الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

جيوب خاوية وأياد ناعمة في مواجهة نيران التضخم.. معدلات الفقر تقترب من 28%.. 3 ملايين عاطل يشتبكون مع وتيرة ارتفاع للأسعار تصل إلى 30%

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منزل صغير ذو طابق واحد بإحدى قرى محافظة الدقهلية، يتكون من غرفة وصالة، تضيق جدرانه على الأخوين "أحمد ومحمد" وأبنائهما السبعة، ويكاد يطبق السقف عليهم من شدة انخفاضه، يتشاركون العوز والفقر في آن واحد، يُعرّف الأخير وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بأنه "الوضع الذي لا يستطيع فيه الفرد أو الأسرة توفير الاحتياجات الأساسية".
قبل سنتين، كانا يعملان بمصنع، أدت الأوضاع الاقتصادية إلى الاستغناء عن بعض العمال به، كان من بينهم الأخان، ليتحولا إلى عاطلين تحت خط الفقر، الذي حدده الجهاز عند 482 جنيه شهريًا للفرد، وفقًا لآخر بحث للدخل والإنفاق عام 2015، الذي يصدر كل عامين.
حال الأخوين يوضحه تصاعد نسب الفقر من 2008 إلى 2016 بمعدل 6.2%، ويرجح الخبراء زيادتها، نتيجة ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل.

أيام عجاف مرت على الأسرتين، دفعت "فادية"، زوجة محمد، إلى التفكير في بدء مشروع بسيط يدر عليهم دخلًا يقيهم فجاجة المعيشة، فهدأ بالها إلى تخصيص مدخل المنزل لبيع حلويات لأطفال القرية، تهديهم حوالي 800 جنيهًا شهريًا، يجب أن تسد رمق 11 فردًا، في ظل معدلات تضخم مرتفعة، أصابت 13.8% في يونيو 2018، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
"اللي كنا بنجيبه ب200 جنيه، بقينا نجيبه ب500 و600، فطلعنا العيال من المدرسة عشان نلاقي ناكل"، تقول "فادية" بانفعال، وهذا بالضبط ما ينتجه التضخم من انخفاض القيمة الشرائية للعملة.
تلك العائلة تكاد تختفي وسط آلاف آخرين هرسهم التضخم، الذي سجل أعلى نسبة في الشرق الأوسط عام 2017 (30.9%)، التي تعد الأكبر في عشر سنوات، بعد ارتفاع تكلفة الوقود في العام نفسه، مصاحبًا بتأثير تعويم الجنيه. يتراجع المعدل مثلما يظهر الرسم البياني القادم، ولكن هذا لا يعني انخفاض الأسعار، كيفما أوضح د محمد معيط، وزير المالية، في تصريح سابق، ولكن تباطؤ وتيرة ارتفاعها. 
وفي حضرة ضيق ذات اليد، تمر سنوات على "أحمد" وأخيه دون عمل، يتجافى عقلهما عن استيعاب فكرة عدم وجود أي فرصة مناسبة لهما في أحد المصانع، ليصطفا بين حوالي 3 مليون عاطل في مصر (11.3%)، بحسب تقرير جهاز التعبئة والإحصاء لعام 2017، الذي يتأرجح عددهم على مدار نحو 9 سنوات من 2008 إلى 2017، كما يظهر في الرسم البياني التالي. 

توجد عشرات الأسباب التي تجعل من أمثال "أحمد ومحمد" عاطلين عن العمل، أبرزهم بطء النمو الاقتصادي الذي يحوم حول 5%، مثلما ذكر تقرير العام المالي الماضي 2017-2018، ضعف القدرة على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، وضخ عدد كبير من الخريجين (488 ألف في عام 2016) إلى سوق العمل سنويًا، وفقًا لموقع مؤسسة Wage Indicator العالمية، التي تهتم بشؤون العمل والأجور في دول العالم المختلفة. 

يتذكر الأخان ذات صباح – العام الماضي - عندما طرق الباب أحد موظفي مكتب عضو مجلس الشعب عن دائرتهم، ليخبرهم استحقاقهم لمعاش "بطالة"، ألزمت المحكمة الإدارية الدولة بصرفه للعاطلين عن العمل عن طريق وزارة التضامن الاجتماعي، فهرولا إلى هناك في اليوم الذي يليه، وعادا خفي حنين، يروي محمد ضاحكًا: "قالولنا مفيش الكلام ده..تلاقي حد عامل فيكم مقلب"، وهذا ما يؤكده طارق العوضي، المحامي الحقوقي، في تصريح سابق لجريدة التحرير، قائلًا إن هذا الحكم يشبه إلى حد كبير الحكم السابق لتحديد حد أدنى للأجور والذى صدر في سنة 2010 ولم ينفذ حتى الآن ويرجع ذلك لعدة عوامل أهمها: عدم وجود بند في الموازنة العامة لذلك.
ورغم هذا وذاك، لا يزال شبح البطالة جاثمًا على "أحمد ومحمد" كأغلب الشباب المصري، الذي يصر الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، حسب تصريحه للبوابة، أن نسبه المعلنة من قبل الحكومة، ما هي إلا مجرد أرقام، يجب أن تصاحب بتفاصيل المشروعات ومستوى التوظيف بالقطاعات المختلفة، حتى يمكننا التأكد منها.