الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"داعش" يطلق خلاياه النائمة على بغداد

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عمليات إرهابية غير مسبوقة تهز العاصمة العراقية.. شبكات مالية تعمل داخل العاصمة والمحافظات لتمويل التنظيم الإرهابي باستثمارات 280 مليون دولار 

تزايدت وتيرة التفجيرات وحوادث إطلاق النار فى العاصمة العراقية بغداد فى الأسابيع الأخيرة، ما أثار مخاوف واسعة من احتمال نجاح تنظيم داعش الإرهابى فى اختراقها، مستغلا انشغال الساسة بالصراعات على المناصب، من جهة، والثغرات الأمنية من جهة أخرى.
ويضاعف من قلق العراقيين، أن بغداد أصبحت تشهد بشكل شبه يومى أعمالا إرهابية، وحتى فى اليوم الواحد، يقع أكثر من تفجير وحادث إطلاق نار فى مناطق متفرقة منها، ما يتسبب فى سقوط ضحايا أبرياء، ونشر حالة من الهلع.
وجاء الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة غير مكتملة، على إثر فشل مجلس النواب العراقى فى التوصل إلى توافق بشأن وزارات رئيسة، منها الداخلية والدفاع، بمثابة صدمة أخرى، لأنه قد يدخل البلاد فى أتون أزمة سياسية جديدة، وبالتالى استمرار الأوضاع غير المستقرة، التى يستغلها داعش لإعادة تنظيم صفوفه، وزرع المزيد من الخلايا النائمة فى المناطق التى طرد منها فى شمال وغرب البلاد، وأيضا فى العاصمة بغداد. 
ولم يقتصر الأمر على ما سبق، إذ فاقمت النزاعات العشائرية فى مناطق متفرقة من بغداد، التى تستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتوقع عشرات الأشخاص بين قتلى وجرحى، من تردى الأوضاع الأمنية هناك، لأنها أدت إلى تشتيت جهود قوات الشرطة، بدلا من التركيز على مواجهة محاولات داعش اختراق العاصمة العراقية.
ففى ٣ يوليو الماضي، قتل شخصان وأصيب آخرون بجروح، فى نزاع بين عشيرتين فى منطقة الحبيبية شرقى بغداد، وفى ٣١ من الشهر ذاته، اندلع نزاع مماثل فى منطقة الجريخى التابعة لقضاء الحسينية شمالى العاصمة العراقية.
وذكرت وكالة «يقين» العراقية فى ٤ يوليو الماضى أن بغداد والعديد من المحافظات العراقية تشهد فى الآونة الأخيرة نزاعات عشائرية قبلية لأسباب مختلفة، يتطور بعضها إلى المواجهة المسلحة بين الجهات العشائرية المتخاصمة، ويؤدى ذلك إلى سقوط ضحايا من الطرفين، فضلا عن تعطيل الحياة فى المناطق، التى تشهد مثل هكذا نزاعات، وسط عجز حكومى تام عن وضع حد لها.
وبدوره، ذكر موقع «الغد برس» العراقى فى ٣١ يوليو الماضي، أن بعض مناطق العاصمة تشهد نزاعات عشائرية متكررة تستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فيما تقوم القوات الأمنية فى العاصمة بعمليات تفتيش بحثا عن الأسلحة، وملاحقة مطلقى العيارات النارية فى هذه النزاعات، فيما قال عضو مجلس بغداد فرحان قاسم لشبكة «رووداو» الكردية العراقية، فى ٤ يوليو الماضي، إن «النزاعات العشائرية فى بغداد أصبحت أمرا اعتياديا».
ولم يقتصر الأمر على النزاعات العشائرية، التى تشتت جهود القوات الأمنية، بعيدا عن تأمين العاصمة ضد أى خطر داعشي، وإنما ظهرت أيضا مفاجأة صادمة مفادها، أن هناك شركات صرافة ببغداد مستمرة فى تمويل التنظيم الإرهابي.
ففى ١٧ أكتوبر الماضي، كشفت مصادر عراقية مطلعة أن هناك عددا كبيرا من الشبكات المالية، التى لا تزال تزود تنظيم داعش بالأموال للاستمرار فى تنفيذ عملياته الإرهابية، ونقلت قناة «السومرية نيوز» عن هذه المصادر، قولها إنه «تم فى الفترة الأخيرة إلقاء القبض على عشرة من أفراد شركة للصرافة ببغداد بتهمة تمويل التنظيم، وأن هناك العشرات من الشركات المشابهة مستمرة فى عملها من داخل العاصمة».
وتابعت المصادر ذاتها أن شبكات مالية تقدر بمائة وثلاث شركات للصرافة والحوالات المالية تعمل داخل بغداد والمحافظات، لتمويل داعش، فيما قدرت استثماراتها المالية بمائتين وثمانين مليون دولار تقريبا.
وبالنظر إلى لجوء داعش، بعد طرده فى ديسمبر ٢٠١٧، من الأراضى التى استولى عليها منذ صيف ٢٠١٤، فى شمال وغرب العراق، والتى مثلت ثلث مساحة البلاد، إلى شن هجمات خاطفة على طريقة حرب العصابات، والاعتماد بالأساس على خلاياه النائمة الموزعة فى أرجاء البلاد، فإن بغداد تواجه خطرا محدقا، لأن وجود الشبكات المالية التى تمول التنظيم، يعنى أن القضاء على الخلايا النائمة فى العاصمة لن يكون سهلا، بل قد يتضاعف عددها وتزداد شراسة، وتنفذ هجمات أكثر دموية، خاصة أن هذه الخلايا النائمة تتحرك بتوجيهات من قبل قيادة التنظيم الإرهابي، وفى توقيتات محددة، وبناء على خطط معدة سلفا.
ولعل الإحصائية التى نشرتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»، فى مطلع أكتوبر الماضي، تؤكد أيضا حجم الخطر المحدق ببغداد، إذ كشفت عن أن حصيلة أعداد الضحايا جراء أعمال «الإرهاب والعنف» فى العراق فى شهر سبتمبر ٢٠١٨، بلغت ٧٥ قتيلا، و١٧٩ جريحا.
وقالت البعثة فى بيان، نشرته وسائل الإعلام العراقية، إن بغداد كانت الأكثر تضررا، حيث سقط ٣١ قتيلا بين المدنيين و٧٠ جريحا، تلتها محافظة الأنبار فى غرب البلاد (١٥ قتيلا و٣٧ جريحا)، ثم محافظة صلاح الدين فى شمال البلاد (٩ قتلى و٣٨ جريحا).
ويبدو أن حصيلة ضحايا أعمال العنف والإرهاب فى بغداد مرشحة للارتفاع، لأن العمليات الإرهابية الأخيرة هناك، تنوعت بين تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات وأحزمة ناسفة، إضافة إلى حوادث إطلاق نار تستهدف المدنيين وعناصر الأجهزة الأمنية فى مناطق متفرقة من العاصمة العراقية، هذا بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة فى عدد هذه العمليات. 
ففى ٧ أكتوبر الماضي، شهدت بغداد، خمسة تفجيرات فى يوم واحد، إذ قتل شخصان وأصيب آخرون فى انفجار عبوة ناسفة بالقرب من محال تجارية بمنطقة أبو دشير جنوبى العاصمة العراقية، كما أصيب شخصان بانفجار عبوة داخل سيارة نقل بمدينة الشعلة شمالى بغداد، فيما أصيب أربعة أشخاص بانفجار عبوة ناسفة داخل سيارة نقل فى ناحية الرشيد جنوبى بغداد، كما قتل مدنى وأصيب آخر فى انفجار عبوة ناسفة كانت موضوعة بالقرب من ساحة مالك الأشتر عند مدخل منطقة جكوك شمالى بغداد، بينما انفجرت عبوة ناسفة كانت موضوعة داخل سيارة ركاب لدى مرورها فى منطقة «سبع أبكار» شمالى بغداد، ما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص بجروح متفاوتة.
وفى ٤ نوفمبر الجاري، أفاد الملازم أول فى شرطة بغداد حاتم الجابري، بمقتل ٨ أشخاص وإصابة ١٦ آخرين، فى ستة تفجيرات هزت العاصمة العراقية، ونقل موقع «بغداد بوست» عن الجابري، قوله: «إن عبوة ناسفة انفجرت على مقربة من ساحة عدن شمالى بغداد، ما أدى إلى مقتل شخصين اثنين وإصابة ٤ آخرين بجروح مختلفة»، كما قتل ٣ أشخاص وأصيب مثلهم فى تفجير عبوة ناسفة ثانية أمام إحدى عربات الباعة الجوالة فى حى الصدر شرقى بغداد، فيما انفجرت عبوة ثالثة فى منطقة المشتل شرقى بغداد، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين.
ووفق الجابري، قتل شخص وأصيب اثنان آخران فى انفجار عبوة رابعة داخل حافلة صغيرة لنقل الركاب فى منطقة الحبيبية شرقى بغداد، كما انفجرت عبوة خامسة فى منطقة الشعلة شمالى العاصمة، ما أوقع قتيلا وجريحين اثنين، فيما أصيب ثلاثة أشخاص فى انفجار عبوة أخرى على مقربة من متاجر فى حى التراث جنوبى بغداد، وأشار الجابرى إلى مسئولية تنظيم «داعش» الإرهابى عن هذه الهجمات.
وبجانب التفجيرات، زادت وتيرة حوادث إطلاق النار، ففى ٥ نوفمبر الجاري، أفادت قناة «السومرية نيوز»، بأن «مسلحين مجهولين فتحوا نيران أسلحتهم الكاتمة باتجاه شخص بالقرب من منزله ضمن منطقة جسر ديالى القديم شرقى بغداد، ما أسفر عن إصابته بجروح مختلفة».
وفى ٤ نوفمبر، وقع هجوم مسلح أيضا نفذه مجهولون بأسلحة كاتمة فى منطقة كسرة شرقى بغداد، ما أسفر عن مقتل شخص، فيما لاذ المهاجمون بالفرار، وفى ٢٧ أكتوبر الماضي، فتح مسلحون نيران أسلحتهم الكاتمة باتجاه شخص أثناء مروره بمنطقة الفضيلية شرقى العاصمة العراقية أيضا، ما أسفر عن مقتله فى الحال، وفى ٢٩ أكتوبر الماضي، عثرت دوريات النجدة على جثة رجل مجهول الهوية قتل رميا بالرصاص فى منطقة سبع قصور شرقى بغداد أيضا.
ويخشى كثيرون فى العراق احتمال عودة «داعش» من جديد، لأن المشهد المتأزم فى البلاد لم يتغير كثيرا عما كان عليه الحال فى ٢٠١٤، خاصة أن رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدى الذى أدى اليمين الدستورية فى ٢٤ أكتوبر الماضى واجه عقبات وصعوبات منذ البداية فى إقرار تشكيلة حكومته، التى تضم ٢٢ وزيرا، بعد الموافقة فقط على ١٤ وزيرا فيها، وفشل مجلس النواب فى التوصل إلى توافق بين الأحزاب والكتل السياسية بِشأن مرشحى الوزارات المتبقية، وهى الدفاع والداخلية والعدل والثقافة والتربية والتعليم العالى والهجرة والتخطيط، هذا بالإضافة إلى عدم إعمار المناطق المتضررة فى شمال وغرب البلاد جراء الحرب على داعش، بجانب تفاقم الفقر والبطالة، واستمرار أزمة نقص الكهرباء والمياه، التى تسببت فى احتجاجات واسعة فى محافظات جنوب العراق فى الشهور الماضية.