الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المرأة جارية الرجل وسيدة قصره في خطاب روسو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم تسلم كتابات جان جاك روسو عن الحرية والتربية والدين من المؤاخذات المتمثلة فى اضطراب النسق وتناقض المواقف وصعوبة تطبيق الخطاب ليصبح مشروعًا، بيد أن موقفه من المرأة تجاوز مواضع الاضطراب إلى درجة أصبح فيها خطاب روسو متناقضًا ومتعارضًا مع وجهته الليبرالية إلى درجة يمكن وصفه بمقتضاها أنه سلفى أو إن شئت قل رجعى فى معية الليبراليين

ولعل أعنف التعقيبات - فى هذا السياق - هو الذى جاء على لسان إحداهن فى صيغة السؤال العاشر: هل كان روسو حقًا حدثيًا غربيًا وفيلسوفًا تنويريًا؟؟ فإنى أراه يرتدى عباءة الشيوخ والكهنة المتزمتين الرجعيين الذين نظروا إلى المرأة نظرة دونية بحجة أنها ناقصة فى العقل، ولا تصلح إلا للفراش وإمتاع الرجل، وغير ذلك من أفكار وآراء لا تستقيم مع روح الثورة الفرنسية التى رفعت شعار: الحرية والمساواة والإخاء، وجعلت من هذه القيم الراقية دستورًا لها، لذا احذر من خطر آراء روسو تجاه المرأة، التى صرح بها فى كتابه «إميل». 

فتنبئنا كتابات روسو حيال المرأة بأنه لم ينظر للمرأة من زاوية واحدة، بل من عدة زوايا، فهى إنسان لها كل الحقوق الإنسانية، وهى كشابة لا تتميز عن الرجل إلا بأنوثتها وفتنتها وقدرتها الفائقة على الإغراء، وامتلاك الرجال الذين يشتهون جسدها، ولا سيما خلال المعاشرة الجنسية تلك التى تبدو فيها سيدة الموقف المطاعة، ولعل الطبيعة قد حرمتها من القوة البدنية والعقلية التى تكافئ الرجل غير أنها استطاعت بدهائها - الذى تدربت عليه منذ الصغر - أن تتغلب على هذا القصور.

أما المرأة فى البيت فهى بلا منازع حاكمته، وقد وهبتها الطبيعة الكثير من الصفات التى تؤهلها لإدارة شئون المنزل، بداية من احتياجات الرجل - أى الزوج - ونهاية بتربية الأبناء وتعليمهم.

ويبدو أن الطبيعة قد زودتها ببعض الذكاء العملي، وقد نجحت فى إثرائه واستثماره بالاطلاع والقراءة إلى درجة أهلتها لقيادة شئون الأسرة المنزلية أفضل من الرجل

ويعلى روسو من شأن المرأة العفيفة المخلصة لزوجها المتفانية فى خدمة أبنائها والقانعة بالدور الذى خصتها به الطبيعة، فلا تطمح فى المساواة الكاملة بالرجل ولا منافسته فى الأمور التى لا تصلح لها، فكمال المرأة وفضلها يكمن فى قدرتها على ضبط غرائزها وشهواتها، وتحايلها على حل المشكلات البيتية وتفننها فى إمتاع زوجها، ذلك فضلًا عن صبرها وخضوعها وانصياعها لرغبات الرجل دون تذمر أو غضب حتى لو جار عليها واستبد بها، وذلك احترامًا لقانون الطبيعة الذى خلقها على هذا النحو

ويقول روسو فى ذلك: «شاء قانون الطبيعة أن تكون النساء تحت رحمة ولاية الرجال، فلا يكفى أن يكن جميلات وحكيمات، بل يجب أن يرقن للرجال، وهن فى ثوب العفة والإخلاص دومًا، أما الرجال فقد وهبتهم الطبيعة القوة والسيادة والملك فلا يخضعون إلا لذات أنفسهم، ولا يعيبهم خضوعهم بعض الوقت لشهواتهم، فسرعان ما تنتهى هذه اللحظات ويعود الرجال إلى سابق عهدهم، متمسكين بما وهبتهم الطبيعة من رفعة وسيادة.

ولما كانت النسوة معنيات بتربية الأبناء، فيجب على الرجال تعليمهن وتثقيفهن بالقدر الذى يتيح لهن القيام برسالتهن، فعليهن تشكيل أذهان الأطفال وطبع أخلاقهم وعواطفهم وأذواقهم وعوائدهم ومسراتهم، ولذاتهم وسعادتهم، على النحو الأمثل. وعلى ذلك؛ فإن واجبات النساء هى تنفيذ خطة الرجال فى تنشئة أبنائهم، أى أنها الأداة التنفيذية للدستور الذى وضعه الزوج أو رب المنزل.

والخلاصة؛ فإن واجبات النساء تنحصر فى التفانى فى إرضاء الرجال والحرص على الفوز بمحبتهم ونفعهم والتسرية عنهم، وتربيتهم صغارًا ورعايتهم كبارًا

ويمضى جان جاك روسو فى - خطابه - متحيزًا إلى الاتجاه الذكورى المحافظ الرجعى تجاه المرأة، فنألفه لا يتحمس لتعليم المرأة إلا فى أضيق الحدود، ولا يوافق على عملها خارج المنزل الذى خلقت له ولا يستقيم إلا بها، كما ينصحها بالتحايل على وضعها فى الأسرة والمجتمع، وذلك عن طريق الدهاء والحيلة التى تجنبها المساءلة والعقاب، فإذا كانت الطبيعة جعلتها تابعة للرجل وخاضعة له؛ فعليها أن تجتهد فى استمالة الرجل إليها عن طريق العواطف الدافئة وإقناعه بأن كل ما تفعله من أجل سعادته، ومن ثم يجب عليها تنمية هذه المواهب، وذلك بالمهادنة والتظاهر دومًا بالخضوع والخنوع

ويعيب روسو على المرأة مبالغتها فى التزين والتبرج لغير زوجها، ويحث الأمهات على تربية بناتهن ليكن زوجات صالحات وأمهات نجيبات فحسب، فلن يضير المجتمع حجاب المرأة غير أنه يفسد إذا فسدت أخلاقها وفلت عقالها.

ويحذر روسو من إرغام الشابات على هذا السلوك، بل ينبغى أن ينزعن ويمتثلن إلى الفضائل أحرارًا، فالعنف معهن سوف يدفعهن إلى نقيضه، فتسعى الفتاة فى الخفاء إلى ما هو أبشع من الخلاعة والمجون والتدلل والإثارة الجسدية، والأفضل توجيههن بلطف، موضحين لهن مميزات العفة وفوائد طاعة الزوج وحب الأبناء عن طريق الكلام الطيب أو النظرات المعبرة عن الاستياء أو الاستحسان.

فالدرس الأول فى تهذيب الفتيات يأتيهن من الطبيعة فى صورة الضمير الحى القادر على الموازنة بين رغبات الأنا ومتطلبات الأعراف والتقاليد، ففضائل الوفاء والعفة والإخلاص والصبر قد وهبتها الطبيعة للمرأة، ومن ثم كان لزامًا عليها تنميتها بتثقيف الروح والعقل معًا بالقدر الذى يمكنها من القيام بوظيفتها وعملها الذى خلقت من أجله وقنعت به.

وينتصر روسو لدعاة حجاب المرأة بداية من نصحها بعدم ارتدائها الملابس التى تبرز مفاتنها، ونهاية باحتجابها عن مخالطة الرجال؛ فالزوجة الصالحة والأم الفاضلة هى التى تعيش عيشة أخلاق الراهبات اللواتى لا همّ لهن سوى التبتل والإخلاص فى العبادة والعمل من أجل إسعاد الآخرين، فحب المرأة لزوجها وأبنائها أفضل العبادات، وتفانيها فى خدمتهم هو أجل الأعمال التى تعلى من قدرها وترفع من شأنها.

أما تبرجها وخلاعتها وغناؤها ورقصها، فيجب أن يكون من حظ زوجها فقط، ومن ثم لا تسمح الشابة لرفقائها خلال سن المراهقة بمغازلتها أو التجاوز فى مدح جمال جسدها، فلا تجالس الرجال ولا تنصت لحديث الشباب إلا إذا كان فى حدود اللياقة والأدب.

كما يرغب روسو الفتيات فى الزواج مبكرًا - شأن السلفيين المعاصرين فى الشرق - لا سيما بعد تخطيهن سن الخامسة عشرة، وعليهن أن يسترشدن فى اختيار الزوج برأى الأب أو الولي، وذلك لخبرته بطبائع الرجال، زاعمًا أن هذا لا ينقص من حريتها فى اختيار الزوج السيد الذى تصبح له أمة وجارية برغبتها، أما المعايير التى وضعتها لمن يشاركها فى الحياة ويتحمل معها مسئولية تكوين الأسرة؛ فيجب أن يحترمها الآباء بداية من الصفات الجسدية إلى الطباع والخصال والقدرات الذهنية.

وينصح روسو عدم التعجل فى الإنجاب، فهو يشترط نضج الزوجين ذهنيًا واعتدال أحوالهما الاقتصادية، لكى تكون حياتهما أكثر استقرارًا وسعادة.

والغريب أن الشياب والشباب المتابعين لهذه المساجلة اتفقوا جميعًا على العزوف عن فلسفة جان جاك روسو، والبحث من جديد عن فيلسوف يحقق لهم طموحاتهم ومراميهم

وللحديث بقية عن محاورات الشياب والشبان.