الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تناقضات السياسة التركية.. أردوغان يلعب على جميع الحبال.. أنقرة ترفض الالتزام بعقوبات إيران.. وتسعى للتقارب مع واشنطن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاء إعلان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، عن اعتزامه فرض الحزمة الثانية من العقوبات على طهران فى الرابع من نوفمبر ٢٠١٨، ليسلط الضوء على تبعات تلك العقوبات ليس فقط على النظام الإيراني، بل يمتد ليشمل العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، وفى هذا الإطار لا يمكن الحديث عن العقوبات الأمريكية دون التطرق للموقف التركى من هذه العقوبات، وتداعيات تلك العقوبات على مستقبل العلاقات التركية - الإيرانية، من جانب والعلاقات التركية - الأمريكية، من جانب آخر.
وتشمل العقوبات الأمريكية على طهران مشتريات الحكومة الإيرانية من النقد الأمريكى (الدولار)، وتجارة إيران فى الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، ومعادن الجرافيت والألومنيوم والحديد والفحم، فضلًا عن برامج كمبيوتر تستخدم فى الصناعة، والتحويلات المالية بالريال الإيراني، ونشاطات تتعلق بأى إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادى الإيراني، وقطاع السيارات فى إيران، ومشغلى الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحرى وبناء السفن، والتحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني، والتحويلات والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزى الإيراني.


رد الفعل التركي
كان الموقف التركى واضحًا عندما أعلنت رفضها للعقوبات الأمريكية، وصرّحت بأنها لن تُجارى واشنطن فى إجراءات لا تخدم سوى مصالحها، وصرح فؤاد أوقطاي، نائب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى الخامس من نوفمبر ٢٠١٨، إن «توقع التزام جميع الدول بقرار عقوبات وضعتها دولة ما وفقًا لمقتضيات مصالحها، هو أمر لا معنى له وغير عادل».
وأضاف أوقطاى فى تصريح لوكالة «الأناضول»: «العيش فى هذه المنطقة له ثمن، ودفع هذا الثمن يتطلب أن نكون أقوياء، فنحن نعيش فى عصر يستخدم فيه الدولار وأسعار صرف العملات والسياسات الداخلية كسلاح اقتصادي»، وتابع «أوضحنا موقفنا من العقوبات الأمريكية ضد إيران، واليوم سيتضح كل شيء.. ولا نسعى للعناد».
ويأتى الموقف التركى على خلفية بداية سريان العقوبات الأمريكية ودخولها حيز التنفيذ، بعدما أعلنت واشنطن نيتها السعى لتخفيض مبيعات النفط الإيرانى إلى الصفر، داعية بلدان العالم للتخلى عن شرائه، وأعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مايو الماضى، انسحاب بلاده من الاتفاق النووى مع إيران، وأفاد بنية واشنطن استئناف كل العقوبات ضد إيران، وفرض عقوبات ضد الدول الأخرى التى تقوم بالأعمال الحرة فى إيران أو تتعاون معها.
وفرضت الولايات المتحدة الجزء الأول من عقوباتها على إيران فى ٧ أغسطس ٢٠١٨، كما أن واشنطن أبلغت حلفاءها بأن يتوقفوا عن استيراد النفط الإيرانى بحلول نوفمبر، وهى دعوة عارضتها أنقرة علنًا.
يذكر أنه عندما تم إعلان واشنطن فرض الحزمة الأولى من العقوبات على طهران، أعلن وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو»، موقف تركيا من تلك العقوبات قائلًا: «إن تركيا أبلغت المسئولين الأمريكيين بأنها تعارض العقوبات الأمريكية على إيران، وأنها ليست ملزمة بتطبيقها، وأننا لسنا مضطرين للالتزام بالعقوبات التى يفرضها بلد على آخر. ونحن لا نعتبر العقوبات صائبة أيضًا».
وأضاف: «عقدنا اجتماعات مع الولايات المتحدة فى أنقرة وأبلغناها بصراحة: تركيا تحصل على النفط والغاز من أذربيجان وإيران وروسيا والعراق، إذا لم أشتر من إيران الآن، فمن أين أسد هذه الحاجة؟».
وتعول تركيا على ميزان تجارى بين البلدين وصل إلى ١٠ مليارات دولار، وتسعى الحكومة التركية إلى رفعه لنحو ٣٠ مليار دولار، كما أن تركيا عضو فى حلف شمال الأطلسى وتعتمد على الاستيراد فى كل احتياجاتها تقريبا من الطاقة.
وتفيد بيانات من هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، بأن أنقرة اشترت فى الأشهر الأربعة الأولى من العام أكثر من ثلاثة ملايين طن من النفط من إيران أى ٥٥ فى المئة تقريبًا من إجمالى وارداتها من الخام.
وعلى الرغم من ذلك، فليس من الواضح فى ظل الأوضاع مضطربة كهذه إلى أى مدى سوف يصمد الموقف التركى المناوئ للعقوبات الأمريكية على إيران، إلا أنه من المحتمل أن ينقلب كليًا ويتراجع، إذ إنه معروف عن الرئيس التركى أردوغان اتخاذ مواقف متناقضة والتراجع عن مواقف أخرى؛ ويؤشر على ذلك التقارب الأمريكى - التركى الأخير على خلفية الإفراج عن القس الأمريكي، أندرو برانسون.
وفى هذا الشأن، يسعى «أردوغان» من خلال علاقاته مع الولايات المتحدة إلى الحفاظ على توازن محدد، بحيث لا يقدم تنازلات كبرى أمام واشنطن ولا يتجه بكل أوراقه فى الجانب الصينى أو الروسي.
ومن الواضح أن واشنطن عمدت إلى استهداف العديد من حلفاء إيران الإقليميين والدوليين، لتضييق الخناق حول مسارات حركة طهران الخارجية، ما يعرضها لضغوط عدة على المستوى القريب أو المتوسط، والتى قد تدفعها إلى قبول الإملاءات الأمريكية فيما يتعلق بالملف النووى الخاص بها، ولكن هذه المرة قد تعمل واشنطن على توسيع مطالبها حول العديد من الملفات العالقة بينهم خاصة الملف السورى والدور الإيرانى فى المنطقة.


إيران والتعويل على تركيا
تمثل دعوة الرئيس الإيرانى حسن روحانى، إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية فى بلاده، وذلك فى كلمة ألقاها أمام المسئولين فى وزارة الاقتصاد مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، اعتزام إيران الحفاظ على حجم علاقاتها مع حلفائها وبخاصة تركيا.
إلى جانب تركيا؛ عبرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الشركاء فى اتفاق عام ٢٠١٥، مع روسيا والصين، عن «الأسف العميق» للخطوة الأمريكية، وتعهدت هذه الدول بمواصلة الوفاء بالتزاماتها المقررة فى الاتفاق، وقالت إيران إنها ستواصل التزامها بالاتفاق إذا استمرت تجنى ثماره.
وترى تركيا أن من حق أى ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻤﺘﻼﻙ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﻭﻭﻴﺔ ﻭﺇﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﻟﻸﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﺘﻔﻌﻠﻪ ﻜل ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﻨﻭﻭﻴﺔ؛ ﻟﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﻹﻴﺭﺍﻥ ﻜل ﺍﻟﺤﻕ ﻓى ﺇﻨﺘﺎﺝ ﻁﺎﻗﺔ ﻨﻭﻭﻴﺔ ﻷﻏﺭﺍﺽ ﺴﻠﻤﻴﺔ ﻭﺘﺤﺕ ﺇﺸﺭﺍﻑ ﺍﻟﻭﻜﺎﻟﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻠﻁﺎﻗﺔ.
كما تدافع تركيا عن فكرة أن قضية البرنامج النووى الإيرانى لا يمكن أن تحل بالقوة وإنما بالحوار والوسائل السلمية، وتدعو إيران فى الوقت ذاته إلى عدم التصعيد وإبقاء الباب دائمًا مفتوحًا للحوار.
وقد انتقدت تركيا فى مناسبات عددية تركيز الغرب على البرنامج النووى الإيراني، وقال وزير الخارجية التركي: «قد تعلن دول أخرى وقف تجارتها مع إيران، لكن تركيا لن تقطع تعاونها التجارى مع هذه الدولة. الدولة التى تفرض العقوبات لا تستطيع معاقبة الدول الأخرى التى لا تنضم إليها. العالم غير قائم على هذا المنوال ولن يكون».
كما انتقد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان القرار الأحادى الجانب من واشنطن المتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي، كما عبر عن رفضه لقرار إعادة العقوبات على إيران، مشيرًا إلى أن إيران شريك استراتيجى لتركيا مثل الولايات المتحدة، وقرارات واشنطن غير ملزمة لتركيا، وشدد أردوغان على أن قطع العلاقات مع هؤلاء الشركاء الاستراتيجيين، يتعارض مع مفهوم الاستقلال الذى تتبناه تركيا.
على الجانب الآخر، ومع دخول العقوبات النفطية الأمريكية الجديدة على طهران حيز التنفيذ، راجت التوقعات فى شأن إمكان تراجع تركيا عن تمسكها بعلاقاتها التجارية مع إيران، والتخلى عن مواصلة استيراد النفط والغاز الإيرانيين والاستعاضة عنهما بشراء كميات أكبر من النفط الروسي، تجنبًا لاستفزاز واشنطن، خاصة فى ظل الملفات العالقة بين الجانبين حول دعم الأكراد والعلاقات مع روسيا خاصة العسكرية.


استراتيجية تركية
تعى أنقرة أن فى العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، معوقًا لمساعيها الرامية للاحتفاظ بوارداتها المتنامية من النفط الإيراني، غير أن مواقف أنقرة حيال العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران بدأت تجنح لتحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة فى عدم تعريض العلاقة مع واشنطن لمزيد من التدهور، مع عدم خسارة الحليف الإيرانى أو فقدان إمداداته النفطية، فمن جهة، تشكل الاعتبارات الخاصة بأمن الطاقة التركى مسوغًا مهمًا للإصرار التركى على تحدى العقوبات النفطية الأمريكية على إيران.
وفتحت العقوبات الأمريكية على طهران وطأة الفقر المدقع فى مجال الطاقة، وعليه اتجهت أنقرة لمعالجة ذلك الخلل الذى يهدد أمن الطاقة التركى من خلال المضى قدمًا فى مسارات أربعة متوازية، أولها، السعى الدءوب للعب دور الممر الجيواستراتيجى الآمن لخطوط نقل النفط والغاز المقترحة من بحر قزوين وروسيا وإسرائيل وإيران إلى أوروبا، بما يتيح لها توفير نصيب كبير من احتياجاتها.