الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"رقية" تبيع الليمون في شوارع الدقي لتجمع ثمنًا للكفن.. وتقول: الستر في الموت

رقية
رقية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثياب بالية، ووجه شاحب، دموع فقر بريئة، حزن عميق، وضحكات البائسين ترسم على وجهها خريطة من الوجع، وكأنها تقول لا مفر من ضيق العيش سوى انتظار الموت على حافة الحياة، طاردها الفقر بين نجوع وقرى الجنوب، فحملت على كاهليها أطفالها ومعها زوجها، يهربون من أوجاع الضيق؛ قطار ينقل المئات مثلها، الحالمون بالهروب من مستنقع كساد العمل وقلة الحيلة.
٥٠ عامًا مضت على هذا المشهد، يمر من أمامها كأنه بالأمس، القطار يزدحم، تفترش أرضه فى ليلة، يقتل الصقيع العظام وينخر فى الأجساد حتى تُبلى، أكملوا رحلتهم حتى نزلوا من القطار، وعندما هموا بالتحرك، وجدوا الفقر قد سبقهما إلى المحروسة.
بعد خريفين رحل زوجها، كان عليها أن تكمل تربية أبنائها، لا تعود حيثما أتت، هنا فقر وفى الجنوب أشد فقرًا، الحاجة رقية صاحبة الـ٦٥ عامًا من أوجاع الماضى، وحزن الحاضر، ربت أبناءها حتى تزوجوا، وفى نهاية المطاف تعيش وحيدة على السطوح فى إحدى غرف منطقة بولاق، لا تحلم بعالم سعيد، ولا شقة، فقط تعمل ليل نهار، وهى تفترش تبيع الليمون فى شوارع الدقى بأن تجمع ثمنًا للكفن، فهى ترى أن الستر فى الموت لا فى الحياة، ترجو من الله أن يكملها بالصحة حتى لا تمد يدها ولا تسقط كالذين هزمهم الفقر فتوجهوا للتسول، فمهما يبلغ الفقر بالناس، ومهما يثقل عليهم البؤس، ومهما يسيء إليهم الضيق، فإن فى فطرتهم شيئًا من كرامة تحملهم على أن يجدوا حين يأكلون مما كسبت أيديهم لذة لا يجدونها حين يأكلون مما يساق إليهم دون أن يكسبوه أو يحتالوا فيه، هكذا يصف الأديب طه حسين النماذج التى تشبه الست رقية التى تختتم حديثها، قائلة: إن الفقر فى النفوس وليس فى الجيوب، وخير دليل لذلك أنها تركت الفقر فى الصعيد وجدته ينتظرها على محطة القطار فى رمسيس.