الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأهلي والترجي يكتبان صفحة مضيئة في "ثقافة الساحرة المستديرة العربية"

الأهلي والترجي
الأهلي والترجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وسط تحديات متعددة تواجه الهوية العربية في الألفية الثالثة وزمن ما بعد الحداثة ناهيك عن عواصف المؤامرات ضد هذه الأمة الواحدة تأتي المباراة النهائية لدوري أبطال افريقيا بين فريقين عربيين شقيقين لتتحول هذه المباراة المرتقبة بعد غد "الجمعة" بين الأهلي المصري والترجي التونسي إلي فرصة مواتية لإعلاء الاصطفاف العربي وأنشودة للهوية وترنيمة حب للوطن الأكبر وصفحة مضيئة في ثقافة الساحرة المستديرة العربية.
وواقع الحال ان الوشائج والروابط الجامعة ما بين شعبي مصر وتونس أكبر وأكثر من أي محاولة لتعدادها، وها هي مصر التي شرفت بشاعرها الخالد "بيرم التونسي" يردد شعبها دوما أشعار أبو القاسم الشابي فيما يعشق الشعب التونسي الأدب والفن المصري وتشكل كوكب الشرق "ام كلثوم" ايقونة خالدة في الذائقة التونسية.
كانت مكتبة الإسكندرية قد استضافت مؤخرا ندوة مشتركة مع أعضاء الوفد التونسي في جامعة الدول العربية محورها العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين وهما كما قال مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي في ذلك اللقاء الثقافي الجامع "جناحا الأمة".
وإذ حذر الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة من محاولات اشعال الفتن بين الناديين الكبيرين:الأهلي والترجي فقد أكد أن الشعب التونسي من أقرب الشعوب العربية للمصريين و"هو شعب مثقف ومتحضر وفنان".
وأضاف: "ولا يوجد فنان تونسي إلا وأخذ طريقه من مصر ابتداء بلطفي بوشناق وعليا التونسية ولها واحدة من أجمل الأغاني عن مصر وهناك أيضا لطيفة وصابر الرباعي والراحلة ذكرى وهند صبري وكلهم نجوم في حديقة الغناء والفن المصري".
والرياضة في الأصل حب وفن وجمال وينبغي أن تكون وسيلة استمتاع للجماهير ومن ثم - كما يقول فاروق جويدة - فإن لقاء الأهلي والترجي بعد غد "يجب ان يكون لقاء محبة وتواصل بين الشعبين الشقيقين" لافتا الى ان الشعب التونسي له في قلوب المصريين "مساحة كبيرة من الحب والتقدير والعرفان".
وإذا كان من الطبيعي أن تشجع جماهير كل فريق فريقها وتتمنى فوزه فمن الطبيعي أيضا ان تكون المباراة المرتقبة بمثابة عرس كروي عربي ولحظات مفعمة بالبهجة الكروية علي أرض ملعب رادس العربية التونسية.
وبكل الحب تشجع الجماهير المصرية والتونسية لاعبي الفريقين الكبيرين والكل اشقاء يتنافسون بروح رياضية على المستطيل الأخضر لتقديم الوان متعة اللعبة الجميلة وكلهم "فرسان من شباب هذه الأمة الباسلة التي تواجه الآن اخطر التحديات واعتى الوان المؤامرات ومحاولات آثمة تتوسل بالارهاب لاسقاط دولها الوطنية".
وفي لعبة كرة القدم او "الساحرة المستديرة" ليس بمقدور أحد أن يتوقع سلفا وباليقين نتيجة أي مباراة قبل ان يطلق الحكم صافرة النهاية ومن ثم لم يبالغ الناقد الرياضي المصري حسن المستكاوي برؤيته الثقافية عندما وصف هذه اللعبة ذات الشعبية الطاغية في مصر وتونس وكل بلدان الوطن العربي الكبير "باللعبة الديناميكية الساحرة المثيرة التي تجري مبارياتها بدون سيناريو مكتوب ومعروف له بداية ونهاية في خيال الكاتب" معتبرا اننا نشهد في كثير من المباريات "دراما تفوق خيال وابداع يوسف ادريس".
كما حق لهذا الناقد الرياضي المرموق القول بأن "الأهلي والترجي فريقان كبيران وكلاهما يحترم الآخر وكل ما نرجوه أن يجري اللقاء بروح رياضية وان يسقط من حسابات الجميع في مصر وتونس كتابات وتغريدات طيور الظلام والغربان التي تظن ان صوت صراخها هو صوت غناء عصافير" !.
وإذ يقول حسن المستكاوي ان "الفرق القوية والكبيرة تفوز وتخسر وتنتصر وتنكسر وتكتب تاريخها وحاضرها بما تحققه من أداء وما تقدمه من عروض ومهارات" فيكاد الإجماع يتحقق بين جمهرة الكتاب والنقاد الرياضيين المرموقين على المستوى الكوني بأنه ليس المهم من يكسب ومن يخسر في أي مباراة على المستطيل الأخضر وانما المهم اعلاء جوهر لعبة كرة القدم "باعتبارها اللعبة الجميلة التي تقترن بالبهجة وتمنح المتعة للجميع".
وسوف يلعب الأهلي مع الترجي عشرات المرات في المستقبل كما سوف يستضيف ستاد برج العرب مباراة منتخبي مصر وتونس بعد أيام وستظل المنافسة بين المنتخبين مادامت كرة القدم..وتستمر المباريات واللقاءات ويفوز فريق ويخسر فريق لكن في النهاية يجب أن يكون الانتصار للروح الرياضية وللأخلاق كما يقول حسن المستكاوي وكما يتفق معه كل النقاد والكتاب الرياضيين الذين يدركون قيمة وامانة الكلمة ويتصدون لمحاولات بث الفرقة والاحتقان بين جماهير فريقين عربيين شقيقين.
وإذا كانت الساحرة المستديرة قادرة على التمييز بوضوح بين الانتماء كقيمة بناءة وبين التعصب كممارسة هدامة فانها في الوقت ذاته هي "لعبة الصراع النظيف داخل المستطيل الأخضر فلاريب ان جماهير فريقي الأهلي والترجي يعبران معا كجماهير لفريقين كبيرين عن تلك المعاني الراسخة في عالم اللعبة الجميلة.
وفيما أسس النادي الأهلي عام 1907 كما أسس نادي الترجي في مطلع عام 1919 فان الناديين معا يعدان من أعرق الصروح الرياضية العربية وشكلا منارات للوطنية والانتماء القومي وهما بحق من القوى الناعمة العربية ويعبران عن الروح الحضارية للإنسان العربي وهويته الجامعة.
وحسب «مقياس للهوية» اعتمده البرنامج الدولي للدراسات الاجتماعية، فإن هذا المقياس الذي استند لدراسة عميقة لفئات متنوعة في العديد من المجتمعات حول العالم منذ عام ١٩٩١ قد حدد عشرة مكونات أساسية للشعور بالكرامة الوطنية والعزة القومية، من بينها الرياضة وإنجازات الأبطال الرياضيين، بل إنه منحها مكانة متقدمة للغاية بين هذه المكونات العشرة، لتتصدر القائمة بعد عنصر تاريخ الدولة أو الأمة مباشرة، فيما جاءت الفنون والآداب في المركز الثالث.
و المنافسات الرياضية الشريفة كما هو الحال في لقاءات الأشقاء بفريقي الأهلي والترجي لها أن تبرهن دوما علي أن أجمل ما في الرياضة بهجتها ومتعتها البريئة بقدر ما تكسر جدار العزلة القاسية التي باتت سمة أساسية للإنسان المعاصر في عصر العولمة وزمن الألفية الثالثة.
وإذا كان الكاتب «تيم باركز» يقول إن كرة القدم كلعبة رياضية تتيح للإنسان المعاصر أن يضع يده في أيادي بشر لا يعرفهم ليغنوا ويرقصوا معا في لحظات ساحرة، تذوب فيها شخصية الفرد في المجموع، وتتحق بالفعل مقولة «الكل في واحد» فإن المباراة المرتقبة بين الأهلي والترجي لا بد وأن تشهد لقاءات المحبة بين الجماهير التونسية والمصرية في لحظات ساحرة كالسحر الجميل للساحرة المستديرة.
وإذا كانت الهوية الحقيقية كامنة في الجوانب الإبداعية من الثقافة، كما يقول الشاعر السوري الكبير، علي أحمد سعيد، المعروف باسم «أدونيس»، فإن الرياضة في نظر العديد من الكتاب، أحد تجليات الإبداع لأي شعب من الشعوب، ولأي أمة من الأمم، فيما كان عشق أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ لكرة القدم نموذجا للعلاقة السوية بين المثقف الكبير والرياضة، تماما كما كان الكاتب والمحقق اللغوي الراحل محمد محمود شاكر والملقب في مصر والعالم العربي "بشيخ العربية".
ولعل كرة القدم العربية تحظى بكتاب مثل تلك الكتب التي تصدر في الغرب عن جوانب متعددة للساحرة المستديرة مثل ذلك الكتاب الذي صدر بعنوان " اللعبة الأوروبية: اسرار نجاح كرة القدم الأوروبية" بقلم دانيل فيلدسيند وهو من ابرز كشافي المواهب الكروية لنادي ليفربول كما يعمل ضمن وظائف اخرى كباحث بالمنظومة الكروية لهذا النادي الذي يعد ثاني اكثر الأندية الانجليزية فوزا بلقب الدوري الممتاز بعد مانشستر يونايتد.
وهذا الكتاب الجديد محصلة جولة للمؤلف استمرت ثلاثة اشهر في القارة الأوروبية لاستكشاف اساليب وطرق النجاح التي تستخدمها فرق الأندية الأوروبية الكبرى مثل يوفنتوس وبايرن ميونيخ واياكس وبنفيكا وايه سي ميلان وليون واتلتيك بيلباو ونحن بحاجة لجولات وجولات في ملاعب وطننا العربي الكبير من اجل كتب ذات مضمون ثقافي رياضي رفيع المستوى.
فالأندية العربية مثل الأهلي والترجي تشكل في الواقع حصونا للقيم والأخلاق الرياضية ومرجعية للضمير الخير والأصالة والتجدد وانتاج المعاني الجديدة في عالم الساحرة المستديرة والعلاقة الفريدة مع جماهيرها الوفية بروح رياضية اصيلة.
وإذ يتنفس الكثير من العرب أيضا "اكسجين كرة القدم" التي تعد اللعبة الأكثر شعبية من المحيط للخليج فان لقاء الأهلي والترجي بعد غد له ان يمنح عشاق الساحرة المستديرة المزيد من متع اللعبة الجميلة ومشاعر الحب بين أبناء الأمة الواحدة والقيم الرياضية الأصيلة..إنها حقا صفحة مضيئة في ثقافة الساحرة المستديرة وللعبة الجميلة ان تزهو بكوكبة من شباب العرب في بلدين شقيقين...فتحية لشبابنا المصري والتونسي وهم يقدمون نموذجا مضيئا "لثقافة الساحرة المستديرة العربية".