الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الدكتور أحمد السعيد الخبير في الشأن الصيني لـ"البوابة": الرئيس الصيني معجب بالتجربة المصرية.. والقاهرة تخلصت من الإسلام السياسي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يعرف الكثيرون عن الدكتور أحمد السعيد، مؤسس ومدير عام مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية بمصر والصين، سوى أنه رجل ثقافة، يعمل بها كمترجم بارع شارك فى ترجمة أكثر من ثلاثين عملًا من الصينية للعربية، وله مؤلفات باللغتين منها «طريق الصين - سر المعجزة»، و«بما لا يضر مصالح الشعب»، ومستثمر فى القطاع الثقافى حصل على جائزة الدولة الصينية للتميز الخاص فى مجال الكتاب، وجائزة الصداقة الصينية من مقاطعة نينغشيا.
لكن فى الحقيقة من الصعب حصر الرجل الذى صار مستشارا وخبير مشروع الحكومة الصينية لترويج الكتاب الصينى فى العالم فى الدور الثقافى فقط، فالرجل الذى يُطل مكتبه فى القاهرة على أحد جوانب ميدان التحرير، هو بالفعل واحد من أهم الخبراء فى الشأن الصيني، وأحد مهندسى العلاقات العربية-الصينية. كثيرًا ما تجده فى الصور الرسمية لكبار المسئولين الصينيين للدول العربية، ودومًا تجده فى أروقة السلطة الصينية عندما يتعلق الأمر بالشأن العربي.
لا يتحدث السعيد كثيرًا عن هذه الأمور مُكتفيًا بدوره الثقافى، لكن التحركات الصينية الدؤوبة فى المنطقة على مستويات عدة تجعل من الضرورى معرفة نوايا التنين الآسيوى نحو الدولة العربية، خاصة فى ظل الكثير من الأحاديث المختلطة عن الأسطورة القابعة خلف ما يقرب من مليار ونصف مليار مواطن ودورها العالمى القادم؛ لذا كان عليَّ لقاؤه فى القاهرة التى جاء إليها سريعًا للمشاركة فى تحضيرات زيارة نائب الرئيس الصينى إلى القاهرة، وقبل أن يحمل حقيبته التى لم يتحرر ما بداخلها استعدادًا للسفر إلى الجزائر برفقة الأديب الصينى الأشهر مو يان الحاصل على جائزة نوبل عام ٢٠١٢، ثم السفر إلى الشارقة بالإمارات لمُتابعة معرضها الدولى للكتاب.
«هذه المرة سنتحدث عن الصين لا عن الكتب الصينية»، قلتها له وأنا جالس أمامه بينما عيناى تجوبان غرفة مكتبه الغارقة فى النقوش الصينية التى تعددت بين عناوين الكتب أو الحِكم الصينية الشهيرة؛ إضافة إلى ركن خاص بصوره مع كبار المسئولين فى الصين والدول العربية المُشاركة فى مبادرة «الحزام والطريق»، وآخر يحوى شهادات بعضها بالإنجليزية وأغلبها بالصينية.
انفرجت شفتاه عن ابتسامته الدبلوماسية المُعتادة، وهو يقول مازحًا: «بكل سرور، عدنى فقط بأنك لن تتحدث عن الكونغ فو وأفلام جاكى شان فقط».
تشاركنا ضحكة صغيرة ثم بدأت التسجيل وسألته «ربما كانت الصين هى الدولة الشيوعية الأقوى فى العالم التى ما زالت تحافظ على مسارها بعيدًا عن التقلبات، وكيف تفسر تماسك الحزب الشيوعى الصينى فى سدة الحكم؟»
- تغيرت ملامحه إلى ما يُشبه المُعلِم وهو يشرح لتلاميذه، وقال «المصطلح فى حد ذاته به لبس كبير، فالصين دولة اشتراكية ذات خصائص شيوعية، أمّا المفهوم الشيوعى الذى روّج له ماركس أو أنجلز أو لينين أو غيرهم من آباء الفكر الشيوعى فى العالم، فقد اختلف فى الصين بعد عام ١٩٧٨ عندما قرر الصينيون عمل نسختهم الخاصة من الفكر الاشتراكي، والذى يتمثل بالنسبة لهم فى مقولة «لا يهم لون القط أبيض أم أسود، ولكن المهم أنه يصيد الفئران»، هكذا اتخذوا خيارًا مفتوحًا للتجربة.
هذه الطريقة الانتقائية تعمل بشكل مثالى فى الدولة مُترامية الأطراف، فرغم النظام الاشتراكى لكن الصين استطاعت عمل مناطق للتجارة الحرة، وكذلك أقامت مناطق ذات نظامين مثل «هونج كونج» و«مكاو» وهى رأسمالية تمامًا، بينما البر الرئيسى الصينى مفعم بالاشتراكية.
تُشير الإحصائيات العالمية إلى أن متوسط دخل الفرد الصينى حاليًا هو ٩.٧٠٠ دولار أمريكى فى العام، بينما كان فى بداية تطبيق هذا النظام ١.٥٠٠ دولار، إضافة إلى عدد كبير من أصحاب الملايين والمليارات «وانظر قائمة أغنى مائة شخصية فى العالم الآن بها كم رجل أعمال صيني».
بعيدًا عن هوليود
هذا الوضع يؤكد أن هناك صورة أخرى عن المواطن الصينى بعيدًا عن ركلات الكونغ فو وأداء العصابات فى الأحياء الفقيرة التى تملأ شاشات هوليود.
يقول السعيد إنه بالفعل لا يقل فى مستوى معيشته عن المواطن السويسرى مثلًا، ولكن بالطريقة الصينية التقليدية الممزوجة بلمسة من الحداثة؛ وبينما السينما الأمريكية تُظهر الصين على أنها دولة بلا حقوق للإنسان تجد العكس، «مثلًا رجال الشرطة الصينية لا يحملون أسلحة، وعقوبة حمل أو استخدام الأسلحة بين المواطنين تصل إلى الإعدام، وبالتالى فإن حالات الاغتصاب والسطو المسلح غير موجودة».
لفت فى حديثه إلى أن الحديث حول حرية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى فى الصين لا تشغل بال المواطن الصينى كما يرّوج الغرب، «فالصينيون أوجدوا لأنفسهم بدائل لفيسبوك وتويتر وغيرها قبل أن يقوموا بإغلاق هذه المواقع، مثل موقع «وى تشات» الذى يستخدمه ما يقرب من ستمائة مليون شخص. لا أحد يلتفت إلى أنهم دومًا يعيشون على الطريقة الصينية التقليدية مع مزج التقنيات الحديثة».
«السائح الصينى هو الأكثر إنفاقًا فى العالم» كما يؤكد الرجل الذى أنهى دراسته للغة الصينية وأدى خدمته العسكرية مُعلمًا لهذه اللغة بمعهد القوات المسلحة ثم انتقل للإقامة بالصين.
يقول إن متوسط ما يقوم بإنفاقه الصينى كسائح هو ألف وخمسمائة دولار فى الأسبوع، وهو كذلك السائح الأكثر انتشارًا فى العالم، حيث يُسافر للسياحة بين ثمانين إلى مائة مليون صينى «لدرجة أن الدولة حوّلت السياحة لواحد من أقوى أسلحة القوة الناعمة، حيث يُمكن أن تُهدد أية دولة يقع بينهما خلاف بعدم إرسال السائحين الصينيين إليها».
«أبومارية»، كما يُطلق عليه أصدقاؤه نسبة إلى طفلته الصغيرة التى اقتربت من الأعوام الخمسة - وهى صينية الأم بدورها - اعتاد أن يحيا بالطريقة الصينية التقليدية، يستيقظ فى السادسة صباحًا ويُمارس الرياضة ثم يتناول إفطاره فى العاشرة، يُحافظ هو الآخر على موعد الغذاء المُقدّس فى الثانية ظهرًا والعشاء فى السادسة، رغم يوم طويل من العمل لكنه يأوى إلى فراشه فى العاشرة مساء أيضًا إلا لو ارتبط بالتزامات أخرى.
حكى لى هذا الأمر بينما بدأت ملامحه فى النعاس بعد تخطى الساعة الثامنة والنصف مساء «لن أُطيل»، قلتها له مراوغًا، فابتسم وهو يعلم أنى أكذب «الحياة فى القاهرة تختلف. هى مدينة لا تنام، بينما صرت أنا أشبه بالصينيين».
المنفعة للجميع
تتعامل الصين بهدوء مع جيرانها فى آسيا، اليابان العدو القديم، كوريا الشمالية التى لا تختلف معها كثيرًا، روسيا التى تعود إلى مجدها كقطب عالمي، والدول الأكثر فقرًا على حدودها؛ هناك مبدأ «المنفعة أولًا»، فمهما أضمرت القلوب من غضب تجاه الجار الياباني، والذى «أهان الصين» حسبما يُردد أبناؤها، إلا أن الانتقام يأتى بطريقة تحسين مستوى البلاد والمستوى المعيشى للفرد عن الجار والعدو القديم، لكن، فى الوقت نفسه فإن العلاقات الشعبية بين الجارين الواقعين فى آخر أطراف العالم القديم ليست على المستوى الصديق، فلا ينسى المواطن الصينى مثلًا مذبحة نانجنغ عام ١٩٣٧، وهى من أفظع جرائم القوات اليابانية فى الحرب العالمية الثانية، والتى قدر بعض المؤرخين أعداد القتلى فيها بربع مليون قتيل، «الصينيون أرادوا رد الإهانة بالتفوق على اليابان فى كل شيء».
وسألته لماذا لا تلعب الصين دورًا أكثر فاعلية فى القضايا الدولية، رغم أنها عضو دائم فى مجلس الأمن، لماذا؟».
- هز رأسه مُتفهمًا حيرتى فى هذه النقطة وبدأ يشرح المبدأ الصينى «لا نخشى المشاكل ولكننا لا نُثيرها»، وأشار إلى أنهم دومًا مع مطالب الشعوب «ورغم أنها لم تستخدم حق الفيتو عند حدوث مشكلة بحر الصين الجنوبى لكنها فعلت ذلك مع الكثير من الدول العربية».
فى بداية الأزمة السورية استخدمت الصين ذلك الحق أكثر من مرة، لكن عندما انقسمت المعارضة السورية إلى العديد من التنظيمات المسلحة أغلبها ينتمى إلى «داعش» و«القاعدة» وفصائل أخرى «لم يعد الأمر ثورة ضد نظام وإنما تناحر الكثير من القوى للوصول إلى الحكم، لذلك فالصين تراجعت بعض خطوات وأعلنت أنها مع عدم إراقة دماء الشعب السورى من أى طرف»؛ كذلك عارضت الصين التدخل العسكرى للقوى الغربية فى ليبيا، وأيضًا رفضت الحديث حول اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير.
خطر الإسلام السياسي
عندما ظهر تنظيم «داعش» انضم إليهم ما يقرب من ٣ آلاف صينى من مسلمى الويغور ثم اختفوا بعد ذلك. يُسبب ذلك قلقًا كبيرًا للحكومة الصينية، فلو ظهر هؤلاء داخل الصين سيقومون بمئات العمليات الانتحارية فى المدن وغيرها وسيهددون الاستقرار الداخلي؛ لذا فإن الحكومة الصينية ترى أن الحل الوحيد هو التعاون مع الدولة الوسطية التى لديها مشاريع لمكافحة الإرهاب.
وبما أن منبع كل حركات الإرهاب الدينى هو النزاعات فى الشرق الأوسط لذلك فإن التعاون مع دول الشرق الأوسط للقضاء على هذه الجماعات الدينية المُسلحة سيُساهم فى إنهاء مشكلة الجماعة الإسلامية المسلحة فى الويغور، والذين يتجاوز عددهم أكثر من ٢٥ مليون صيني.
«من سوء حظ الويغور أنهم فى شينغيان، وهى منطقة لديها حدود خارجية مع سبع دول، وهى تقريبًا نصف حدود الصين وفى نفس الوقت تُمثّل خُمس مساحة الصين، وغنية بالثروات «الويغور من الصدفة أنهم مسلمون، فى الحقيقة الصين لا تضطهد المسلمين ولكن لديها مشكلة مع عرقية لديها فئة كبيرة ترغب فى الانفصال، فنفس الوضع الذى تتعامل به الحكومة مع الويغور يحدث فى إقليم التبت، الذى يدين سُكانه بالبوذية وهى الديانة الأكبر فى الصين، كلاهما يتعرض لنفس الإجراءات الأمنية الصينية للحفاظ على وحدة الدولة، بينما يستخدم الغرب الويغور من أجل الضغط على الصين فى قضايا أخرى ويتجاهل أن النزاع يكون أحيانًا شبه مسلح من جانب الويغور»، ففى عام ٢٠١٥ دخل اثنان من الانتحاريين ينتميان إلى الويغور واحدا من قطارات المترو وأخرجا سيوفا وبدآ فى قتل من حولهما».
الجيش ومشروعات التنمية
الصين مساحتها ٩ ملايين وثلاثمائة ألف كيلومتر مربعا، وهى بلد لديه الكثير من المشاكل الداخلية التى يُمكن أن تؤثر على الوحدة والاستقرار فى حال تفاقمها، وتهدد طيلة الوقت بأن تنقسم إلى أربع أو خمس دول. أبرز هذه الأخطار المشكلة الأبدية لإقليم التبت، والدلاى لاما الذى يُقيم فى الولايات المتحدة ولا ينفك عن إزعاج الحكومة الصينية بالكثير من التصريحات، وهناك مشكلة بحر الصين الجنوبي.
يقول السعيد «الصين لديها ١٥ حدا بريا مع ١٥ دولة، وعندما تحكم دولة عدد سكانها هو خُمس سكان العالم فكأنك تحكم ٣٠ دولة فى الواقع، وهذا العدد الرهيب من السكان لا بد من وجود قوة عسكرية ضخمة لحمايته والتصدى لمشكلاته الدائمة؛ لكن الأهم من كل هذا والذى وضع الأساس لهذه القوة العسكرية الهائلة هو أن الجيش الصينى فى مطلع القرن العشرين كان ضعيفًا للغاية، وعندما قامت اليابان باحتلالها عام ١٩٣٧ ارتكبت الكثير من الفظائع وقامت بقتل ملايين الصينيين».
السلاح الصينى أيضًا صار أغلبه محلى الصنع، وبدأ الجيش الصينى فى بيعه للكثير من الدول بتقنيات عالية جدًا، ويرى السعيد أنه حتى الآن ليس مصدر خطورة على الآخرين وإنما هو مصدر حماية لنفسه حتى لو لم يستخدمه قبلًا «فعندما حدثت أزمة بحر الصين الجنوبى لم يتحرك الجيش، كذلك عندما حدثت أزمة بين الصين واليابان حول جزيرة «دياو يوي» وأرسلت اليابان واحدة من فرقها العسكرية على الجزيرة لم ترسل الصين أيًا من أسلحتها تجاهها، والأمر نفسه حدث عندما قام بعض الجنود الهنود المنتشرين فى التبت باقتحام الحدود ألقى الجنود الصينيون السلاح والتحموا كتفًا بكتف، وصارت «معركة أكتاف» بين الطرفين».
الحزام والطريق
السعيد، الذى يُشارك الآن عبر مؤسسته «بيت الحكمة للاستثمارات الثقافية» فى معرض الشارقة الدولى للكتاب، هو كذلك عنصر مُساهم فى العلاقات الصينية بدولة الإمارات العربية الشقيقة، فقد كان واحدًا ممن صاحبوا الرئيس الصينى «شى جين بينغ» فى زيارته الأخيرة للبلاد، وكانت مؤسسة «بيت الحكمة» هى الموزع الرئيس لكتاب «حول الحكم والإدارة» الأخير الذى يتضمن خطب الرئيس؛ يؤكد الرجل أن التطلعات الصينية لا تتوقف، وأنه عندما يصل الاقتصاد لمرحلة معينة من التقدم فمن الطبيعى أن يُصاحبه بعدها نوع من جلب الثقافة.
فى عام ٢٠١٦ كان العام الثقافى بين الصين ومصر، كل عامين يختارون دولا تُقيم فيها العام الثقافى، وهم مهتمون بإبراز الفنون والثقافة الصينية بكافة أشكالها «هنا فى القاهرة المركز الثقافى الصينى يُقيم فعاليات كبيرة اثنين أو ثلاثة كل شهر»؛ وكان السعيد كذلك واحدًا ممن ساهموا فى الإعداد لزيارتى الرئيس الصينى إلى القاهرة، وزيارات الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الصين، ففى عام ٢٠١٦ زار الرئيس الصينى ثلاثة من أهم الدول العربية، فبدأ بالسعودية ثم طار إلى مصر واختتم زيارته بالأردن، وفى ٢٠١٨ زار أكثر الدول العربية تأثيرًا وهى الإمارات بينما التقى الرئيس المصرى فى الصين «وركز الرئيس الصينى فى مصر والإمارات تحديدًا على أمر هام بخلاف العلاقات السياسية والاقتصادية وهى الثقافة والعلاقات الشعبية، وكتب مقالين أحدهما فى الصفحة الأولى لجريدة الأهرام المصرية، والثانى فى الصفحة الأولى بجريدة البيان الإماراتية. يرى الرئيس الصينى أن الإمارات تتمتع بقدرة كبيرة على التخطيط، بينما مصر تُشكّل الثِقَل السياسى والشعبي».
الخبراء الصينيون يؤكدون دومًا أنه بعيدًا عن الأوضاع السياسية فإن أكبر وأهم فرص للاستثمار فى الشرق الأوسط موجودة فى مصر، لأن كل الموارد الطبيعية بها يُمكن استغلالها فى أى وقت وإقامة آلاف المشروعات فيها. هكذا تعمل الإمارات، الفاعل الذكى فى المنطقة - وصاحبة أكبر استثمارات الآن فى مصر- مع الدولة المصرية؛ ما جعل الصين تنظر إلى الدولتين باعتبارهما الممثل القوى لمبادرة الحزام والطريق بالمنطقة.
الرئيس المصرى هو أكثر رئيس فى المنطقة التقى الرئيس الصيني، فقد التقيا ست مرات، خمس فى الصين ومرة بالقاهرة، وفى كل مرة يزداد التفاهم بين الرئيسين، والرئيس الصينى معجب بالوضع المصرى الحالى فى أنه يتحرك بخطوات واثقة، فقد تخلصت مصر من تيارات الإسلام السياسي، وفى الوقت نفسه لا تميل مصر نحو الغرب بشكل حاد، فلديها علاقات متوازنة مع روسيا والدول الأخرى.
يؤكد السعيد أنه على المدى البعيد ستصبح مصر هى أهم شريك استراتيجى للصين بالمنطقة، والصين تحاول بالفعل الحفاظ على التوازن بالمنطقة بشكل كبير، وهو ما بدا فى الزيارة الأخيرة لنائب الرئيس الصينى بالقاهرة «والرجل له أهمية كبرى داخل الدولة تكمن فى أنه المسئول الأول عن مكافحة الفساد، وخلال السنوات الخمس الماضية قام بالتحقيق مع ما يقرب من مليون مسئول صينى بتهم فساد مُتعددة، وهو ما أدى إلى تعيينه فى منصب نائب الرئيس، والآن الرئيس يُرسله لأهم ثلاث دول بالمنطقة وهى مصر والإمارات وإسرائيل، حيث يلتقى المسئولين فى هذه البلدان وقيادات الشعب الفلسطيني»، فالصين ترى أنه لا بد من العودة لحدود ١٩٦٧، وإكمال الاتفاق بما يُرضى الشعب الفلسطيني.
الجناح الثقافى المصرى فى الصين فى مقاطعة نينغشيا، والتى تشهد كل عامين المعرض العربى الصيني، وهو منتدى دولى للتعاون بين الصين اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وفنيًا، كانت بدايته هو اتفاقية تم التوقيع عليها فى جامعة الدول العربية عام ٢٠٠٤، وكل عامين يتم اختيار دولة ضيف شرف؛ اختارت الحكومة الصينية أكبر حدائق المقاطعة لإقامة المعرض الثقافى المصرى بها الذى يعرض الثقافة المصرية للجمهور الصينى «ومن حسن الحظ أن مؤسسة بيت الحكمة هى التى فازت بعقد إنشاء المعرض، وتعاونّا فيه مع وزارتى الثقافة والسياحة لعمل نماذج كبيرة للآثار المصرية والتاريخ المصرى كله منذ عهد الفراعنة وحتى الآن، وكان الجناح يتكون من ثلاث مبانٍ وبلغت مساحته ٣.٤٠٠ متر مربع، وكانت تكلفته وصلت إلى ١٢٠ مليون جنيه مصري تحملتها الحكومة الصينية بالكامل، وهو ما يعكس الثقة الصينية فى الثقافة والحضارة المصرية، وحضر الافتتاح وزير الصناعة والتجارة المصرى مُمثلًا عن الرئيس السيسى وبرفقته أهم المسئولين فى الحكومة الصينية؛ وكانت السفارة المصرية فى الصين تُشرف على كافة التفاصيل الخاصة بالجناح خطوة بخطوة».
اشترك فى الجناح الكثير من المصممين والفنانين المصريين، وكان يزوره يوميًا ما لا يقل عن ٢٠ ألف صيني، وطيلة أيام المعرض تجاوز عدد الزوار مليون صينى تقريبًا، ما جعل الصينيين يقررون أن يُصبح المعرض دائما ومفتوحا طوال الوقت لأى زائر يُريد التعرف على الحضارة المصرية.
هذا الأمر - وفقًا للسعيد- أسهم فى زيادة أعداد السائحين المتدفقين من شمال غرب الصين إلى مصر بعد زيارتهم للجناح، ما يجعل المعرض واحدا من أهم المعارض الخارجية لمصر وأكثرها نجاحًا وتكلفة فى الوقت نفسه، «الآن صار الجناح مقرا دائما للثقافة المصرية بالصين ونعمل دومًا على تنوع فعالياته».
السينما الصينية.. الأكشن وليس الكونغ فو
مع ظهور النعاس في عينيه أضفت سؤالًا أخيرًا "ماذا عن السينما الصينية. لماذا لا يظهر الممثلين الصينيين إلا في هوليود بينما استطاعت الهند بعد عقود الاستقلال عن السينما الأمريكية وصناعة بوليود؟"، قال إنه في الداخل تجد السينما الصينية مُتحققة جدًا، لكنها بالنسبة للعروض الدولية غير منتشرة لأنها غارقة في العالم المحلي "صينية أكثر من اللازم" حسب قوله، والهوية السينمائية في العالم حددتها السينما الأمريكية في السبعينات، 
الآن الصين تحاول تقدم أفلام وموضوعات مختلفة، تتناول في الكثير منها علاقة الصين بالعالم، فمهرجان القاهرة السينمائي في دورته المُقبلة سيُعرض فيه فيلم صيني هو "مهمة في البحر الأحمر" والذي يحكي عن فرقة من البحرية الصينية ذهبت في مهمة لتحرير مجموعة من مواطنيهم المختطفين في الصومال من قبل جماعة مسلحة، وفي العام الماضي عرض فيلم "حرب الذئاب 2"، والذي يحكي عن حدوث انقلاب في دولة أفريقية، والمسلحون هناك احتجزوا مجموعة من الرهائن الصينيين وتم إرسال فرقة خاصة لتحريرهم، وقبلهما فيلم آخر يحكي عن نزاع محدود على حدودها وإرسالها لقوة أخرى؛ الصين في الوقت نفسه تُبرز قدراتها من خلال القوى السينمائية الناعمة، فتُنتج أفلام تصلح للسينما العالمية، وبعيدة عن "الأكشن" الصيني التقليدي الذي اعتاده الناس منذ بروس لي -الذي بالمناسبة كان من هونج كونج فهو ليس شخصية صينية صرفة- بل هو بالشكل المُعاصر "بالمناسبة فإن فيلم The Meg للممثل الأمريكي الشهير جيسون ستاثام هو استثمار صيني وتم تصويره في سان يانغ الصين، الآن تسعى للانتشار والمشاركة في كل المهرجانات، فنجد ممثلين صينيين في مهرجانات القاهرة وشرم الشيخ وأسوان لسينما المرأة، وفي كل المهرجانات في العالم، لكن كان عليهم في البداية دخول اللعبة بالقواعد التي صنعتها أمريكا.