رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

مجانية التعليم.. محمد علي بدأها و"دستور 23" أقرها و"عميد الأدب" دعمها و"ناصر" طبقها

الدكتور طارق شوقي
الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت تصريحات وزير التعليم، الدكتور طارق شوقي، بشأن إلغاء مجانية التعليم حالة من الجدل، ورد «شوقي» عن حقيقة ما تم تداوله بشأن إجابته على سؤال، حول إلغاء مجانية التعليم أم إعادة صياغتها؟ على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» قائلا: «لن أرد على ما لم أقل أصلا، ولنحاسب بعض الذين يسيئون إلى الجميع باجتزاء الكلام من سياقه أو عدم فهمه، أو نقله بصورة تفتقر إلى الدقة والمهنية».
وبغض النظر عن توضيح وزير التربية والتعليم، فإن مجانية التعليم مرت بمراحل عديدة، بداية من عصر محمد على، مرورا بالحقبة الملكية، إلى عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، الذى عمم مجانية التعليم على كل المراحل بما فيها التعليم الجامعى.
ويعتبر محمد على باشا، مؤسس مصر الحديثة، أول من أنشأ وأسس، نظاما للتعليم الحديث فى مصر، ضمن طموحاته لتأسيس دولته، فى بداية القرن التاسع عشر، حيث كان التعليم مقتصرا على الكتاتيب أو المساجد والجامع الأزهر، ولم تتجل مسئولية الدولة إلا مع بداية عام ١٨٢٠ ميلادية، فى عهد محمد علي، ومع اهتمامه بالتعليم، كانت مجانية التعليم فى ذلك الوقت مقتصرة على قلة من الأعيان.
وكان «الأزهر الشريف» يقوم بتعليم الفقراء والقادمين من الشعوب الإسلامية، ووجه محمد علي، جزءًا كبيرًا من جهوده إلى إحياء العلوم والآداب فى مصر، عبر نشر المدارس على اختلاف درجاتها، وإرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، وقد اتبع فى هذا السبيل تلك الفكرة التى اتبعها فى إنشاء الجيش والأسطول، فى أنه اقتبس النظم الأوروبية الحديثة فى نشر لواء العلوم والمعرفة، فأسس المدارس الحديثة، وأخذ من الحضارة الأوروبية خير ما أنتجته العلوم والقرائح، فنهض بالأفكار والعلوم فى مصر نهضة كبرى كانت أساس تقدم مصر العلمى الحديث.
وعنى محمد على بنشر التعليم على اختلاف درجاته من عال إلى ثانوى إلى ابتدائي، ويتبين من مقارنة تاريخ المنشآت العلمية، أنه عنى أولا بتأسيس المدارس العالية وإيفاد البعثات، ثم وجه نظره إلى التعليم الابتدائي، لأن الأمم إنما تنهض أولا بالتعليم العالى الذى هو أساس النهضة العلمية.
واهتم كذلك بنشر التعليم على اختلاف درجاته من عال إلى ثانوى إلى ابتدائي، بنظام «الهرم المقلوب»، وفى عهد محمد على ونجله إسماعيل، كان التعليم بالمجان وداخليا، فى جميع المدارس.
وفى عام ١٨٨٢ مع بداية الاحتلال الإنجليزى، عملت قوات الاحتلال على نفى العقول المبدعة من مصر، ومحوها نهائيًا وإبادتها، كى لا تقوم لمصر قائمة على مدار ٧٤ عاما تقريبا، حتى حدث الحلم المنتظر فى ١٨ يونيو ١٩٥٦، بجلاء آخر جندى إنجليزى من البلاد، حيث عمل الإنجليز على إلغاء المجانية وزيادة مصروفات المدارس الثانوية، واقتصر القبول بالمدارس على أبناء القادرين، الذين يستطيعون دفع المصروفات، وبات التعليم للخاصة وليس للعامة، ومن ثم أصبح التعليم الثانوى والعالى، مقصورا على طبقة اجتماعية معينة، بعدما كانت الكفاءة والاستعداد الشخصى، هما المعيار لاختيار التلاميذ فى المدارس قبل عهد الاحتلال البريطانى. 
ويعتبر دستور ١٩٢٣، هو أول قانون لإقرار مجانية التعليم فى مصر خلال «الحقبة الملكية»، ما بين أعوام ١٩٢٣ وحتى ١٩٥٣، وعقب صدور تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، تم وضع دستور جديد للبلاد صدر فى ١٩ أبريل عام ١٩٢٣ ليحل محل القانون النظامى رقم ٢٩ لسنة ١٩١٣، ووضعته لجنة مكونة من ٣٠ عضوا ضمت ممثلين للأحزاب السياسية والزعامات الشعبية وقادة الحركة الوطنية، وقد زعم تلك اللجنة عبدالخالق ثروت.
ويعتبر «دستور ١٩٢٣» أول دستور مصرى، يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها فى شئون التعليم، تضمن مادة عن التعليم الأولى، حيث تقول المادة ١٩ من القانون «التعليم الأولى إلزامى للمصريين بنين وبنات، وهو مجانى فى المكاتب العامة»، التى بدأت الدولة فى إنشائها مجانيا، وظل باقى التعليم التجهيزى والجامعى بمصروفات، ولعدد محدود من أبناء كبار الملاك الزراعيين والتجار وكبار موظفى الحكومة، ولكن لم تنفذ المجانية بالشكل الحرفى لنص القانون وكان يوجد بعض من التمييز.
ومع تولى عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، وزارة التعليم فى ١٢ يناير ١٩٥٠، أصدر قرارا فى ١٩٥١، بمجانية التعليم الثانوى، اتساقا مع فكرة أن التعليم متاحا ومشاعا كالماء والهواء، حيث اتسم فكر «عميد الأدب العربي» باهتمامه الخاص بالتعليم وحرصه فى الوصول إلى جميع المواطنين.
ومع قيام ثورة ١٩٥٢، أعرب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بأن التعليم حق للمصريين جميعا، تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، وبأن الدول تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان.
حتى جاء عام ١٩٦١، وأعلن «ناصر» الثورة التعليمية الحقيقية، بإتاحة التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطنة، وأتت تعديلات الدستور فى مارس ١٩٦٦، مؤكدة على مجانية التعليم، ونصت المادة ٣٩ على أن: «إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان»، وما زالت المجانية حتى الآن.