المشهد الأول: خريف عام 2008 بحي شبرا، يمتلئ منزل "رمضان"، موظف بمصنع إلكترونيات، بالتهاني والضجيج المصاحب بالزغاريد، رزق أخيرًا بمولودته الثانية "زهرة"، بعد سنوات انقطع فيها أمل الحصول على شقيقة للابنة الكبرى، يحملها والدها وينظر إليها مليًا، في شعور مختلط بين سعادة وقلق لا يفارق عقله من كيفية تلبية احتياجات أسرته الصغيرة، بعد ارتفاع أسعار الوقود والمرافق الأساسية الأخير، بينما لا يتعدى صافي راتبه 900 جنيهًا، في حين كان يبلغ متوسط الأجر الأساسي الإسبوعي للمواطن المصري 406 جنيهًا، بحسب موقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ينطلق صوت زوجته من ردهة البيت: "رمضان..تعالى..بيقولوا في التليفزيون هتاخد علاوة جديدة"، يتهلل وجه الرجل ويهرول باتجاهها، ولكن سرعان ما تنقبض ابتسامته، فتلك الزيادة الاستثنائية، التي لا تتعدى 30%، أقرتها الحكومة بعد موجة الغلاء الأخيرة، بينما لا تغطي حتى ثمن حفاضات طفلته الصغيرة.
المشهد الثاني: صيف عام 2017، الحرارة مرتفعة في هذا الوقت من السنة، يجلس رمضان على أرضية منزله مرتديًا ملابسًا خفيفة، يتوسط زوجته وبناته الثلاث.
ينهمك، ذو 45 ربيعًا الآن، في بعض الأوراق التي تتضمن وثيقة صرف صافي راتبه الشهري، الذي ارتفع إلى 1900 جنيه، بينما يصل متوسط الأجر الأسبوعي في مصر حينها إلى 942 جنيهًا، بزيادة نحو 11.5% (108 جنيهًا) عن 2016. ممسكًا بالألة الحاسبة، يحاول الرجل تدبر أمره بعدما انحدرت قيمة الجنيه أمام الدولار بفعل تحرير سعر الصرف، فتضائل دخله إلى ثلث قيمته.
أُضيف إلى راتبه هذا الشهر خانة جديدة، تمثل علاوة غلاء بقيمة "65 جنيهًا" للعاملين بالدولة، بعد رفع أسعار المحروقات والمرافق في يوليو 2014 ونوفمبر 2016 ويونيو 2017 بنسب تتأرجح بين 3 و9 أضعاف. الصمت الذي انتاب "رمضان" فور علمه بتلك الزيادة أبلغ تعليق بالنسبة له على الوضع حينها.
المشهد الثالث: صيف عام 2018، تحتفل الأسرة بمرور 10 سنوات على ميلاد "زهرة"، انحنى فيها كاهل "رمضان"، وتطاير شعره، وتسربت التجاعيد إلى ملامحه، ووصل راتبه الصافي إلى 2000 جنيهًا - أخيرًا - بعد قرابة 20 عامًا من العمل الشاق، جعلته عضوًا بالدرجة الثانية، ليستحق 150 جنيهًا، علاوة الغلاء الجديدة التي أقرتها الرئاسة، تزيد إلى 160 جنيهًا للدرجة الرابعة وما دونها، وتقل إلى 140 جنيهًا لدرجة المدير العام وما فوقها.
يرى الرجل أن الزيادة الطفيفة التي طرأت على راتبه هذه السنة، بخلاف العلاوة، تمثل الارتفاع الذي شهده متوسط الأجر الأسبوعي للمواطن لعام 2018، الذي يتنقل بين 10 و15% من 2008 إلى 2017، بحسب الرسم البياني التالي، في مواجهة محاولات جديدة لامتصاص قوت يومه في شكل تصاعد أسعار الوقود والمرافق المستمر بنسب لا تقل عن 55% هذه السنة، وإلغاء العلاوات الحكومية قريبًا، بحسب تصريح للرئيس السيسي خلال المؤتمر العالمي للشباب الحالي.
