الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

نص كلمة أمين الجامعة العربية في المؤتمر العربي السادس بالفجيرة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، فـي الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر العربي السادس للاستثمار في الأمن الغذائي، الذي عُقد بإمارة الفجيرة تحت رعاية الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الفجيرة: "يطيب لي أن أشارك اليوم في فعاليات المؤتمر العربي السادس للاستثمار في الأمن الغذائي مع هذه النخبة من المسئولين وقيادات وأصحاب الأعمال المعنيين بواحدةٍ من أخطر القضايا وأكثر التحديات إلحاحًا: الأمن الغذائي في العالم العربي. 
وأضاف: من هذا المنبر أودّ أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وبصفة خاصة لصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الفجيرة، على تفضله باستضافة هذه الدورة وعلى الحفاوة والوفادة والجهد المبذول للعمل على إنجاح أعمال المؤتمر، لا ينبغي علينا، ونحن نتناول أي شأن من شئون أمتنا ومستقبلها، أن ننزع إلى التهويل أو نركن إلى التهوين، كلا الموقفين خطأ ويرتب نتائج خاطئة.. وإنما ننظر إلى القضايا في حجمها، ونواجه التحديات بما تقتضيه من يقظة واستعداد وحس مستقبلي واع، ولا أبالغ إذا قُلت إن قضية الأمن الغذائي هي قضية وجود بالنسبة للعالم العربي.. ولا نتحدث هنا سوى انطلاق من الواقع واستناد إلى الحقائق.. والواقع مزعجٌ والحقائق تدعو إلى القلق، إن العالم العربي هو أكبر منطقة عجز غذائي في العالم.. إذ نستورد نحو نصف احتياجاتنا من الغذاء، وتصل نسب واردات الحبوب، وهي مكون استراتيجي في سلة الغذاء العربية، في بعض الدول، إلى 70% وأكثر من الاستهلاك المحلي، وتتصدر الدول العربية قائمة أكبر مستوردي اللحم، كما أن مصر هي أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم.
وتابع أبو الغيط: الأزمة ليست جديدة وقد تنبهت لها الحكومات العربية في العقود الماضية، الزيادة السكانية الرهيبة، وارتفاع مستويات الدخول، مع تراجع الإنتاج الزراعي أسهمت جميعًا في اتساع الفجوة على نحو متسارع ومخيف.. لقد زاد عدد سكان المنطقة العربية من 100 مليون في 1960، إلى نحو 300 مليون في 2006.. ومن المتوقع أن يصل سكان العالم العربي إلى 600 مليون في 2050، فإذا أضفنا إلى ذلك تحدي الشح المائي الذي تواجهه المنطقة العربية التي يصلها 1% فقط من موارد المياه العذبة في العالم، نجد أنفسنا أمام سيناريوهات لا أقول إنها كارثية، وإنما تدعو إلى التدبر والاستعداد، حفاظًا على البقاء وصونًا للحضارة والعمران.
وواصل أمين الجامعة العربية: الحقيقة أن تحدي الأمن الغذائي له أوجه مختلفة.. إذ إن له بعدًا جيوسياسيًّا لا يخفى.. وقد تنبهت له الدول العربية في مرحلة مبكرة بخُطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الستينيات والسبعينيات، خاصة عندما هددت الدول الكبرى بقطع توريد الغذاء ردًّا على الحظر البترولي بعد حرب أكتوبر.. وقد تجدد الشعور بالخطر مع أزمة 2007 و2008 التي شهدت ارتفاعًا حادًّا في أسعار الغذاء على صعيد عالمي.. وكذا في عامي 2010 و2011 عندما شهدت أسعار الحبوب ارتفاعًا مماثلًا أشار البعض إلى أنه لعب دورًا رئيسيًّا في إشعال الأوضاع في أكثر من دولة عربية، بسبب ما شهدته هذه الدول من تضخم حاد في أسعار السلع الغذائية الأساسية خلال فترة قصيرة.
وأضاف أبو الغيط: لا شك أن ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء يُمثل تحديًا خطيرًا، خاصة للدول العربية غير النفطية.. ويشير الخبراء إلى أن هذا الارتفاع له عوامل هيكلية، ومن ثم فهو يعكس وضعًا دائمًا ولا يمثل ظاهرة عابرة... ذلك أن انتقال مئات الملايين من البشر إلى الطبقة الوسطى في الصين والهند وغيرهما كان من شأنه تغيير أنماط الاستهلاك وأدى إلى توسع الطلب بشدة على اللحوم والحبوب. يُضاف إلى ذلك الاتجاه إلى تزايد الطلب على الوقود الحيوي، خاصة في الولايات المتحدة والبرازيل وغيرها، فضلًا عن تأثيرات التغير المناخي، وكلها عوامل تشير إلى أن أسعار الغذاء ستواصل ارتفاعها في المستقبل.. بل ستتضاعف.. وهو ما يقتضي منا الاستعداد وبناء الاستراتيجيات الوطنية والعربية على هذا الأساس.
واستطرد: رغم التفاوت في الأوضاع الاقتصادية بين الدول العربية، ومن ثم التفاوت في تأثير ارتفاع أسعار الغذاء على المجتمعات في هذه الدول.. إلا أن الفجوة الغذائية بين ما ننتج وما نستهلك (والتي نسدّها بالاستيراد) تُمثل واقعًا تواجهه الدول العربية جميعًا.. وحتى الدول التي تستطيع، بواقع وضعها المالي المستقر، توفير واردات الغذاء من دون إرهاق لموازناتها.. تشعر بالقلق والانزعاج إزاء تقلب الأسعار، وإمكانية فرض الحظر التجاري وحظر التصدير من جانب الدول المصدرة.. وهو ما حدث بالفعل في فترات سابقة.. وقد دفع هذا الوضع عددًا من الدول العربية إلى التفكير في استراتيجيات مستدامة لتحقيق الأمن الغذائي.. وما يُسمى بـ"السيادة الغذائية"، أي أن يكون للدولة القدرة على تحقيق أمنها الغذائي اعتمادًا على ذاتها مهما كانت الظروف.. سواء عبر زيادة الانتاج المحلي أو الحصول على أراض في الخارج أو غير ذلك من الاستراتيجيات.
وأضاف أبو الغيط: أنوِّه في هذا المقام بالإمكانيات الهائلة للدول العربية- إن هي تبنّت استراتيجيات تكاملية- للتعاون وفق منطق المنفعة المتبادلة لتحقيق الأمن الغذائي والرفاه الاقتصادي للجميع.. وللسودان تجربةٌ رائدة في هذا المجال لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا.. وقد تقدَّم فخامة السيد المشير عمر البشير، رئيس جمهورية السودان، بمبادرة للاستثمار الزراعي العربي في السودان للمساهمة في سد الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي العربي، وذلك من خلال القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية الثالثة التي عُقدت في الرياض عام 2013.. وتهدف المبادرة إلى استغلال موارد السودان الطبيعية (الأرض والمياه والمناخ والموقع الجغرافي)، وذلك بالاستثمار في سلع غذائية أساسية يمتلك فيها السودان ميزة نسبية.
وقال أمين الجامعة العربية: لقد جربنا في السابق استراتيجيات تقوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي المطلق والكامل، ولم تحقق النجاح المأمول في سد الفجوة الغذائية، إذ تبيّن ما تنطوي عليه هذه الاستراتيجيات من عوارٍ اقتصادي، وما تتسبب فيه من تدهور بيئي، فضلًا عن عدم استخدام الموارد الشحيحة، وعلى رأسها المياه، الاستخدام الاقتصادي الأمثل الذي يُراعي الأبعاد المستقبلية.
وأضاف: جربنا كذلك استراتيجيات تعتمد على التجارة وحدها، وفق مبدأ الميزة النسبية، وبحيث يتم سد الفجوة الغذائية من خلال الاستيراد.. ووجدت الكثير من الدول العربية أن ذلك يعرضها لتقلبات السوق وانفلات الأسعار العالمية، فضلًا عن المخاطر السياسية المعروفة التي تنتج بالضرورة عن الارتهان للاستيراد، وعلينا اليوم أن نسعى إلى استراتيجيات جديدة تمزج بين زيادة الإنتاج المحلي، والاستفادة من التقدم الهائل في تكنولوجيا الزراعة، فضلًا عن توظيف الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها التكامل العربي من خلال استغلال الأراضي الأجود، والتي تتوفر فيها المياه، ويمكن استغلالها اقتصاديًّا.
وتابع أبو الغيط أن جامعة الدول العربية تضع الموضوعات المتعلقة بالأمن الغذائي في مقدمة أولوياتها، حيث أقرّت القمة العربية بالرياض في المملكة العربية السعودية عام 2007 استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين 2005- 2025، وتعتبر هذه الاستراتيجية إطارًا مرجعيًّا للعمل العربي المشترك في المجال الزراعي طويل الأجل؛ لتأطير وتحديد مسار التنمية الزراعية العربية خلال العقدين المقبلين، بما يحقق التكامل الزراعي العربي من خلال تعزيز القدرة التنافسية والاستفادة من الميزة النسبية للزراعة العربية. 
إن هموم الأمن الغذائي العربي كثيرة ومتشعبة.. وهي لا تقتصر على مدى النجاح في توفير السلع الغذائية الأساسية.. فتوفر الغذاء بأسعار مناسبة يرتبط بالاستقرار الاجتماعي والسياسي.. والفقراء وأُسَر الطبقات المتوسطة في الدول العربية هم أول مَن يعاني من أسعار الغذاء المرتفعة، خاصة أنهم ينفقون نحو نصف دخولهم على الغذاء (وهو ما يفوق المعدل العالمي بكثير).. وتوفر الغذاء الصحي السليم هو وجه آخر مهم لقضية الأمن الغذائي، وهو أيضًا استثمار في المستقبل.. وبرغم بعض المؤشرات الإيجابية فما زالت الصورة العامة للأمن الغذائي العربي مُقلقة.
وأضاف أبو الغيط: لا ننسى أن دولةً مثل اليمن يعيش نحو نصف سكانها على شفا المجاعة، بسبب استمرار النزاع الدائر هناك، والذي أسهم في مفاقمة وضع كان بالفعل حرجًا وخطيرًا.. ولا ننسى أن المنطقة العربية تُعد المنطقة الوحيدة، بخلاف أفريقيا جنوب الصحراء، التي تزايدت فيها أعداد من يُعانون سوء التغذية منذ التسعينيات.. ولا ننسى كذلك أن نسبة كبيرة من سكان العالم العربي يُعانون، في نفس الوقت، من مشكلتين متناقضتين: الجوع والسمنة المُفرطة؛ وذلك بسبب نقص أو سوء التغذية.. وكلها هموم وقضايا ترتبط بالأمن الغذائي في معناه الشامل.. إذ لا يكفي في هذا الزمان أن يملك الإنسان قوته لكي يملك قراره، بل لا بد أيضًا أن تحرص الدول على أن يحصل مواطنوها على غذاء صحي وسليم، بما يُفرز أجيالًا قادرة على العطاء والإسهام في النهوض بالمجتمعات.
وأنهى حديثه قائلًا: إنني أتمنى النجاح لأعمال مؤتمركم الذي حرصتُ على المشاركة في أعماله؛ إيمانًا مني بأن قضية الأمن الغذائي هي قضية المستقبل في بلادنا.. وأن دراسة أبعادها المختلفة، كما تفعلون في جلسات هذا المؤتمر، هي الخطوة الأولى لإعداد أنفسنا لمواجهة ما يحمله هذا المستقبل من تحديات، نحن لها أهلٌ بإذن الله.