الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

داعش والأقليات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استهدف تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية «داعش» الأقليات الدينية في محافظتي الرقة والموصل بعد تحريرهما في العام 2017، وهو ما يطرح تساؤلًا حول دلالات هذا الاستهداف للأقليات الدينية والعرقية معًا؟، وما هو موقف «داعش التنظيم» بعد انهيار دولته من الإثنيات العرقية والأقليات الدينية عمومًا؟
استهداف الأقليات الدينية بدأ منذ اللحظة الأولى لإقامة المملكة المزعومة لتنظيم «داعش» في العام 2014 وظهر ذلك بوضوح مع الإيزيديين، وأخذ طابع الاستهداف شكلًا جديدًا بعد تحرير هاتين المدينتين، وربما يكون ظهر بوضوح أكثر في محافظة السويداء والتي اختطف فيها «التنظيم» رهائن من الدروز، قتل منهم الأطفال والنساء وأبقى البعض للدخول في صفقة تبادل لخروج قيادات تابعة للتنظيم في سجون بشار الأسد.
هناك دلالة ظاهرة من الاستهداف تكمن في حالة الهزيمة التي تعرض لها «التنظيم» الفترة الماضية وأدت لسقوط حكمة على الأراضي السورية والعراقية، مما دفعه من خلال خلاياه المتبقية في التخوم الملاصقة لهاتين المدينتين لتغيير تكتيكه العسكري على المستوى الاستراتيجي، وهنا تركزت أغلب هجماته على الأقليات الدينية والعرقية، متخيلًا أنها هدف رخو وضعيف، وهي كذلك وإحداث دوي إعلامي وعالمي من وراء هذا الاستهداف، فضلًا عن الموقف الشرعي والفقهي للتنظيم من وراء استهداف المختلفين معهم سواء كانوا من أتباع الديانات السماوية أو حتى الأرضية.
خسارة «داعش» من وراء الاستهداف مرتبطة بشكل كبير بخسارته من قبل أمام ضربات التحالف الدولي الجوية ومواجهة الشرطة الاتحادية وباقي الأجهزة الأمنية في العراق والأمر يجري على سوريا أيضًا، هذه الخسارة دفعته لمحاولة تنفيذ عمليات عسكرية ضد «العزل» الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع مع «التنظيم»، فهذه الأقليات تبحث عن الحياة بسلام، وهنا افتقد «التنظيم» الرد على مهاجميه الحقيقيين المسلحين بكل تأكيد للبحث عن «العزل» من الرجال والنساء والأطفال، وهنا تبدو حقيقة «التنظيم» التي تغيب عن كثير من الناس.
لا أحد ينكر أن «التنظيم» يسعى من وراء استهدافه لإثارة الفوضى والرعب في الأماكن التي يتواجد فيها، معتقدًا أن تحقيق هذه الفوضى سوف تصنع له ظروفًا يمكن من خلالها العودة لسيطرته على الأرض وبسط نفوذه، وبالتالي إقامة حكمة من جديد، وهذه عادة التنظيمات المتطرفة التي تبحث عن معارك مسلحة مع الخصوم في أضعف منطقة وأسهلها وأكثرها إيلامًا، فكثيرًا ما يحاولون تنفيذ عمليات مسلحة خاطفة وسريعة في أكثر من مكان في وقت واحد، فالأهداف السهلة بالنسبة له أهدافًا استراتيجية.
لا يتورع «التنظيم» من إعمال القتل في أهدافه، فوجدناه يخطف ويقتل ويتعامل بشكل برجماتي مع من يخطفونهم وقد يبادلهم بمقاتلين تابعين لهم تم إلقاء القبض عليهم، ولعله يختار ضحاياه من النساء والأطفال، وغالبًا ما يقتل النساء المختطفات وكذلك الأطفال، وهنا يظهر هدف «التنظيم» غير الخفي في إثارة الفوضى في المناطق التي سبق واحتلها أو قريبة منه، فهو يعتقد أنه من خلال هذا نشر هذا الخوف سوف يعود متمكنًا مما فقده، وهنا يختار الأطفال والنساء لنشر سلاح الخوف.
في ذات السياق استهدف تنظيم «داعش» الأقباط في مصر، رغم أن الأقباط ليسوا أقلية ولا ينطبق عليهم مفهوم الأقليات، هم شركاء في الوطن، ولكن عقلية «التنظيم» بنفس طريقة التكفير استهدفتهم للأسباب التي ذكرناها سابقًا، كونهم هدفًا سهلًا وقتلهم يمثل جرحًا غائرًا في قلب الوطن، هؤلاء لم يتورعوا في تدشين ما أطلق عليه خلايا لاستهداف الإخوة المسيحيين ودور عبادتهم سواء الكنائس أو الأديرة، ورغم فشلهم في تحقيق ما أرادوه في مصر إلى أنهم نجحوا بشكل كبير في سوريا والعراق.
«التنظيم» يسعى لبسط سيطرته من جديد بعد خسارته في الشرق والغرب، ولذلك اختار أن يقتل الأطفال والنساء وأن يكون ذلك للعزل الذين قصدوا دور عبادتهم و العزل الذين آثروا الحياة بسلام، فاختاروا أن يكونوا بعيدًا عن أي صراع، ولكن شاء «التنظيم» المتطرف أن يستهدفهم أينما كانوا بالقتل الوحشي مستخدمًا آلة القتل والتخويف معًا، ولم يراعِ فيهم إلاًّ ولا ذمة، ولم يحترم سلامًا أو عهدًا أو ضعفًا، لقد حاولوا العودة من جديد ولكن بالخوف وحاشا هؤلاء أن يكونوا على ملة الإسلام بأفعال لا يمكن أن نفهمها إلا في سياق واحد وهو قتل النفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فبينما يمنح الله الحياة للناس يقتنصها هؤلاء المتطرفين معتدين على إرادة الله في خلقة.