الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحقيقة المطلقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أؤمن بأن التدين بمفهومه المتداول يحقق ما يكفى لأى إنسان من أجل دخول الجنة ورضاء السماء عنه، بل أؤمن بالاعتراف بالله وخشيته فى السر، باحترام معتقدات الآخرين وتقديرها وفسح المجال لها لتكون على الساحة، لأنى أؤمن بعدم وجود معتقد ثابت يحمل الحقيقة المطلقة ويكَفِّر كل ما يتعارض معه، أؤمن بحرية التفكير لا بحرية التكفير، أؤمن برسخ وجود الإله فى القلب ليتمكن كل الناس من معرفة أنهم ضعفاء وإلى الفناء، فلا يجرأ أحد على ظلم غيره أو على احتقار من هو أقل منه، ومع وجود المعاصى يرجع كل شخص إلى ربه ليعيد حساباته.
كل إنسان يعتقد أنه يعرف الإجابة؛ فإذا سألت أى شخص دون معرفة هويته مسبقًا، هل تعتقد أن دينك هو الدين الوحيد الحق، فالإجابة ستكون نعم، وكذلك ستكون إجابة شخص آخر من دين مختلف، فهل حان الوقت لندع الدين للخالق ونتوقف عن محاكمة الآخرين بأنهم سيدخلون النار ونحن فقط الناجون، آيًا كانت اعتقاداتنا؟
إذا سألت شخصًا: هل أنت مؤمن بأن عاداتك وتقاليدك وحدودك التى وضعتها لنفسك أو وضعها لك مجتمعك هى الوحيدة التى تصلح ليعيش الإنسان حياة صحية؟ ستكون الإجابة بالطبع نعم، بينما أنت من تسأل تعيش بطريقة مختلفة تمامًا تناسب تقاليدك ومن يعيشون حولك وتعتقد أيضًا أنها الوحيدة الصالحة. إذا تبنيت أفكار سياسية معينة، فستعتقد تمامًا أنها الأكثر ملاءمة لتحسين أوضاع بلدك بينما يعتقد آخرون أنها فاشلة.. هل فكرت قبل ذلك بأن كل شىء على وجه الأرض صحيح وخاطئ فى نفس الوقت؟ هل فكرت قبل ذلك أن لا داعى لأن تتطرف لأى فكرة أو معتقد تملكه لعدم وجود ما يجزم مدى صحته مهما اقتنعت به أنت؟ هل فكرت قبل ذلك أن تتفتح قليلًا؟
لكل إنسان اعتقاد دينى أو غير دينى مستند إلى حقائق وأفكار يستند إليها هذا الشخص فى الدفاع عن هذا المعتقد، فطالما يوجد احتمال بطلان هذه الأفكار والمعتقدات بالنسبة إلى شخص آخر يعترض عليها ويسند حقائق أخرى ليثبت مدى صحة معتقداته هو لينفى الآخرين، فلماذا لا يعترف الناس باحتمال أى وجود خطأ فى معتقداتهم الشخصية، لا ليغيروها ولكن ليفتحوا عقولهم على معتقدات أخرى ويتقبلوها لوجودها ولرجاحة عقل من يؤمنوا بها.
أنا لا أؤمن بالتدين ولكنى أؤمن بوجود الله، وأيضا أؤمن أن الله وحده هو من يعرف ما هو صحيح وما هو خاطئ، ولكنه لا يعنينا فى التمكن من هذه المعرفة، لا لأنه خلقنا لنتصارع حول أفكارنا ولكن لأن كل فكرة راسخة فى أعماق كل منا تمثل جزءا من الحقيقة، فكلنا لسنا إلا أفكارا تحمل إثبات خطئها وصحتها فى آن واحد. لا يوجد شىء صحيح بإجماع كل من يعيشون على الأرض، ولا يوجد فى المقابل شىء خطأ بالإجماع أيضًا، فالصحيح والخطأ أشياء نسبية اعتمادًا على عقلية وظروف كل شخص حول العالم بغض النظر عن دينه، فليس هذا هو الموضوع، وبهذا نكمل بعضنا البعض فى إعمار الأرض سويًا كل منا فى ما يعرفه وما يؤمن به، وفى حالة احترام كل شخص لغيره من حاملى الأفكار لن يتعدى أحد أو يتطاول على ما يعتقده خطأ، ولن يشعر أحد بعدم الأمان لفكرة هيمنة معتقد واحد على مجتمع بأكمله، فكل منا يعمل فى تعاون هادفين إلى التوصل إلى الحقيقة المطلقة بتكوين صورة كاملة مجمعة لكل الأفكار وليس التمسك والتعصب إلى واحدة، إيمانًا بأن هذا هو الشىء الصحيح الوحيد على وجه الأرض!
ولهذا يجب على كل شخص احترام وتقدير معتقدات غيره مهما كانت مختلفة عنه إيجابًا أو سلبًا، فلن يظهر إنسان على وجه الأرض يحمل معتقدًا صحيحًا لأنه ليس الإله، هو ليس إلا إنسان يفكر ويؤمن بما توصل إليه من أفكار، فبحكمة الله لم يخلق لنا حقيقة مطلقة سوى وجوده، ولكنه خلق لنا عقلا يفكر لنتوصل به إلى حقائق نسبية، فإذا تركنا مجالا لعقولنا -التى جعلتنا نؤمن بالكامل بأشياء نعتقد فى صوابها رغم اختلاف الأغلبية عليها- لتنمو سوف نؤمن جميعًا باحتمال صحة وجود ما تختلف معه أفكارنا الشخصية واحتمال وجود الخطأ فى ما نعتقده نحن الحقيقة المطلقة! 
هذا هو رأيى الشخصى الذى أيضًا كغيره يحتمل الصواب والخطأ....