الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"لندن" تلجأ إلى "برلين" لمعالجة أزمات ما بعد الانسحاب.. اتفاقية دفاعية بين بريطانيا وألمانيا لتعزيز التعاون في بناء القدرات العسكرية ومكافحة الإرهاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواجه المملكة المتحدة عددًا من التحديات التى تكاد تعصف بأمنها واستقرارها الإقليمي، مع اقتراب موعد الخروج من الاتحاد الأوروبى فى مارس ٢٠١٩، نتيجة عدم التوصل إلى تسوية سلمية تحدد نمط العلاقة المستقبلية بين الجانبين. لذا فقد بدأت الحكومة البريطانية برئاسة «تيريزا ماي» إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول الأوروبية، وخاصة فى مجال الدفاع والأمن الأوروبي.

كانت ألمانيا فى مقدمة الدول الأوروبية التى سعت لندن إلى توثيق علاقاتها معها من خلال إبرام اتفاقية تعرف باسم «الرؤية المشتركة» لتعزيز التعاون فى بناء القدرات العسكرية، ومكافحة الإرهاب بين وزيرة الدفاع الألمانية «أورسولا فون دير لاير» ونظيرها البريطانى «غافين ويليامسون».
كما انطوت الاتفاقية على توثيق التعاون بشأن تدريب الأطقم الجوية؛ حيث يستخدم الجانبان طائرات يوروفايتر وتايفون وتورناو- والخطط المشتركة لتوسيع قدرات زرع الجسور البرمائية كتلك التى تم توضيحها خلال الزيارة إلى «ميندين».
جاء الاتفاق بعد أسبوع من تأكيد بريطانيا بقاء قواتها المتمركزة فى برلين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، لدعم البنية التحتية والأصول الحيوية الأخرى لـ«الناتو»، مثل وحدة عبور النهر المشتركة فى «ميندين»، إحدى أقوى أوراق الحكومة البريطانية فى مفاوضات الخروج؛ حيث تتوقع لندن أن تلعب دورًا مركزيًا فى الأمن الأوروبى بعد أن تغادر الاتحاد، بصفتها الدولة التى تتمتع بأعلى معدلات الدفاع فى الاتحاد الأوروبي.
وعليه؛ سيبقى حوالى ١٨٥ من أفراد الجيش البريطانى و٦٠ من مواطنى وزارة الدفاع فى ألمانيا، وسيتمركز أفراد الجيش بشكل دائم فى منطقة تدريب سنيلاجير، التى تبلغ مساحتها ٤٥ ميلًا مربعًا، التى توفر للقوات البريطانية وقوات حلف شمال الأطلسى (الناتو) منطقة تدريب واسعة النطاق لإطلاق النار.

دلالات اتفاقية «الرؤية المشتركة»
تمثل الاتفاقية رسالة مهمة لتوثيق العلاقات بين البلدين فى مجال الدفاع فى سياق الاستعداد البريطانى للخروج من الاتحاد الأوروبى، كما أنه يحمل عددًا من الدلالات على النحو التالي:
١- تبادل المنافع؛ يسعى البلدان إلى الاستفادة من قدرات بعضهما البعض؛ حيث تمتلك لندن قدرات استخباراتية وأمنية وعسكرية تحمى أمنها القومى بل والأمن الأوروبي. فى المقابل تمثل هذه الاتفاقية لـ«برلين» خطوة جديدة فى سياق إعادة تأهيل جيشها الوطنى الذى يعانى مجموعة من التحديات.
٢- إظهار جبهة مشتركة للأمن الأوروبي؛ يسهم البلدان فى توحيد جهودهما فى مجال الأمن والدفاع، بالإضافة إلى زيادة فرص التعاون فى هذا المجال فى المستقبل كونهما من أعضاء حلف شمال الأطلسى «الناتو»، ومنظمة الشرطة الأوروبية «اليوروبول». بجانب هذا تقود بريطانيا عملية نشر جديدة لـ«الناتو» فى استونيا، وألمانيا تقود واحدة فى ليتوانيا.
٣- المهادنة البريطانية؛ ترغب «ماي» فى كسب ود القيادة السياسية الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بمفاوضات الخروج من الاتحاد التى تواجه موقفًا صارمًا من قبل ألمانيا وفرنسا الضامن التقليدى للأمن الأوروبي. لذا تسعى «ماي» إلى تأكيد مساهمة بريطانيا فى الأمن الأوروبى للحصول على حسن نوايا بين شركائها الأوروبيين الـ٢٧، وسط مخاوف من أن مفاوضات قد تكون صعبة للغاية وربما تنهار.
٤- مكافحة الإرهاب؛ لا يزال الإرهاب يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي، ومن المتوقع أن تتعرض العواصم الأوروبية لبعض الهجمات الإرهابية فى المستقبل، لذا يرغب الطرفان فى التصدى لظاهرة الإرهاب العابر للحدود الذى تعانيه دول الاتحاد الأوروبي.

دوافع التقارب البريطانى الألمانى
بالرغم من كون ألمانيا من أول الدول التى اتخذت موقفًا حادًا من البريكست، لأنها ستتأثر من الناحية الاقتصادية والأمنية إلا أن المصلحة الأوروبية اقتضت تقارب وجهات النظر بين البلدين، وعليه فقد تمثلت أبرز الدوافع على النحو التالي:
١- تراجع الدعم الأمريكي؛ تهديد الإدارة الأمريكية منذ وصول «دونالد ترامب» للساسة الأوروبيين بكونه سيتراجع عن حماية وضمان استقرار الأوضاع الداخلية الأوروبية، مع انتقاده لبعض الدول مثل ألمانيا لكى تزيد من معدلات الإنفاق الخاصة بالدفاع والأمن.
٢- التصدى لموسكو؛ ترغب الدولتان فى توثيق العلاقات الدفاعية لتصدى للقدرات الدفاعية الروسية التى أصبحت تهدد الأمن الأوروبى من وجهة نظرهم، خاصة فى سياق تنامى الاتهامات الأوروبية لموسكو بمحاولات التجسس واعتراض عمليات نقل الأقمار الصناعية فى الفضاء، علاوة على اتهامها من قبل هولندا بمحاولة شن هجمات إلكترونية على عدد من المؤسسات الدولية.
٣- تراجع التشدد البريطاني؛ انتهجت بريطانيا سياسة صارمة تجاه أى مقترح لتعزيز الأمن الأوروبى خارج سياق «الناتو»، إلا أن الأوضاع قد تغيرت بشكل ملحوظ مع دخول بريطانيا فى مفاوضات الخروج؛ حيث أعلن الاتحاد الأوروبى عن مقترح لإنشاء جيش أوروبى موحد، قائم على المقدرات الأوروبية دون أن يتعارض مع مهام حلف «الناتو»، دون اعتراض من بريطانيا.
٤- تنامى النزاعات فى الشرق الأوسط؛ أسفرت الأوضاع غير المستقرة فى المنطقة إلى تزايد موجات الهجرة واللجوء إلى الدول الأوروبية، وكانت ألمانيا محط أنظار العدد الأكبر منهم، فضلًا عن تعرضهم لبعض الهجمات الإرهابية.
لذا؛ فقد فرضت هذه الدوافع على الأوروبيين الدفاع عن أراضيهم فى وقت واحد وإدارة أزماتهم الداخلية، تفاديًا للتداعيات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد، لكونها أقوى قوة عسكرية نووية أوروبية فى الناتو.

جدلية الأمن الأوروبى
منذ التصويت على البريكست، التزمت حكومات الاتحاد الـ ٢٧ المتبقية بتحسين أداء سياسات الاتحاد الأوروبى الأمنية والدفاعية. كما حاولت بعض الدول اقتراح مبادرات خاصة بتعزيز التعاون فى سياق الاتحاد الأوروبى، خاصة أن لندن لن تعيق هذه التحركات مرة ثانية، ولن تستخدم حق النقض ضد أى تشكيل عسكرى أوروبي.
وفى هذا الصدد لا بد من التأكيد على نقطة مهمة، وهو الصراع الدائم بين بريطانيا الحليف الاستراتيجى للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا الضامن التقليدى للأمن الأوروبى وألمانيا الشريك الأوروبى القوى الذى يعانى بعض التحديات الخاصة فى قواتها العسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وفى هذا السياق؛ وبموافقة المملكة المتحدة (التى تحتفظ بحق النقض حتى تغادر الاتحاد)، على خطط تطوير القدرات الدفاعية، والتخطيط العملياتي، والبحوث العسكرية فى قمة ١٥ ديسمبر ٢٠١٦. إلا أن هناك اختلافًا فى الثقافة الاستراتيجية بين فرنسا وألمانيا، بالرغم من توافقهما حول إدارة ملف الدفاع والأمن الأوروبي.
فى المقابل، ترى فرنسا نفسها الضامن التقليدى بصفتها عضوا دائما فى مجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة، ومن الدول النووية الكبرى لذا فهى مستعدة للتصرف من جانب واحد إذا لزم الأمر؛ حيث تنظر باريس إلى العمل العسكرى عبر الاتحاد الأوروبى كخيار مهم للأمن الأوروبى فى وقت الأزمات.
وعليه؛ تكمن المشكلة بالنسبة لفرنسا فى أنها ظلت عالقة فى وسط تردد ألمانيا فى استخدام القوة العسكرية القوية فى الخارج، وممانع المملكة المتحدة فى التحرك عسكريا عبر الاتحاد الأوروبي.