الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كارمن بتاعة السجاير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الجزء الأول
مصنع التبغ والدم
اسمع من بعيد نقرات الفلامنكو 
فتشدنى (نداهة إسبانيا)، كارمن..
إلى عالمها المتمرد.
وأقرر أن اكتشف بنفسي قصة تلك الغجرية التى وصفها يوسف السباعي بأنها (امرأة بلا قيد). 
وكارمن رواية قصيرة كتبها بروسبير ميريميية "PROSPER ME'RIME'E"
أديب فرنسي ينتمي للعصر الرومانسي، حول غجريه اسبانيه تؤمن بحرية الجسد وتكره القيود.
تسحر الرجال، وتحرق من يقع في حبها.
متوحشه الطبع، شرسة وجميلة.
.. في يوم لزج الرطوبة 
في مصنع تبغ إسباني في سيفيليا، تتعارك كارمن مع زميلتها، فتهجم عليها بسكين، وتدميها. فيذهب أحد الجنود للقبض عليها، فتغريه، وتعده بليلة جامحة، فيرضخ لسحرها، وبالطبع لم يكتف ذلك الجندي المسكين بتلك الليلة، فترك الجندية، وتحول إلى تابع لها.
لكنه يحاول تقييدها، وهي امرأة تعشق الحرية، فلا تلبث أن تتمرد، وتستبدله بمصارع ثيران شاب، عندئذ يقتلها من كثرة شغفه بها.
٢
تلك رواية من نسج خيال كاتب، لكن خوسيه عامل الاستقبال في فندق في مدريد، يؤكد لي أنها قصة حقيقية لامرأة إسبانية اسمها كارمن، وهى وعشيقها مصارع الثيران إسبانيان من سيفليا، ومصنع التبغ حيث كانت تعمل، ما زال قائما هناك حتى الآن.
٣ 
سيفيليا يعنى (إشبيلية العرب)
ترى هل عاشت كارمن فعلا هناك؟ وهل كانت دماؤها الحارة عربية الجذور؟ ومصارع التوريروالذي كان سبب موتها هل لعب في Plaza de toros في إشبيلية؟
تتلاحق الأسئلة في رأسي، هل عام 1845 حين صدرت الرواية كان يسمح أصلا للنساء الإسبانيات بالعمل في مصانع التبغ؟
الصحيح والمؤكد أن أول مصنع تبغ بني في أوروبا كان عام 1728 في القرن الثامن عشر كان فعلا في سيفليا بإسبانيا.
لكن السؤال الملح هل كان يسمح للنساء بالعمل فيه؟
وهل كارمن هي مجرد فكرة ساخنة في مخيلة الكاتب الفرنسي prosper أم أنها كانت حقيقة موجودة من لحم ودم.. قابلها الكاتب في إسبانيا، أو سمع بقصتها من صديق إسباني؟ إنها أسطورة.. متمردة.
وحشية الجمال والطبع، تعمل في مصنع التبغ للرجال في سيفليا (إشبيلية) وتتنمر على زميلاتها وتستخدم الأسلحة كالرجال وتتعارك.. لكنها شديدة الأنوثة.. فربما أسطورتها وصلت لمسامع الأديب prosper فكتب القصة استنادا للواقع؟
لا أعرف لماذا كنت أريدها أن تكون واقعا حقيقيا، وأزور مصنعها، وأسمع قصتها، وأغمض عيني لأراها تتحرك وتضحك وترقص وتغمز للرجال، وتنتصر لحريتها.
٤
.. أنتقل بالقطار من مدريد إلى كوردوبا (قرطبة) ومنها إلى إلى سيفليا.
من نافذتي أرى أراض مزروعة شاسعة، ومنازل أوروبية بسقف قرميدي أخضر، وليس أحمرا كأسقف منازل جبل لبنان، حيث ولدت وترعرعت هناك..
تمر عاملة القطار مسرعة فأستوقفها لأشترى منها علبة (افانتورا ادفنشر) أي (ضروريات المغامرة)، تحتوي العلبة على منظار مكبر، وسكين، وفتاحة علب، وبوصلة، وصفارة. 
استغربت جدا لوجود أشجار استوائية على جانبي السكة الحديد!!، ثم تذكرت أنه قد يكون أتى بها الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس من إحدى رحلاته الاستكشافية للعالم الجديد، والتى كانت تمولها ملكة إسبانيا ايزابيلا الأولى.
٥
أنزل من القطار مع علبة (الافانتورا ادفنتشر)، ومعي خريطة من الفندق، وأبدأ بسؤال المارة عن مصنع التبغ الذي كانت تعمل فيه كارمن، لكن أحدا لم يجاوبنِ، فتيقنت أن عامل الاستقبال عاملني كسائحة جاهلة مفتونة بقصة، فاخترع لها (وهما).
٦ 
ضحكت من نفسي لرومانسيتي الشديدة، تلك التي قادتني للشغف بشخصية كارمن الإسبانية فجسدتها، في خيالي، لحما ودما وصدقت وجودها، وطالما وصلت (سيفيليا) فسأزور الأماكن المقررة للسياح.. ولن أقع في وصف عروبة إسبانيا، لن أبكي على أطلالها، فهذا لا يشغلني.. إلا قليلا، وأدخل الكهف، المطعم الذي اخترت تناول الطعام فيه، مطعم شعبي، جدرانه محشورة بشكل هستيري بعشرات اللوحات التشكيلية، والتكعيبية والتجريدية، ولأنني لست من محبي هذه المدرسة التشكيلية فأنا مع ‏Impressionism art 
movmenet (حركة الرسم الانطباعي)، لم أتصالح مع ذلك الفن التجريدي إلا مؤخرا عام ٢٠٠٧ على يد بيكاسو والنجم عمر الشريف عندما قابلته في نيويورك، ولتلك القصة ومضة أخرى أرويها لاحقا في رحلات عشتروت إلى أمريكا، أجلس على كرسي من القش مريح، وأطلب الأكلة الإسبانية الأشهر paella باييلا، وإذ بدخله مسرحية، لرجل كهل يضع قبعه أمريكية، وعلى ظهره جرابا قماش تظهر منه أوراق ولوح كرتونية، يتكلم الإنجليزية ممزوجة بالإسبانية وينادونه (بيكاسو) ويضحكون.
جلس على البار قبالتي، وطلب كأس نبيذ. لكن صاحب المطعم أشار إلى النادل أن يعطيه مبلغا ما.. ويوجهه نحو الباب.
استفزني الموقف، وسألته بالإنجليزيه عن المشكلة، فأجاب أنهم طيبون لكن لم يعد هناك موقع للوحاتي على جدار المطعم، وأنا فقط أحتاج لكأس نبيذ، دعوته على طاولتي ليشاركني الطعام، وحققت له ما ابتغاه، فانفعل وسحب لوحة تجريدية من جرابه القماشي وقدمها لي بمحبة، اه.. ادعيت الانبهار، وشكرته، بعد الطعام.. جلست استمتع بالشاي الكتالوني وبحديثه، وعندما عرف سبب زيارتي لإشبيلية (سيفيليا)، أكد لي أن مصنع التبغ الذي كانت تعمل به (كارمن) في أواخر عام ١٨٣٠ موجود في سيفليا، وعلى بعد شارعين من الكاف (مطعم الكهف)، ولأني جاهزة للمغامرة.. وافقته، ورافقته مشيا لمصنع أحلامي.
-----------
في الومضة الثامنة أكمل رحلة عشتروت إلى إسبانيا نحو مصنع التبغ والموت في إشبيلية.
---------------
ومضة امل= تمسك بأحلامك.