السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الزكزاكي".. "حزب الله" جديد بنيجيريا.. انحسار الدعم السني ينذر بتكوين دولة للشيعة في دلتا النيجر.. إيران تسعى لتكوين نفوذ داخل أفريقيا بتمويل جماعات شيعية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

طهران لا تكتفى بمعاركها الصريحة فى الشرق الأوسط، بل تسعى لمزيد من تمدد النفوذ داخل أفريقيا، عبر دعم وتمويل جماعات شيعية على غرار «حزب الله» اللبناني، وبعض الكتل السياسية العراقية واليمنية والبحرينية»، بحسب تصريحات بيتر فام، مدير مجموعة Africa center البحثية.


وتمكنت إيران من إنجاز هذا الهدف فى نيجيريا؛ فجماعة «الزكزاكي» الشيعية تشكل كتلة سياسية خطيرة، محاكية لنموذج «حزب الله» اللبناني، تسعى باستمرار نحو تكوين قواعد محلية مناصرة للتوجهات الإيرانية الشيعية؛ بزعم مواجهة الإمبريالية الغربية وممارسات الحكومة النيجيرية الموالية للنفوذ الغربي.

ولعل ما حدث فى ٢٧ أكتوبر الماضى من مواجهات محتدمة بين قوات الأمن النيجيرية وأعضاء ينتمون «للحركة الإسلامية الشيعية» الممولة من طهران، على خلفية مطالبات من أعضاء الحركة بالإفراج عن رجل الدين الشيعى «إبراهيم الزكزاكي» المعتقل فى السجون النيجيرية منذ ثلاث سنوات، من أبرز المؤشرات على خطورة الوضع فى نيجيريا، واستمرار التوجه الإيرانى نحو إحداث مزيد من الانقسامات داخل المجتمع النيجيري، استغلالًا لفشل الحكومة فى تحقيق اندماج وطنى حقيقي، وعجزها عن القضاء على مهددات استقرار الدولة.


شيعة نيجيريا..

تُعد «الحركة الإسلامية» فى نيجيريا بزعامة «إبراهيم الزكزاكي»، من أبرز دعائم نشر المذهب الشيعى هناك، وقد تأثرت الحركة بمبادئ الثورة الإيرانية منذ عام ١٩٧٩.

وينتشر جذور التشيع فى نيجيريا بين فئة الطلاب لاسيما طلاب العلوم غير الشرعية، الذين سهل إقناعهم بمبادئ التشيع، نظرًا لكونهم قليلى المعرفة بالإسلام وتاريخه وعقائده، وكان ذلك ضمن الدوافع التى عززت التواجد الشيعى بعدما تم تكوين جبهة من المدافعين عنه، مُلتفين حول «التيار الشيعى الرافضي» الوافد من إيران بعد الإطاحة بحكم الشاه، حيث عمل أنصاره على نشر الشعارات البراقة بشأن تحرير المسجد الأقصى، ورفع الظلم عن الشعوب المستضعفة، ومواجهة النفوذ الأمريكي، والإمبريالية الغربية.

ولمع اسم زعيم «الحركة الإسلامية الشيعية» «إبراهيم الزكزاكي» خلال حقبة الثمانينيات، بعدما رفض أداء الخدمة الوطنية مدعيًا أن هذه الخدمة «بمثابة خدمة لصنم يدعى الوطن»، وحينذاك كانت حرب الخليج الأولى لا تزال مشتعلة، حيث عملت طهران على استقطاب الموالين والمتعاطفين مع شعاراتها، عبر استضافتهم لحضور المهرجان السنوى لذكرى انتصار الثورة، وكان اختيار الحضور ينصب على معيار رئيسي، وهو تجنب المثقفين والتركيز على قيادات الطلاب والشباب المتحمس.

وفى تلك المرحلة كان «الزكزاكي» من ألمع رموز التشيع، بعدما نجح فى أن يكون له مريدون وأنصار، لدرجة أن هؤلاء الشباب المصطفين حوله بدأوا يتعاملون معه باعتباره عالمًا مجاهدًا وعلى الجميع إتباعه والانصياع لأوامره، ومن لم يفعل ذلك فهو خارج عن الإسلام.

وبمرور الوقت أصبح «الزكزاكي» من أهم رموز الشيعة والمؤثرين فى نيجيريا، بل بدأ أتباعه ينظمون مظاهرات حاشدة فى المناسبات الشيعية، مرددين شعارات تنادى بالتشيع، ما دفع الحكومة النيجيرية إلى اعتقاله أكثر من مرة خلال الثمانينيات والتسعينيات.


انتشار التشيع

تعددت الأسباب التى ساهمت فى انتشار التشيع فى نيجيريا، لعل أبرزها، ضعف المؤسسات الدينية السنية، وتراجع علماء الدين عن القيام بالدور المنوط بهم، فيما يتعلق بإرشاد الأمة وصلاحها، ونشر الثقافة الدينية المعتدلة، وتحصين المسلمين من إتباع البدع والفتن.

وانقسام علماء الدين إلى طوائف؛ الأولى وهم التقليدون، لعل أبرز سلبيات تلك الفئة تكمن فى محدودية تأثيرها وعجزها عن مواجهة الظواهر التى نتجت عن تطورات الحياة، فى حين تأتى الطائفة الثانية لتتألف من عدد من خريجى الكليات العادية الذين لم يتلقوا من علوم الدين سوى القليل، ومع الوقت أصبح هؤلاء من أهم المدافعين عن التشيع، ومن أبرز رموز تلك الفئة «إبراهيم الزكزاكي»، بينما تأتى الطائفة الثالثة لتمزج ما بين التقليدية والعصرية، بين ثقافة الدين وتطور المدنية، وتحمل تلك الطائفة على عاتقها مواجهة البدعة وأنماط التشيع، ورغم الجهود التى تبذلها إلا أن ذلك لم يمنع انتشار التشيع. بالإضافة إلى الاتجاه السائد منذ أحداث ١١ سبتمبر من حيث تقليل دعم النشاط الدعوى السنى تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بعدما تم فرض قيود على الدول العربية لمنع تمويل جمعيات خيرية خوفًا من دمج العمل الخيرى مع النشاط الدعوي، مستغلين التفجيرات المتوالية التى حدثت بنيجيريا خلال العشر سنوات الأخيرة، إلى جانب استشراء تنظيم «بوكوحرام».

ولعب انتشار الفقر والجهل، وتراجع الثقافة الدينية وانزوائها، دورا بارزا فى انتشار التشيع، بالإضافة لانحسار الدور العربي، وهو ما شجع قوى إقليمية لاسيما إيران فى استغلال هذا الفراغ، عبر انتهاجها سياسات ساعدت على التوغل داخل الدولة من خلال تقديم مساعدات، والتقدم بمبادرات تنموية فى مجالات مختلفة لعل أبرزها مجال الطاقة والتنقيب عن البترول وإنشاء السدود، ما أدى إلى شرعنة وجوده داخل الدولة عبر تلك المشاريع.

وأسهمت تلك السياسات فى نمو التبادل التجارى بين البلدين. فى حين بدأت طهران بتطويع الأداة الدينية، عبر استقطاب قيادات إسلامية فاعلة، إلى جانب دعم وتمويل مؤسسات تعليمية وبحثية وصحفية، تهتم بنشر التشيع، على سبيل المثال «المركز الاجتماعى الإسلامي»، و«نادى الرسول»، و«جمعية الهدى الخيرية»، إلى جانب قيامها بإبرام عدد من الاتفاقيات مع الجانب الإيرانى تضمن بناء مساجد وتشييد المدارس الدينية لتهيئة الوضع لتحقيق الهدف المرجو وهو نشر الشيوعية.


صدامات مستمرة

توالت الصدامات بين قوات الأمن النيجيرية، والحركة الشيعية بزعامة «إبراهيم زكزاكي» الذى يرجع نفوذها إلى التمويلات الضخمة التى تتلقاها من طهران، والتى يتم إنفاقها على تنفيذ تدريبات عسكرية لأعضائها، فيما أصبح «زكزاكي» مع الوقت وفى ظل تنامى نفوذه من أبرز مهددات الدولة، وهو ما دفع قوات الأمن النيجيرية إلى اعتقاله خلال مشاركته فى إحدى المناسبات الدينية بمدينة زياريا شمال نيجيريا فى ديسمبر ٢٠١٥، وأدى اقتحام قوات الأمن حينها إلى مقتل وإصابة العشرات من المواطنين، فيما ألقى القبض على آخرين من الحركة، وحينها اتهم الجيش النيجيرى الحركة بمحاولة اغتيال قيادات سياسية بارزة.

ويمثل عام ٢٠١١ ذروة تنامى الشيعة فى نيجيريا، بعدما بدأ «الزكزاكي» تشكيل جناح عسكرى موالٍ لطهران تحت مسمى «جيش المهدي»، حيث أفادت تقارير استخباراتية عن تقديم طهران تمويلات ضخمة بغية إنشاء مناطق لتصنيع الأسلحة الخفيفة، وإخضاع عدد من العناصر الشيعية لتدريبات عسكرية، وكشفت التقارير عن وجود مستودعات لأسلحة هربها «حزب الله» إلى شمال نيجيريا، وعن تواجد عدد من الشيعة اللبنانيين فى بعض الولايات الشمالية لتدريب عناصر شيعية نيجيرية على تصنيع الأسلحة، وتهريبها إلى أماكن النزاع فى أفريقيا، وهو ما يستدل عليه من عملية تهريب الأسلحة إلى جامبيا التى تم إحباطها من قبل السلطات النيجيرية، وعكست المواجهات الدموية التى وقعت عام ٢٠١٤، بين الحركة الشيعية والجيش؛ القدرات العسكرية التى يمتلكها الشيعة. فيما وصفت تقارير أمنية نيجيرية بأن مجموعة «الزكزاكي» تمثل الوجه الآخر لـ «بوكوحرام» مع اختلاف المنطلقات المذهبية.

وجاء اعتقال «الزكزاكي» عام ٢٠١٥، لتدخل البلاد فى طور جديد من الصراع، بعدما نجح فى جذب العديد من الأتباع لصفه، حيث ذكرت تقارير أن الفترة المقبلة ستشهد إعلان «الحركة الإسلامية» حربًا شرسة فى نيجيريا، تتعدد وقائعها بدءًا من الحرب على «بوكو حرام» القائمة على منطلقات مذهبية، لا على أساس التصدى للتشدد، مرورًا بمواجهات حادة مع الحكومة النيجرية تنفيذًا لأجندات إيرانية، وصولًا إلى مواجهات مباشرة مع مواطنين سُنة.

وكان آخر تلك الصدامات ما حدث يوم ٢٩ أكتوبر ٢٠١٨، من مواجهات دامية بين أعضاء ينتمون إلى «الحركة الإسلامية» فى نيجيريا احتجاجًا على اعتقال زعيمهم «ابراهيم زكزاكي»، ما أدى إلى مقتل ثلاثة من أنصار «الزكزاكي»، فى حين أفاد المتحدث باسم الجيش النيجيرى «جيس ميام» أن عناصر من الحركة هاجموا جنودا كانوا ينقلون أسلحة؛ عبر إقامتهم لحاجز غير قانونى لمنع السيارة من التحرك، ما أدى إلى مواجهات بين الجانبين أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الحركة، بينما اعترضت الحركة فى بيان لها على رواية الجيش، ووصفت ما حدث بأن الجيش تعمد الهجوم على مراسم جنازة، فى حين ترددت روايات أخرى تفيد بأن عددا من عناصر الحركة كانوا ينظمون مسيرة للمطالبة بالإفراج عن زعيمهم بينما رفض الجنود السماح لهم عندما اقتربوا من نقطة تفتيش عسكرية ما أدى إلى مواجهات.

فتصريحات الأطراف متضاربة، والاقتتال ما زال مستمرًا، كما أن الدعم الإيرانى للانقسامات لا ينقطع، وهو ما ينذر بطور جديد من الخطر، ربما تنجح الحركات الشيعية خلاله فى تكوين دولة داخل الدولة. وعزز من هذا السيناريو تراجع الدعم الرسمى من الدول السنية، إلى جانب الخناق المفروض على الأنشطة الدعوية، ما يعكس استمرار فراغ الساحة للمؤسسات الشيعية، ونجاح إيران فى ضم غنيمة جديدة إلى قائمة الغنائم التى أحرزتها خلال العقدين الأخيرين.