الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"محاربة الإرهاب".. خطة أمريكا لاختراق غرب أفريقيا.. "البنتاجون" يلجأ إلى النيجر للسيطرة على تضاريس جبالها.. وخبراء: واشنطن تعتبرها أمنًا قوميًا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لسنوات طويلة حاولت أمريكا وضع العديد من السيناريوهات للتعامل مع استراتيجية محاربة الإرهاب خاصة مع شركائها المحليين من حكومات وجيوش الدول الأخرى، التى تتعاون معها لمواجهة الظاهرة على أراضيها، مع قيام القوات الأمريكية بدور قتالى محدود، حيث يركز «البنتاجون» على تقديم المعلومات والدعم للقوات الصديقة لمحاربة الجماعات الإرهابية فى مناطق القتال.



وحسب محللين فإن مضامين الرؤية الأمريكية لمزاعم محاربتها للإرهاب بدأت فى التمحور حول التعاون المحدود مع الشركاء لمواجهة الظاهرة، وفى نفس الوقت صناعتها للظاهرة واستغلالها إياها فى تحقيق مآرب وغايات أخرى فى الشرق الأوسط فى الفترة الماضية.
وفى ذات السياق، لم تأتِ الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب فى غرب أفريقيا بجديد فى هذه المسألة، فما أعلنه «البنتاجون»، من إرسال عددٍ من جنوده إلى دولة النيجر بحجة مكافحة الإرهاب مؤخرًا، لتنضم إلى خطة أمريكا للانتشار فى وسط أفريقيا يعزز، ويؤكد ذات المسألة.
و تشكل النيجر فى وسط أفريقيا ممرًا صحراويًّا يستخدمه المتشددون لمواجهة السلطات المحلية والأجنبية، وإحداث فوضى أمنية فى تلك المنطقة التى تشكل أهمية استراتيجية لأمن الولايات المتحدة القومى ولغيرها من القوى الأخرى، يستهدف هذا التحليل فهم وتحديد غايات وأهداف واشنطن المعلنة وغير المعلنة فى سياق هذا التطور، الذى يُنبأ عن موجة جديدة من استغلالها لذريعة الإرهاب فى التمدد والانتشار مجددًا فى القارة الأفريقية فى الفترة المقبلة.
من جانبها كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، فى الإثنين ١٧ سبتمبر الماضى، عن تحول «نيامي» إلى مركز دولى لمكافحة التنظيمات الإرهابية وصد موجات الهجرة غير الشرعية فى أفريقيا، ولأجل تنفيذ هذا الغرض تدفقت مليارات الدولارات من أوروبا والولايات المتحدة إلى النيجر، إضافة إلى الدعم المالى تعهد كل من الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، والمستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» بتعزيز شراكة بلادهم الاقتصادية والاستثمارية مع نيامى.


ودشنت الدول الغربية إلى جانب الدعم الاقتصادى تسعة قواعد عسكرية فى النيجر، فمؤخرًا أوشكت واشنطن على الانتهاء من قاعدة جوية كبيرة فى «أغادير»، فى الوقت الذى تسير طائرات بدون طيار مسلحة من مدرج طائرات على أطراف بلدة «ديركو» لاستهداف إرهابيين ينتمون إلى تنظيمى «القاعدة» و«داعش» متمركزين فى مالى وليبيا. وظل الوجود الأمريكى فى النيجر فى طى الكتمان حتى أكتوبر ٢٠١٥ وفقًا لما عبرت عنه مجلة «الفورين بوليسي» عندما أعلن الجيش الأمريكى مقتل ٤ من قواته العاملة فى صحراء النيجر القاحلة أثناء جولة استطلاعية فى قرية «تونجو تونجو» الحدودية مع مالى.
وأزاحت حادثة مقتل الجنود الأمريكيين النقاب عن الوجود الأمريكى فى النيجر الذى دام قرابة عقدين من الزمن، وكان له دور فى لجم التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل والصحراء بعض الشيء خاصة فى مالى.
كما نجحت الولايات المتحدة فى استغلال البعد الجيوسياسى للنيجر الذى يستغله أيضًا الإرهابيون للانطلاق نحو تنفيذ نشاطاتهم الإرهابية، لذا أصبح الوجود الأمريكى فى النيجر من أولويات الأمن القومى الأمريكى فى منطقة الساحل القائم على محاربة التنظيمات أولًا وتدعيم العلاقات الأمريكية بدول المنطقة ثانيًا لتأمين مصالحها الحيوية.


وفى هذا الإطار، وقعت الولايات المتحدة والنيجر اتفاقية فى يناير ٢٠١٥ لتنظيم وجود القوات الأمريكية فى النيجر، فضلًا عن إرسال طائرات استطلاع لدعم المهام الأمنية الإقليمية فى محاربة الإرهاب، وتحسين المعلومات الاستخباراتية الخاصة ببوكو حرام والتنظيمات الإرهابية المنتشرة فى منطقة الساحل كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
٢ـ دوافع وأهداف الوجود الأمريكى:
تتسم الاستراتيجية الأمريكية بأنها استراتيجية عالمية شاملة، إلا أن بعض المناطق تشكل لها مجالًا حيويًّا لما تتميز به من أبعاد جيوسياسية واقتصادية وهو ما تجلى فى منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، الأمر الذى دفع الولايات المتحدة لنشر ما لا يقل عن ٦ آلاف جندى أمريكى فى أفريقيا متمركزين أغلبهم فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وتحظى النيجر لوحدها بقوام ٩٠٠ جندى، ويعود الاهتمام الأمريكى بمنطقة الساحل والصحراء للأسباب التالية:
- تأمين مصادر النفط: يحتل ضمان حماية وتدفق النفط الأفريقى صدارة الأولويات الأمريكية بمنطقة غرب أفريقيا، فالخطة القومية للطاقة الصادرة فى عهد الرئيس الأمريكى جورج بوش أكدت أن منطقة غرب أفريقيا هى المصدر الأسرع تطورًا للنفط والغاز فى العالم.
تعزيز المصالح الاقتصادية: تستهدف الشركات الأمريكية استغلال الوجود العسكرى فى النيجر للوصول إلى مناجم اليورانيوم، حيث تشكل صادرات اليورانيوم حوالى ٧٢٪ من حصيلة صادرات النيجر.
محاصرة النفوذ الأوروبي: يشكل محور الخطة الأمريكية للسيطرة ومنافسة النفوذ السياسى والاقتصادى الأوروبى فى القارة من خلال زيادة الصادرات والاستثمارات الموجهة إليها.
- تحجيم الدور الصينى المتنامى فى القارة ذلك الدور الذى شكل إحدى زوايا الرؤية الأمريكية حيال استراتيجيتها هناك، ففى السادس من شهر ديسمبر ٢٠٠٥ أصدر مجلس العلاقات الخارجية تقريرًا حذر فيه الولايات المتحدة من مواجهة منافسة ضارية من الصين على إمدادات النفط من إفريقيا، داعيًا واشنطن إلى انتهاج أسلوب استراتيجى تجاه القارة باستثمار المزيد من الموارد هناك. مع تعزيز الوجود العسكرى فى الصحراء: تركز العسكرية الأمريكية على بلدين أفريقيين غالبية سكانهما مسلمون هما جيبوتى والنيجر، فالوجود العسكرى فى النيجر يجعل من الولايات المتحدة شرطى المنطقة الذى يراقب الأوضاع سواء فى منطقة الساحل أو غرب أفريقيا.


وختامًا؛ يمكن القول إن الولايات المتحدة زحزحت وجودها العسكرى فى أفريقيا من مسألة تقديم الدعم اللوجستى والاستخبارى إلى الشركاء الإقليميين والدوليين العاملين فى أفريقيا، إلى التفاعل بشكل رسمى مع الأحداث الجارية فى أفريقيا خاصة منطقة الساحل والصحراء، وهو ما كشف عنه هجوم ٤ أكتوبر الذى أدى إلى مصرع ٤ من الجنود الأمريكيين، ومؤخرًا قام الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بإعادة هيكلة الوجود العسكرى الأمريكى فى أفريقيا ليمتلك زمام المبادرة فى التدخل فى المناطق الملتهبة دون الاعتماد على بعض القوى الإقليمية والدولية، أى أن أمريكا انتقلت من سياسة التدخل بالوكالة إلى التدخل المباشر.