الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الديمقراطية الناعمة.. سيدات يحكمن في القارة السمراء.. البرلمان الإثيوبي ينتخب رئيسة للبلاد لأول مرة بعد تنصيب أخرى وزيرة للدفاع.. ورواندا تعتمد حكومة جديدة تقوم على نسبة كبيرة من السيدات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فيما وصفه العديد من المراقبين الغربيين، بالتحول نحو الديمقراطية، عقب تاريخ حافل من الانقلابات، تشهد «القارة السوداء» محاولات ومساع حثيثة، نحو تمكين المرأة، وهو ما ظهر واضحا، خلال الأيام الماضية، حيث اختار البرلمان الإثيوبي، الخميس الماضي، بالإجماع، الدبلوماسية المخضرمة، سهلى ورق زودي، ٦٨ عاما، لرئاسة البلاد، لتصبح بذلك أول امرأة، تشغل هذا المنصب الرئاسي، فى بلادها، بعد استقالة الرئيس ملاتو تشومي.
وسهلى زودي، هى رابع رئيس لإثيوبيا، منذ إقرار دستور ١٩٩٥، الذى ينص على انتخاب الرئيس لولايتين على الأكثر، كل منها ست سنوات، وبحسب وكالة الأنباء الإثيوبية، فإن «سهلي» حصلت على ٤٨٧ صوتا، من أصل نواب البرلمان الإثيوبى البالغ عدد نوابه ٥٤٦ نائبا.
حيث خدمت «سهلي» فى العديد من الدوائر الدبلوماسية، حيث شغلت سفيرة لبلادها فى فرنسا، وعملت ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس لدى الاتحاد الأفريقي، ورئيس مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقى على مستوى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، وفى عام ٢٠١١، تم تعيينها فى منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة فى نيروبى (UNON) من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، الأسبق، بان كى مون.
الأعوام والأشهر الأخيرة الماضية، شهدت أيضا، تمكن العديد من السيدات القياديات، من تقلد مناصب سياسية، تميزت بالطابع الذكورى فى العديد من الدول، بينهن «سيريمافو باندرانايكا» باعتبارها أول سيدة تتولى منصب وزير الدفاع فى العصر الحديث بسيريلانكا، و«نيرمالا سيتارمان» التى تقلدت منصب وزيرة الدفاع الهندية عام ٢٠١٧.
ولعل آخر تلك السيدات، اللاتى تمكن من تقلد ذلك المنصب؛ السيدة «عائشة محمد موسى»، التى تم تنصيبها كوزيرة للدفاع الإثيوبي، فى ١٦ من أكتوبر الجاري، فى مؤشر يعكس التحولات التى تخطوها دول القارة السوداء، نحو تحقيق تحول ديمقراطى شامل، بعدما هيمن العسكريون على مفاصل الدولة منذ ستينيات القرن الماضي.
وقبيل التطرق إلى مؤشر «تمكين المرأة»، لا بد من تسليط الضوء أولا على فترة ما بعد الاستقلال، التى شهدت انقلابات عسكرية متوالية، وتهميشا كبيرا للمدنيين، فيما يتعلق بتقلد المناصب السياسية.


أبعاد تمكين المرأة فى أفريقيا
رغم تعرض معظم الدول الأفريقية لمحاولات انقلابية، بل وازدياد وتيرتها خلال الفترة التى أعقبت الاستقلال، سواء كانت سلمية أو دموية، إلا أنه عقب انتهاء الحرب الباردة، أصبح هناك استعداد أفريقى نحو إحداث تحول ديمقراطي، لعل أبرز مؤشراته إتاحة الفرصة للنساء بتقلد مناصب حيوية فى عدد كبير من الدول الأفريقية، كان آخرها تمكن السيدة «عائشة محمد موسى» من تولى منصب وزيرة الدفاع الإثيوبية، خلال التجديد الوزارى لحكومة «أبى أحمد» فى أكتوبر ٢٠١٨، ويمكن الاستشهاد على تلك التحولات فى الأنظمة السياسية الأفريقية بالعديد من الظواهر أبرزها:


انتصارات نسائية فى حكومة «أبى أحمد»
تتواصل الإجراءات الإصلاحية التى يتخذها رئيس الوزراء الإثيوبى «أبى أحمد» منذ توليه منصبه خلال إبريل ٢٠١٧، فإلى جانب تمكنه من الخوض فى محاولات لترميم علاقات إثيوبيا بدول الجوار، كذلك نجاحه فى حلحلة ملف الخلافات «الإثيوبية ـ الإريترية»، تمكن أيضا من إحداث إصلاحات داخلية؛ لعل أبرزها إلغاء حالة الطوارئ المسيسة فى البلاد، ورفع الحظر عن مجموعات عرقية مسلحة، بهدف إتمام عملية تفاوضية من أجل إحلال السلم المجتمعي، إلى جانب الإفراج عن عدد كبير من السجناء والمعتقلين السياسيين، فى حين بدأ بوضع خطط فاعلة لترميم الهيكل الاقتصادي، فكان لتلك الإجراءات تأثيرها المباشر على شرعية «أبى أحمد»، بعدما أعيد انتخابه بأغلبية ١٧٦ صوتًا من أصل ١٧٧ على رأس الائتلاف الحاكم فى إثيوبيا فى مؤتمره الـ١١.
وكان التشكيل الحكومى الذى قام به عقب إعادة تجديد الثقة، هو الحدث الأبرز الذى حظى بردود فعل إقليمية ودولية إيجابية، حيث تم بمقتضاه اختيار ١٠ سيدات من إجمالى ٢٠ وزيرًا، أى ما يشكل نسبة ٥٠٪ من الحكومة، فى خطوة تنم عن وعى رئيس الحكومة بضرورة إحداث تكافؤ بين الجنسين.
فقد تم تقليد نساء فى مناصب وزارية دقيقة، وذلك بتولى «عائشة محمد» وزارة الدفاع، فى حين ستترأس «موفرات كميل» وزارة السلام المستحدثة والمعنية بالإشراف على الشرطة الاتحادية، وأجهزة المخابرات، إلى جانب دورها فى الفصل بين النزاعات العرقية، بينما تهيمن الأخريات على وزارات التجارة والنقل والعمل، وكذلك الثقافة والعلوم والإيرادات.
وبالنظر إلى التشكيل الوزارى عموما؛ نجده يعكس تطلعا حقيقيا نحو تمثيل كل العرقيات، فوزيرة الدفاع «عائشة بن محمد» تأتى من منطقة عقار ذات الأغلبية المسلمة، فى حين يأتى وزير المالية «أحمد شايد» من المنطقة الصومالية، التى شهدت تهميشًا كبيرًا على مدار سنوات عدة، بينما تم توزيع باقى المناصب بحسب النسبة التى تشكلها كل عرقية مع مراعاة التكافؤ النوعى فى توزيع المناصب.
وشدد رئيس الحكومة «أبى أحمد» أثناء عملية المصادقة على أهمية الاعتماد على العنصر النسوي، نظرًا لكونهن أقل فسادًا، وينبغى الاعتماد عليهن لدفع عجلة النمو، مؤكدًا فى الوقت ذاته على أن الديمقراطية تشكل قضية وجودية لإثيوبيا، وعلى ضرورة التعايش السلمى، والعمل على صهر كافة طوائف المجتمع داخل بوتقة واحدة، ولعل أهم ما يميز حكومة «أبى أحمد» عن غيرها، حرصها الشديد على تفعيل آلية التمثيل النسبي، بخلاف الحكومات السابقة التى حرصت على تبنى سياسات حشد عرقى كوسيلة للوصول إلى السلطة والحفاظ على المناصب السياسية.


محاكاة رواندية للتجربة الإثيوبية
بعد يومين من التعديلات الوزارية الإثيوبية، أقدمت رواندا على الأمر ذاته، حيث اعتمدت حكومة جديدة تقوم على المناصفة، تم خلالها تكليف عدة نساء بمناصب وزارية حساسة، فى حين حصل العنصر النسائى على نسبة ٦١٪ من المقاعد البرلمانية، ومشاركته بشكل فاعل فى صناعة القرار السياسي، كما شدد الرئيس الرواندى على ضرورة مشاركة عدد كبير من النساء فى صناعة القرار، للقضاء على فكرة التمييز بين الجنسين، وحظيت تلك الخطوة بقبول، حيث أشادت مفوضية الاتحاد الأفريقى بتعيين حكومة المناصفة، معتبرة أن هذا القرار يعكس التزام الدولة بتمكين المرأة، لاسيما فى ظل حصول رواندا على المركز الرابع فيما يخص إجراءاتها المتخذة المتعلقة بتمكين المرأة.


السنغال.. نموذج للديمقراطيات الناشئة
تمثل دولة السنغال نموذجًا حيا للديمقراطيات الناشئة فى غرب أفريقيا، ولعل نواة هذا التغير بدأت منذ تشكيل الحكومة السنغالية عام ٢٠١٠، حيث تم خلالها تقليد تسع نساء حقائب وزارية بعدما تم إقرار قانون لتحقيق المساواة بين الجنسين فى الهيئات المنتخبة عام ٢٠٠٩، بينما احتلت النساء فى الحكومة التالية لها ست حقائب وزراية، فى حين عكس التشكيل الوزارى الجديد الذى تم الإعلان عنه عام ٢٠١٧ عن وجود ثمانية مقاعد للنساء من أصل ٣٩، وتضمنت التشكيلة الحكومية وزارات حيوية؛ منها وزارة التشغيل، ووزارة الاقتصاد والتمويل، ووزارة النقل الجوى والبنى التحتية.
ورغم الصدى الإيجابى الذى لاقته خطوة تولى «عائشة محمد موسى» حقيبة الدفاع فى إثيوبيا، إلا أنها لم تكن المرة الأولى، حيث تشغل حاليًا «رايشيل أومامو» منصب وزير الدفاع فى كينيا، بينما أقبلت على تلك الخطوة دول أخرى كجنوب أفريقيا، وغينيا بيساو والرأس الأخضر ومدغشقر وساو تومى وبرينسيب، وهو ما يبشر باستجابة حقيقية لما سبق ونوه إليه الاتحاد الأفريقى فى إحدى ملاحظاته عام ٢٠٠٨، عندما أشار إلى أن تمكين المرأة هو الآلية التى يمكن خلالها مكافحة الفقر، وممارسات العنف ضد المرأة، وفكرة التميز الاجتماعى ككل، بل التمكن من تحقيق الأهداف الألفية الإنمائية المنصبة بالأساس على المساواة بين النوع الاجتماعي.