الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بكائية قنصوة الحائرة.. ودمعته على الحقيقة الجائرة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ أقل من ثلاثة أسابيع فوجئ القراء بمقال للدكتور سعد الدين إبراهيم يتحدث فيه عن المحافظ الأسبق محمد عبدالسلام المحجوب، ويعتبره قدوة وهذا حقه وحقنا جميعًا بأن نقتدي بالأسوة التي أعطت لبلادها عرفانًا بدورها.. ولكن افحام اسم المحجوب بلا مناسبة لكى يجد المحافظ الجديد مثالًا وحيدًا للعطاء الوطنى ويفرض مزاياه على من تحمل بعده المسئولية أمر لايخضع لأى منهج علمى لأن القياس مهتزًا، بينما المحافظ عبدالعزيز قنصوة لم يمضِ على تسلمه المسئولية أقل من سبعين يومًا.

والمناسبة الملحة أنه تنذر على المعالجة (البكائية) للمحافظ حول التعليم وكثافة الفصول فى إطار هجومه وعباراته الملغومة ضد الوزير الإصلاحى طارق شوقى الذى وصفه بأنه «وزير التابلت».

وإذا كان سعد الدين إبراهيم لقبه عدد من كبار الكتاب بأنه رجل كل العصور وإنه سخر كل إمكانياته لكى يكرس هذا المفهوم ولكن كما يقول الفقهاء أنها مفاهيم بمعنى المخالفة فى شأن ما يهدف ويقصد، لكن الوجه الآخر، كما يظهر فى أبحاثه هو ميله إلى الثقافة الإنسانية من منظور اجتماعى، وهذه سمة العلماء فى ساحة الاجتهاد، وهناك على الساحة رواد وأساتذة أجلاء، فى مقدمتهم ثابت الغندى ويوسف كرم وأسماء شكلوا المدرسة العلمية المنهجية على ساحة العلوم وموسوعاتهم موثقة ومرجعية ولا تستطيع المقارنة مع هذه الرموز تكون عادة فى غير صالحة مهما كان صاحب شركة للأبحاث باسم «ابن خلدون» تستهدف الربح.

فوجئ الناس بمقال يتحدث فيها بعيدًا عن السياسة والاجتماع وتحولت كلماته إلى احتفالية تتوجها قصيدة شعر حول أمجاد المحجوب، ووصفه بأنه أعاد إلى الإسكندرية جمالها ونظافتها وتنظيمها دون أى موارد من الدولة فمن يقرأ يشعر بأنه مغرم، وطالب بأن يتحول المحافظ إلى القدوة حتى لا يتحول ولا يلجأ قنصوة إلى البكاء على أحوال المدينة وتدهورها خاصة فى التعليم، ورغم أن المسئول الجديد لم يمضِ على تسلمه موقعه سبعين يومًا فأن يتركوا للرجل فرصة لإعادة ترتيب أوراقه لكن سعد الدين إبراهيم خرق التقاليد وأراد مقدمًا ودون سابق إنذار أن يذبح للمحافظ (القطة)، وهو أمر يتعارض مع القواعد، وإذا كان الباحث مثله أراد أن يبدى تعاطفه مع الإسكندرية فكان عليه أن ينقل وصاياه العشر إلى المحافظ بشكل علمى ولكن هذه (الشخصنة) فى التقييم للأصول المنهجية لباحث وقدوة بعلم الاجتماع.

وقبل أن ندخل فى التفاصيل فيبدو أنك لم تسمع عن الإسكندرية قبل المحجوب فلم تسمع عن جهود حسين صبحى، وحمدى عاشور وممدوح سالم وفؤاد محيى الدين وفوزى معاذ، وعندما جلس المستشار الجوسقى على مقعد المحافظ تعرض المنصب للانتقاد، ووقتها كتبت أن الذى جلس على منصة القضاء فإنه يجلس على موقعه من الجلال والرفعة، بينما الشعب يجلس فى القاعة إذا جلس القاضى على مقعد المحافظ فإن عليه أن يجلس هو فى القاعة، ويفسح للشعب مكانه للجلوس على المنصة.

وتعرض المحافظ وقتها لقضية المجارى الشهيرة والنظافة والرصف بل إن المبادرات الجمالية ظهرت فكرة «الجداريات» تحت إشراف كبار الفنانين وبتشجيع ذاتى من ابن الإسكندرية سعيد فارسى عرفانًا له بفضل المدينة عليه، وتم بعدها إسناد المسئولية إلى المحجوب وفى الحديث الذى دعانى إليه اللواء سعد أبوريدة للقاء فى احتفالية مراسمية فى الجيش الثانى، وجاء للحضور اللواء المحجوب، محافظ الإسماعيلية، بكل التواضع والبعد عن الطاووسية، وسمعنا من النائبة (أم الغلابة) القصص التى رويت منها التنقل أحيانًا بالتاكسى والتفتيش على المراكز الطبية، ويفاجأ الناس بأنه المحافظ.

إذا أردت أن تقدم نموذجًا يمكن الاقتداء فيجب عليك أن تستعيد نماذج القدوة فى الإسكندرية بداية من إسماعيل صدقى باشا إلى عهد إسماعيل الجوسقى وما بين الإسماعيليين مسافة حضارية وأمجاد من موقع عبقرى صنعته الطبيعة وتبارى العالم كله لاحتضان العروس، لأنها ملك مصر والعالم كله، فهى علاج ليس للمرضى ولكن قبلهم الأطباء فهى طبيب الطب نفسه لدرجة أن هناك أشعر الأطباء يغلقون عيادتهم فى أشهر الصيف، والكل يرى أنه استبرأ نشاطه، ومهما دخلت أجيال جديدة الخدمة فهى دخلت من باب التجميل لأن الأساس هو الكورنيش الذى رسم هندسية المهندس الإيطالى (دانتمارو) وروعى فيه أحداث نظم التصميم.

وفى عهد المحجوب فإنه بدأ سياسة إعادة النسق الحضارى بالجهود المحلية وبدأ مشروع التوسعة بضم جزء من نهر الشارع التى أدت إلى إزالة جميع الكبائن وهدم الذكريات وتغيير ثقافة ومذاق الخصوصية، وهو مشروع الدولة وليس المحجوب، وتولى عملية التخطيط العمرانى مجموعة من الخبراء بوزارة الإسكان، ومن بينهم المهندس مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، وتولى قطاع المقاولات المهندس إبراهيم محلب.

والسؤال: لماذا بكى الدكتور عبدالعزيز قنصوة.. هل تأثر ببشاعة مشهد التلاميذ فى الفصول فهل كان صدمة حضارية فعجز عن إخفاء دموعه ولكن الحقيقة أن البكاء كان على أحوال المدرسة وتردى أوضاعها على مدى عهد اثنين من المحافظين، وارتفاع أسعار أراضى البناء بصورة لم يسبق لها مثيل وصلت إلى الأراضى درجة الندرة، وبكى على التصريح على مايسمى (زوائد التنظيم) بالمخالفة للقانون، ولم تتحقق عمليات التجريف على زيادة المساحة التى يمكن البناء عليها.. بكى لثورة إطلاق (التعليات) حتى على الكورنيش وفى شارع كانوب المحظور، وقضية الاستثمار العقارى، هل تذكر قنصوة تحفة أسامة أنور عكاشة الراية البيضا أم تذكر الحديقة الدولية وكم تم تأجيرها 900 ألف جنيه لأرض تساوى المليارات وما أنفق على تطهير المحمودية من الملايين وتحولت إلى مستنقع ولولا الرئيس هو الذى انتشلها من الدمار، وهل تتذكر ردم بحيرة مريوط وما تبعه من مآسي البيئة، والعمارات الشاهقة، وهل تذكر قنصوة أن المحافظة لم يتم تشييد مدارس بها بالجهود الذاتية وما تم كله فى إطار الدولة وفى عهد اللواء سمير يوسف، رئيس هيئة الأبنية، وتعليمات حسين بهاء الدين، رئيس الوزراء، تنفيذًا لقرار سياسي أصدرته الحكومة وقتها برئاسة كمال الجنزوري وعلى هامش هذا المشروع دعا إلى إنشاء صندوق التجميل بين المقاولين والتجار والإسهام فيه مقابل التصريح بناء وهدم العقارات دون التقيد بشروط الارتفاع والتعليمات التي تحولت إلى بورصة عنوانها (تأشيرة تصدق) وأصبحت قواعد البناء لوغاريتم يستحيل فك رموزه.

وكنت أتصور أن سعد الدين إبراهيم وغيره أن يقدموا مجرد نصيحة للمحافظ الجديد، أطلبوا منه أنه إذا التقى جماهير المدينة إذا دخل عليهم فإنه يدخل محافظًا ويخرج من الاجتماع ليكون صديقًا.. اطلبوا منه أن يبذل قصارى جهده وإلا يكون بالمعنى الواسع قويًا أمام الضعيف.. ضعيفًا أمام القوي.