الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

رحيل "المرأة الحديدية".. الألمان في أزمة بعد "ميركل"

ميركل
ميركل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«لقد حان الوقت اليوم لبدء فصل جديد، لن أعود بعد الآن إلى رئاسة الحزب، ولن أترشح كمستشار، ولا لأى منصب سياسى آخر»، بهذه الكلمات أسدلت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» الستار على أكثر من ١٨ عامًا من هيمنتها على السياسة الأوروبية خلال مؤتمر صحفى فى برلين يوم ٢٩ أكتوبر ٢٠١٨.
وجاء إعلان «ميركل» لهذا القرار عقب تعرض ائتلافها اليمينى المحافظ إلى خسارتين مدويتين خلال الانتخابات المحلية، كانت الأولى قبل أسبوعين فى ١٤ أكتوبر ٢٠١٨ خلال انتخابات مقاطعة «بافاريا»؛ حيث خسر الائتلاف فيها الأغلبية المطلقة التى كان يتمتع بها منذ عقود، ثم أتت الخسارة الأخيرة التى شهدها الحزب فى انتخابات ولاية «هيسن» -التى تضم مدينة «فرانكفورت» العاصمة المالية للبلاد- يوم الأحد ٢٨ أكتوبر ٢٠١٨ لتكون القشة التى قصمت ظهر البعير؛ إذ وصف المتابعين للشأن الألمانى هذه النتائج بأنها «انتكاسة» لـ«الاتحاد الديمقراطى المسيحي»-المُكون من الحزب الديمقراطى المسيحى والحزب الديمقراطى الاجتماعي- الذى تتولى «ميركل» رئاسته منذ عام ٢٠٠٠.
ملفات ينتظرها مستقبل غامض
سرعان ما كان لخبر استقالة «ميركل» المعروفة بـ«المرأة الحديدية» الكثير من التداعيات، إذ تساءل الكثيرون عن مستقبل الملفات التى كانت تتبناها «ميركل» بشكل شخصى، من أبرز هذه الملفات:
المهاجرون واللاجئون
فعلى الرغم من تنامى اليمين المتطرف والشعوبيين الرافضين لإدماج المهاجرين داخل المجتمع الأوروبى سواء داخل فرنسا وهولندا والدنمارك والسويد أو حتى ألمانيا، تصدت «ميركل» إلى أزمة اللاجئين فى ذروتها عام ٢٠١٥ وساهمت فى تقنين أوضاعهم، الأمر الذى جعلها تُلقب بـ«مهندسة سياسات الهجرة»؛ وجعلها تواجه انتقادات خارجية وداخلية من داخل أعضاء حكومتها، فعلى الصعيد الخارجي: عارضت «ميركل» تعنت معظم العواصم الأوروبية فى أزمة استقبال اللاجئين لعدة عوامل، أهمها: أنها تضر بالمصلحة الأمنية الأوروبية، وتفرض عليهم عددًا من التحديات الاقتصادية، خاصًة فى ظل تنامى عدد المهاجرين إلى أوروبا الذى وصل فى ٢٠١٨ إلى ما يقرب من ٣٢ ألفًا من المهاجرين، من بينهم أكثر من ١٩ ألف مهاجر قصد فقط برلين.
بينما على الصعيد الداخلي: تقدم «هورست زيهوفر» وزير الداخلية الألمانى وزعيم حزب «الاتحاد الاجتماعى المسيحى بخطة عمل تفرض قيودًا تجاه المهاجرين، الأمر الذى قوبل بالرفض من قبل المستشارة الألمانية، لذا أعلن «زيهوفر» نيته بتقديم استقالته، لكنه تراجع بناء على التفاهمات التى حدثت مع «ميركل» التى حاولت احتواء الموقف؛ حيث توصلت إلى لاتفاق يقضى بموجبه إقامة مراكز إعادة المهاجرين إلى دول أوروبية قدموا منها.
الاتحاد الأوروبى
عُرفت «ميركل» بإيمانها بأهمية العمل داخل إطار الاتحاد الأوروبي؛ وهذا تجلى فى أزمة اللاجئين حتى مع اختلافها مع السياسة الأوروبية؛ إذ رفضت مقترح «زيهوفر» بوقف التنسيق مع الدول الأوروبية باعتباره أحادى الجانب، مؤكدة ضرورة تبنيها سياسة أوروبية معتدلة وشاملة لجميع دول الاتحاد.
كما ساعدت فى توجيه الاتحاد الأوروبى وقت أزمة الديون بمنطقة اليورو التى بدأتها اليونان فى ٢٠٠٩، وأدت إلى حدوث انقسام بين أعضائه أدى إلى تهديد إيطاليا بالانسحاب من التكتل، وانسحاب بريطانيا بالفعل حفاظًا على استقرار عُملتها، فمن جانبها، حاولت «ميركل» تقديم رؤية لإصلاح منطقة اليورو، بما يشمل إنشاء ميزانية للاستثمار وصندوق للنقد الأوروبى من أجل تحقيق التقارب الاقتصادى بين الدول الأعضاء، ومساعدة الدول الأوروبية التى تعانى أزمات مالية، وسد العجز فى الميزانية الذى من شأنه أن يحدث بعد الخروج البريطانى.
وبالتالى، قد يعرقل انسحاب «ميركل» من العمل السياسى من قدرتها على القيادة على مستوى الاتحاد الأوروبى فى وقت يتعامل فيه التكتل مع عدد من التحديات، مثل: خروج بريطانيا، وأزمة تتعلق بالميزانية فى إيطاليا، واحتمالات تحقيق أحزاب شعبوية مكاسب فى انتخابات البرلمان الأوروبى فى مايو ٢٠١٩.
التعاون «الألمانى - الفرنسي»
وعلى الصعيد الآخر، يشوب مستقبل المحور الفرنسى الألمانى الكثير من الغموض بعد تنحى «ميركل»؛ حيث تتقارب دائمًا وجهة النظر الفرنسية مع نظيرتها الألمانية، فكلاهما رفضوا تعنت بعض الحكومات الأوروبية فى التعامل مع ملف الهجرة إلى أوروبا، ودائمًا ما تؤكد «ميركل» على رغبتها فى التنسيق مع باريس فى كثير من الملفات منهم منع الانقسام داخل التكتل الأوروبى، وخلق آليات جديدة بما يحقق حماية للحدود والأمن القومى الأوروبى، وهو ما يلاقى قبول الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» الذى يؤكد كثيرًا رغبة بلاده فى التعاون مع برلين.
ردود فعل مُرحبة
كان أول المتأثرين بقرار «ميركل» هو الاقتصاد الألماني؛ إذ تسبب فى تراجع سعر اليورو لكن لفترة وجيزة بنسبة ٠.٤٪ وارتفاع العوائد على السندات الحكومية الألمانية؛ حيث قفزت عوائد السندات الآجلة لعشر سنوات بحوالى ٤ نقاط، أما على صعيد تعاملات الأسهم الأوروبية، فارتفع مؤشر «داكس» الألمانى بنسبة ٠.٧٪، فى حين قفز مؤشر «ستوكس ٥٠» بنسبة ٠.٥٪.
وعلى الصعيد السياسى، بدا الأمر وكأن الساسة مستعدون لهذا القرار؛ فعلى الرغم من قلق «مايك موهرينج» رئيس الاتحاد الديمقراطى المسيحى فى ولاية «ثورنجن» الألمانية من هذا القرار واصفًا إياه بأنه «نقطة تحول»، وهو ما اتفق معه «نوربرت لامرت» الرئيس السابق للبرلمان الألمانى الذى قال إنه مقبول كجزء من «مرحلة انتقالية»، لكن أغلب ردود الفعل الأخرى جاءت مُرحبة ورأت أنها فرصة للتجديد فى الحزب، وهو ما عبر عنه «ديفيد مكاليستر» العضو البارز فى الحزب الديمقراطى المسيحى، قائلًا لصحيفة «جارديان»: إن ما فعلته «ميركل» اليوم هو منح حزبنا فرصة لبداية جديدة، لكنه طالب جميع الأطراف بتنحية خلافاتهم جانبًا لمواصلة التحالف الكبير.
خليفة «ميركل»
فى ظل حالة التوتر التى تعيشها ألمانيا منذ إعلان «ميركل» قرارها بالانسحاب، يتسارع الساسة والشخصيات العامة لتقديم أنفسهم للناخب الألمانى، وجاء أبرزهم:
أنجريت كرامب: الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى، فهى الاسم الأكثر تداولًا؛ حيث تُعتبر الخليفة الأقرب فى وجهات النظر مع «ميركل» من الناحية السياسية، لذا فهى المرشح المفضل لأنصار الاستقرار، لكن على الرغم من أنها من مؤيدى سياسة الهجرة التى كانت تتبناها «ميركل»، فإنها تختلف معها فى بعض السياسات الاجتماعية كالتبنى والزواج.
فريدريش ميرز: خِصم «ميركل» المباشر، وكان أول من أعلن أنه سيحل محلها، فهو أحد الرجال الذين أجبرتهم المستشارة الألمانية من قبل على ترك منصبهم، لأنهم رشحوا أنفسهم أمامها كمنافسين على مقعد الحزب، اختلف مع «ميركل» بسبب اقتراحها بتخفيض النظام الضريبي؛ إذ إنه مستقل من الناحية الاقتصادية.
ينس سبان: وزير الصحة فى الحكومة الحالية، لكنه أكثر المنتقدين بشكل علنى لسياسة اللاجئين منذ عام ٢٠١٥، فهو مرغوب فيه فى صفوف حزب المحافظين، وأصبح فى ٢٠٠٢ أصغر عضو ينتخب مباشرة للبرلمان، ثم حصل على مقعد فى مجلس إدارة الحزب المحافظ.
أرمين لاشيت: يُعرف بأنه «صوت العقل»، هو نائب زعيم الحزب المسيحى الديمقراطى، لذا يُتداول اسمه كخليفة لـ«ميركل»، وانتُخب فى ٢٠١٧ زعيمًا لأكبر ولاية فى ألمانيا من حيث عدد السكان وهى «ولاية شمال الراين- ويستفاليا»، لكنه حذر من تحويل الحزب إلى اليمين أكثر من اللازم.
وستبقى دائرة الترشيحات مفتوحة وتنتظر المزيد من الأسماء، إلى أن يأتى شهر ديسمبر ٢٠١٨ الذى بات قريبًا ليُسدل الستار عن هذه التكهنات، بانعقاد مؤتمر الحزب لاختيار رئيس جديد له، ويُحسم الجدل.