفكر المتطرف، ومن هنا جاء إنشاء مؤسسات قومية ودولية تعمل فى هذا الغرض خصيصًا؛ فعلى سبيل المثال، أنشأت دار الإفتاء المصرية مرصدين، أحدهما «مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة»، والآخر «مرصد الإسلاموفوبيا»؛ وعمدت دار الإفتاء من خلال المرصد الأول إلى تقديم أنواع الدعم كافة، بما فيها العملى والشرعى والفكرى للأجهزة والمؤسسات الحكومية بهدف مواجهة التطرف فكريًّا ووأده، فى طور النمو، بما يشل قدرة التنظيمات المتطرفة على الحركة.
ويرتكز عمل «مرصد الفتاوى التكفيرية» على شقين، أحدهما يتعلق برصد الفكر المتطرف، ومصدره التراثى، سواء كان كتبًا أو مفكرين، والرد على التلاعب فى النص، أو تأويله بما يحقق مصالح التنظيمات المتطرفة، أما الشق الثانى فهو إجرائى يتعلق برد فعل دينى من المؤسسة على هيئة فتاوى تُعيد تصحيح الفكرة أو تطرح الرؤية الصحيحة المغايرة لرؤية التنظيمات المتطرفة أو تبعث بتوصيات لأجهزة الدولة الحكومية من أجل وأد الفكرة المتطرفة.
أما «مرصد الإسلاموفوبيا» فيختص برصد الظواهر والأفعال العنصرية التى تهاجم الدين الإسلامى فكريًّا، والمواطنين المسلمين عمليًّا، وتحاول دار الإفتاء من خلال هذا المرصد قطع الطريق على التنظيمات الإسلاموية التى تستغل «الإسلاموفوبيا» كوسيلة من أجل استقطاب المزيد من الشباب الذى يعانى من العنصرية فى الغرب.

وتدرك دار الإفتاء المصرية أن حوادث «الإسلاموفوبيا»، وسوء معاملة المسلمين فى البلاد الغربية، لعبا دورًا رئيسيًا فى دفع عدد من الشباب المسلم بأوروبا نحو الانضمام للتنظيمات المتطرفة، وقد أدرك تنظيم داعش هذه المفارقة، وعمل على تضخيمها، الأمر الذى مكّنه من استقطاب ما يقارب ٥ آلاف أوروبى، وهو ما يعنى أن مواجهة الإسلاموفوبيا تجفف المصادر البشرية للتنظيمات المتطرفة. 
وإقليميًا؛ أدركت المملكة العربية السعودية أن دورها الدينى يحتم عليها اتخاذ موقف ضد التطرف والإرهاب، فسعت من خلال المركز العالمى لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، إلى مواجهة التطرف فكريًّا، وإعادة تأهيل المتطرفين قبل إعادة دمجهم فى المجتمع مرة أخرى. 
تأسس مركز «اعتدال» فى عام ٢٠١٥، ويعرف المركز نفسه على موقعه الإلكترونى بصفته المرجع الأول عالميًا فى مكافحة الفكر المتطرف وتعزيز ثقافة الاعتدال، ويسعى لتحقيق ذلك من خلال رصد وتحليل الأفكار المتطرفة واستشرافها من أجل التصدى لها، ويتم ذلك من خلال تعاون المركز مع المؤسسات الدولية أو الدول الراغبة فى مكافحة التطرف.


وفى أبوظبى، أسس مجلس حكماء المسلمين، فى عام ٢٠١٤، بصفته هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة، ويتخذ المجلس من العاصمة الإماراتية مقرًا لنشاطاته، واضعًا توحيد المسلمين، وطفاء الحرائق التى تلتهم جسد الأمة الإسلامية هدفًا له. 
ولم يغب الأزهر عن أزمة مواجهة الفكر المتطرف؛ فقد أسس فى عام ٢٠١٥ مرصدًا لمكافحة التطرف، يعمل بـ١١ لغة، كما أطلق مؤخرًا فى إطار خطته لتفنيد أفكار التيارات المتشددة المتطرفة والرد على الفتاوى التكفيرية، حملة دعوية بعنوان: «فرق الوعظ.. ومجالس الفتاوى المصغرة»، وهى عبارة عن قوافل دعوية لتوعية المواطنين الجالسين على المقاهى بمخاطر الإرهاب والفكر المتطرف بصفة عامة.
وفى السياق ذاته، منعت وزارة الأوقاف المصرية غير الأزهريين من الصعود إلى المنابر، إلا بعد الحصول على تصريح خطابة، كما قصر الأزهر الشريف الفتوى على القنوات الفضائية على أعداد معينة من العلماء الأزهريين، بهدف قطع الطريق على بعض التنظيمات التى تستغل المنصات الإعلامية للترويج لفكرها المتطرف.
وفى النهاية، يمكننا القول إن المواجهة الفكرية للتنظيمات المتطرفة يجب ألَّا تكون بمعزل عن المواجهة العسكرية، بل إن تلازمهما يجعل من سياسات مواجهة الإرهاب أكثر فاعلية.