الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

صراع فرنسي إيطالي على "الكعكة الليبية".. "ماكرون" يقود الوساطة بين "حفتر" و"السراج»".. ويسعى لاستعادة الدور المفقود في مناطق المستعمرات القديمة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظهرت الخلافات والتباينات فى المواقف الفرنسية الإيطالية فى الأزمة الليبية بشكلٍ واضح؛ حيث اعتبرت روما أن ليبيا تمثل مناطق نفوذ استراتيجى لها منذ الحقبة الكولنيالية، وترى أن فرنسا تزاحمها فى مناطق نفوذها التقليدي.
ويرتبط الصراع الفرنسى الإيطالى فى الأساس بمصالحهم فى ليبيا، وهو ما يعيدنا إلى حقبة المنافسة بين القوى الأوروبية فى القرن التاسع عشر، الساعية للهيمنة على الموارد الاقتصادية لهذه الدول.
ونتناول فى هذا التقرير المواقف الفرنسية الإيطالية تجاه الأزمة الليبية، خاصة فيما يتعلق بموقفهم من الانتخابات، والجوانب الاقتصادية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

الموقف الفرنسي
بعد سقوط نظام معمر القذافى، تولت فرنسا مسئولية السياسة الأوروبية المتعلقة بليبيا، وعلى رأسها تدخل حلف شمال الأطلسى لحسم الصراع فى ليبيا.
وقاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، جهودًا للوساطة بين الأطراف الليبية؛ حيث توصل الفرنسيون إلى اتفاق بين حكومة فايز السراج المعترف بها دوليًا، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى الليبي.
وأكد الاتفاق بين الفرقاء الليبيين على ضرورة حل الأزمة الليبية بالطرق السلمية، والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية، والتجهيز لإعادة بناء المؤسسات لاستعادة الاستقرار السياسى خاصة فى ضوء ما تشهده ليبيا من تنامٍ للتنظيمات الإرهابية، وموجات الهجرة غير الشرعية التى تهدد الضفة الشمالية للمتوسط. ويعتبر الموقف الفرنسى تجاه ليبيا نابعًا بالأساس من المصالح الفرنسية داخل ليبيا، والتى تتمثل فى تحقيق الاستقرار، والتغلب على الإرهاب؛ حيث تسعى فرنسا لاستعادة الاستقرار المفقود فى مناطق النفوذ الفرنسى منذ سقوط حكم «القذافى» عام ٢٠١١.
وانعكس عدم الاستقرار الليبى على الاستقرار السياسى فى مناطق النفوذ التقليدى الفرنسى فى مناطق الساحل والصحراء؛ حيث تشير التقارير الغربية إلى أن معظم مرتكبى الهجمات الإرهابية الكبيرة فى عام ٢٠١٥ أمضوا بعض الوقت فى ليبيا، وحصلوا على الأسلحة والتدريب هناك.
وتجدر الإشارة إلى أن ضعف السيطرة على الحدود الممتدة مع ليبيا لأكثر من ٤٥٠٠ كيلو متر أسهم بشكلٍ كبيرٍ فى تسهيل نقل الأسلحة بين الحدود.
وتعتبر فرنسا، التى عانت خلال العامين الماضيين خطر تمدد العمليات الإرهابية إلى داخلها، أن إغراق المنطقة بالسلاح أدى إلى تعزيز قوة الجماعات المتطرفة وصعود الدولة الإسلامية فى منطقة الصحراء الكبرى، كما أدى إلى استخدام جماعة «بوكو حرام» الأراضى الليبية فى تهريب الأسلحة، بل واعتبرت ليبيا حديقة خلفية لأنشطة التنظيم الإرهابية.
كما تطمح باريس إلى استعادة دورها فى أفريقيا؛ حيث حمل الرئيس «ماكرون» فى أجندته السياسية فى الانتخابات الرئاسية، خطة لاستعادة الدور الفرنسى المفقود فى مناطق المستعمرات القديمة خاصة فى أفريقيا، وبرزت أهمية ليبيا نتيجة لمتاخمتها المستعمرات الفرنسية القديمة مثل: تونس وتشاد والجزائر والنيجر.
وتعمل فرنسا على مجابهة الهجرة غير الشرعية، وتعانى دول أوروبا من أحداث العنف التى ضربت مناطق الضفة الجنوبية للمتوسط؛ حيث أسهم عدم الاستقرار السياسى والأمنى إلى وصول موجات كبيرة من الهجرة غير الشرعية تجاه الدول الأوربية المتاخمة للمتوسط، وهو ما كان يهدد عملية الاستقرار داخل الاتحاد الأوروبي.
وتشير التقارير إلى أن ليبيا تمثل نقطة انطلاق مهمة فى خريطة الهجرة غير الشرعية؛ حيث إنها كانت مقصدًا للعمل من قبل رعايا الدول الأفريقية الفقيرة؛ حيث كان يعتبرها العمال الأفارقة محطة لجمع الأموال لدفعها إلى المهربين، وتنامت موجات الهجرة غير الشرعية فى ضوء عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى ليبيا بعد عام ٢٠١١.
ومن الأهداف الفرنسية أيضا فى ليبيا تحقيق مكاسب اقتصادية؛ حيث تطمح باريس من خلال شركاتها ومؤسساتها لتحقيق مكاسب اقتصادية من تدخلاتها فى ليبيا؛ وتنظر فرنسا إلى مرحلة ما بعد الحرب التى ستتضمن إعادة بناء الجيش الليبى بعد إجراء الانتخابات، فضلًا عن مشاريع البنية التحتية التى سيتم طرحها فى مرحلة إعادة إعمار ليبيا.

الموقف الإيطالي
بدأت المصالح الإيطالية فى ليبيا مبكرًا بدءًا من الحقبة الاستعمارية، وصولًا إلى ضمان روما لصفقات الغاز الطبيعي، والتنقيب عن البترول فى ليبيا فى عهد العقيد معمر القذافى، وتجاوزت الصفقات الليبية الإيطالية فى ذلك الوقت حد الخمسة مليارات دولار.
وعلى صعيد آخر، لعبت روما دورًا إيجابيًا فى إعادة ليبيا فى عهد «القذافى» إلى الحاضنة الدولية؛ حيث ضمنت سلوك النظام السياسى الليبي، وهو ما أتاح لها الظفر بصفقات الطاقة والبنية التحتية الليبية.
وتعد طرابلس المجال الحيوي والعمق الاستراتيجي لروما، ورمزًا لإحياء إمبراطوريتها الرومانية في جنوب البحر المتوسط، وتسعى إيطاليا إلى إعادة التموضع والانتشار فى منطقة المتوسط، خاصةً فى ظل تداعيات الثورات العربية وانعكاساتها السلبية عليها.
وارتبط الموقف الإيطالى من تطورات الأزمة الليبية، بصعود حكومة اليمين في روما، وتتشابك المصالح الإيطالية فى ليبيا بين عقد الصفقات والمصالح الاقتصادية، إضافة إلى قضية منع تدفقات المهاجرين غير الشرعيين نحو السواحل الإيطالية عبر البحر.
وتعمل روما على منع وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الإيطالية؛ حيث بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا نحو ٤٩١ ألف مهاجر عام ٢٠١٧.
لذلك اعتمد اليمين المتطرف فى حملته الانتخابية على توظيف هذه القضية التي أثارت الداخل الإيطالي، خاصة مع ارتفاع نسب طلبات اللجوء منذ تدهور الأوضاع الأمنية فى الضفة الجنوبية للمتوسط عام ٢٠١١.
لذا عملت حكومة اليمين فور تشكيلها على منع وصول المهاجرين الأفارقة إلى السواحل الإيطالية، وفى هذا السياق، تعد مناطق الغرب الليبي من أكثر المناطق تصديرًا للمهاجرين؛ حيث يُبحر المهاجرون الأفارقة نحو إيطاليا وأوروبا عبر ليبيا بعد قطع طريق شرق المتوسط الذي يمر بتركيا. ويبرر ذلك حرص الحكومة الإيطالية على إقامة علاقات دبلوماسية مع مناطق الغرب الليبي؛ حيث تدرك إيطاليا حاجتها الضرورية فى وقف تدفقات المهاجرين.
كما تعمل إيطاليا على تعظيم المصالح الاقتصادية خاصة فى مجال الطاقة؛ حيث تمتلك علاقات قوية مع مناطق الغرب الليبي، خاصة فى مجال الطاقة؛ وتعمل شركة «إينى» الإيطالية بالتنسيق مع شركة النفط الوطنية الخاضعة لحكومة السراج.
وتعمل روما على تحقيق المصالحة الشاملة كشرط للانتخابات، وترفض إجراء الانتخابات بشكلٍ متسرع فى ليبيا قبل تحقيق مصالحة شاملة بين الأطراف كافة، وبالتالى ترهن الانتخابات بتحقيق هذه المصالحة. وتعتبر إيطاليا أن وصول الليبيين إلى إجراء انتخابات متسرعة دون حلٍ للخلافات السياسية سيُدخل طرابلس وضواحيها فى دوامة من العنف، وهو ما من شأنه أن يقوض مصالح إيطاليا الضرورية فى ليبيا. وتحذر إيطاليا من تكرار نموذج العراق الذى هرول بعد سقوط نظام «صدام حسين» نحو الانتخابات.
وانعكس التنافس الإيطالى الفرنسى على تحولات جذرية فى ليبيا، خاصة فى المجال الأمنى وتعزيز المواجهة العسكرية بين مناطق الشرق (المدعوم فرنسيًا)، والغرب (المدعوم إيطاليًا).