الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

20 مليون أسرة ترتطم بأسعار الغاز وأنابيب البوتاجاز.. الشريحة الأولى من استهلاك الغاز الأكثر تأثرا.. وثمن الأنبوبة يقفز من 5 إلى 50 جنيها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بملامح سمراء تعكس تأثير الشمس وملابس تتصبب عرقًا، يتنقل "حسن" من منزل لآخر ليحصل فاتورة الغاز الشهري، التي زادت - هذا العام - بنسبة 75% في الشريحة الأولى، مقابل 33% فقط في الشريحة الثالثة، التي تمثل الطبقة الغنية.
تستقبل "حسن" وجوه ساخطة، يرفض أصحابها القبول بزيادة 337.5% في 4 سنوات، التي تلسع جيوب أغلب الشعب المصري، ساكني الشريحة الأولى من استهلاك الغاز، لكنها تصبح أكثر رحمة على الطبقات الأغنى في الشرائح الباقية، بنسب ارتفاع 150 و100%، مثلما يُظهر الرسم البياني التالي، الذي يعرض رفع أسعار الغاز من 2014 إلى 2018.
يتذكر الرجل الخمسيني عندما كان يجلس في بيته أمام التلفاز منذ 3 أعوام، حين أعلن المهندس طارق الملا، وزير البترول، عن اكتشاف شركة "إيني الإيطالية" لحقل "ظهر" للغاز، الذي يعد الأكبر في البحر المتوسط والشرق الأوسط، بحجم إنتاج وصل الآن إلى أكثر من مليار متر مكعب يوميًا، ولكنه لا يرى تأثير ذلك في أسعار الغاز، يتفق معه د رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول بجامعة قناة السويس: "في تناقد كبير بين إن مصر بتاخد حصة مجانية (40 – 60%) من إنتاج حقول الغاز الكتيرة اللي ظهرت حديثًا، والزيادات الكبيرة في الأسعار اللي بتحصل".
إضافة إلى ذلك، يوضح أبو العلا أن بمجرد تحقيق مصر للاكتفاء الذاتي من الغاز المسال هذا العام وشراء حصة الشريك الأجنبى، ستوفر نحو %50 من تكلفة الاستيراد من الخارج.
يلتقف "حسن" راتب شهري لا يتعدى 900 جنيهًا؛ تتشارك فيه احتياجات أبنائه الأربعة مع فواتير الغاز والكهرباء والمياه، التي تلتهم وحدها ثلثه، بالرغم من إنه كباقي المصريين لا يستهلكون سوى من 6 إلى 8% من إنتاج الغاز، الذي يبلغ 6.2 مليار متر مكعب يوميًا، بحسب وزارة البترول.
في الوقت الذي تعرض "حسن" لأكبر زيادة ارتطمت بالشريحة الأولى في السنوات الأربع (87.5%) سنة 2014، كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل بأقل من نصف الأسعار العالمية، قبل أن يتوقف ذلك عام 2015، وتتجه الدولة للاستيراد منها هذه السنة، بما قيمته 15 مليار دولارًا من الغاز الطبيعي الإسرائيلي على مدى عشر سنوات، في صفقة وصفها السيسي بإحراز الهدف، لتكون مصر قبلة لتداول الطاقة في المنطقة، وهو ما يستنكره الخبراء لطول أمد التعاقد غير المبرر.


ومن الغاز المنزلي إلى البوتاجاز، حيث طابورًا طويلًا يعج بالناس، يقف "علاء"، عامل باليومية، منذ ساعات عدة تحت سياط الشمس الحارة، يهترئه الإجهاد من حين لآخر، وينهمر العرق من كافة تفاصيل وجهه، وتتشقق قدماه، فيتخذ من أحد الجرادل بالشارع مقعدًا له، منتظرًا دوره كجيرانه أمام مستودع بمنطقة بولاق، ليستقبل أنبوبة بوتاجاز، قفز ثمنها من 5 إلى 50 جنيهًا، بنسبة 900% في 10 سنوات، كما يتضح في الرسم البياني التالي.
بعد ساعتين قضاهما "علاء"، استطاع أخيرًا انتزاع واحدة ليحملها على ظهره إلى الدور الخامس، حيث يقطن وزوجته وبناته الثلاث، مشقة لم يعد يتحملها صاحب الخمسين عامًا، الذي لم يكد يفيق من صدمة زيادة سعر الأنبوبة العام الماضي بنسبة 100% - التي تعد الأعلى في 10 سنوات – حتى حاصرته أخرى بنسبة 66.7% هذه السنة، بحسب وزارة البترول.
يتذمر "علاء" من ذلك الارتفاع الكبير في ثمن الأنبوبة، التي كان عُشر تكلفتها الحالية يكفي شراء اثنتين منذ عدة سنوات، ألجأت الحكومة ذلك إلى تصاعد متكرر في سعر البوتاجاز العالمي، الذي كسر حاجز 657 دولارًا للطن (11.694 جنيهًا)، في الوقت الذي نستورد فيه حوالي 55% من استهلاكنا، البالغ 330 مليون أسطوانة سنويًا، بحسب الهيئة العامة للبترول، لتعلن رئاسة الوزراء أن سعرها الفعلي 175 جنيهًا، ولكن بحسبة بسيطة وفقًا للأرقام السابقة مع تثبيت سعر الدولار عند 17.9 جنيهًا، نجد أن تكلفتها لا تتعدى 139 جنيهًا للمستوردة، بخلاف المحلية التي تقل كثيرًا عن هذا الرقم.
ينتهي الرجل من تركيب الأنبوبة، ليجلس وسط بناته، ويربت برفق على أكتافهن، يخشى عليهن من صعوبة الأيام، وخاصة الكبرى، التي تزف عروسًا بعد شهرين، ينعدم الغاز من شقتها بإمبابه، كحال 12 مليون أسرة مصرية من أصل 20، لم يجد الغاز إليهم طريقًا، بالرغم من بدء نشاط توصيله للبيوت عام 1981.