السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أصحاب الشعر الأبيض في رحلة عقد كامل من زيادات المعاشات.. دعم لا يزيد على 20%.. وأصحاب المعاش الأكبر هم الأكثر استفادة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خرج من منزله مصبحًا، وتوجه إلى مكتب البريد بشارع أبو قير بالإسكندرية، وقف بطابور طويل مترقبًا دوره للحصول على المعاش، الذي أضحى كل ما تبقى له بعد 30 عامًا في خدمة الحكومة. تمر الساعات وتتسارع معها دقات قلبه، وتشتد الشمس، فيتعرق الرجل أكثر، ويحاول تمالك نفسه خشية الوقوع، في لحظات بين الحياة والموت.
يمضي الوقت، يبدو أنه لا مفر، يستسلم الرجل للنداء الإلهي، الذي كان أكثر رحمة به من الواقع، فيسقط متوفيًا وسط أقرانه. تنخلع قلوب الجميع في محاولة نجدته، الاتصال بالإسعاف أصبح حتمي، فتصل أخيرًا بعد انتظار طويل، وترفض حمل الرجل، فيركنه زملائه جانبًا مغطى بأوراق الجرائد، ويصطفوا مجددًا كل في انتظار دوره. 
بشعيراته البيضاء وملامحه التي لا تكاد تراها من كثرة الشقوق، يصف "أحمد"، موظف بالمعاش، حاله الذي يتشابه كثيرًا مع ذلك المواطن، الذي وافته المنية العام الماضي. يعاني الرجل الستيني من أمراض القلب أيضًا، ورغم ذلك، يضطر لاستقلال 3 مواصلات من قريته للذهاب لمكتب البريد بمدينة الفيوم شهريًا، للحصول على معاش لا يزيد عبر السنوات العشر الأخيرة سوى بين 10 – 20%، كيفما يظهر في الرسم البياني التالي.


منذ 44 عامًا، بدأ "أحمد" عمله موظفًا بالشؤون الاجتماعية، وترقى حتى أصبح مديرًا لإحدى الإدارات إلى بلوغه المعاش منذ 8 سنوات، ليقل دخله إلى نحو النصف، ولا يفلح معه أي زيادات، لأنها بالنسبة إليه تخدم أصحاب المعاشات الأكبر، فمثلًا إذا كان المعاش 4000 جنيه، يرتفع بفعل الزيادة الأخيرة (15%) في يوليو الماضي إلى 4600 جنيه، بينما إذا كان 650 جنيهًا، يصعد نحو 100 جنيه فقط.

لدى الرجل 4 أبناء، تزوجوا جميعهم، ولم يبقى سوى الأصغر، خريج الهندسة، الذي أقعدته قلة الفرص بالمحافظة عاطلًا، يأخذ مصروفه من والده، الذي زاد معاشه في 9 سنوات إلى 2000 جنيه فقط، ليصبح بين 5.6% ممن يتقاضون من 2000 إلى 6000 جنيه شهريًا، بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. 
يقتطع الدواء من معاش "أحمد" نحو الثلث: "المبلغ ده هيزيد طبعًا أضعاف بعد ما أركب دعامتين للقلب عشان اعرف أعيش، بس مش لاقي فلوس أعمل العملية"، يكمل الرجل، بينما يترقب ارتفاع أسعار الأدوية بين 20-45% بفعل زيادة تكلفة الوقود، وفقًا لدكتور أحمد عبيد، الأمين العام لنقابة الصيادلة، وتعتبر تلك المرة الثالثة بعد رفع أسعار نحو 3 آلاف صنف من الدواء، بنسب تصل إلى 50 %.
غلاء المعيشة ألجأ هذا الكهل للاستدانة ليستطيع تلبية احتياجات أسرته، ولا يعلم كيف يسدد ديونه، ليصبح أمام مصيرين إما السجن أو الموت نتيجة عدم إجراءه للعملية، في الوقت الذي يستحق فيه ضمن أكثر من 9 ملايين شخص آخرين من أصحاب المعاشات صرف 5 علاوات منذ عام 2008، وتحاول غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، وقف قرار محكمة القضاء الإداري بإلزام الدولة بتسديد تلك المبالغ، التي قد تستطيع حل كافة مشاكل الرجل المسن.