الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكلمة تزلزل أمة!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الكلمة» لها من الأهمية ما يجعلها ترفع أشخاصا أو تسقطهم، تبنى أمما أو تهدمها، تحقن دماء أو تهدرها.. فالكلمة شرف يرتبط لدينا فى المجتمع بالرجولة كمعنى قبل أن تكون مجرد نوع، وهو ما يعنى المروءة والالتزام بالعهد والوعد.. وقد تكون الكلمة شهادة حق توعّد الله من يكتمها.. ومن أجمل ما قيل فى وصف الكلمة وأهميتها، الحوار الذى دار بين الوليد (مروان بن الحكم) وسيدنا الحسين فى مسرحية «الحسين ثائرا» للمبدع/عبد الرحمن الشرقاوى، فيقول الوليد: نحن لا نطلب إلا كلمة.. فلتقل بايعت واذهب بسلام إلى جموع الفقراء.. فلتقلها واذهب يا ابن رسول الله حقنا للدماء.. فلتقلها ما أيسرها إن هى إلا كلمة.. يرد الحسين: كبرت كلمة.. وهل البيعة إلا كلمة.. وما دين المرء سوى كلمة.. وما شرف الله سوى كلمة.. فيقول ابن مروان بغلظة: فقل الكلمة واذهب عنا.. فيرد سيدنا الحسين قائلا: «أتعرف ما معنى الكلمة؟.. مفتاح الجنة فى كلمة.. دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة لو تعرف حرمة زاد مزخور.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري.. الكلمة فرقان بين نبى وبغي.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة.. عيسى ما كان سوى كلمة.. أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين.. فساروا يهدون العالم.. الكلمة زلزلت الظالم.. الكلمة حصن الحرية.. إن الكلمة مسئولية.. إن الرجل هو كلمة، شرف الله هو الكلمة».
اختزل الشرقاوى خطورة الكلمة وأهميتها فى هذا الحوار، الذى يعكس فداحة الثمن الذى قد يدفعه صاحب الكلمة، وكم من الأشخاص الذين دفعوا حياتهم ثمنا للكلمة على مدار التاريخ، وربما لولا هذا الثمن ما بقيت كلماتهم.. ويا ليتنا نتعلم من كلمات الشرقاوى فى هذا العصر الذى خربت فيه الذمم، وضاعت فيه العهود، وتبدد فيه الشرف على موائد الكاذبين والمنافقين.. فنحن أحوج ما نكون لتعليم أبنائنا تلك المعانى، ونزرع فيهم معنى شرف الكلمة، فكثير من المشاكل الاجتماعية التى نعيشها بسبب افتقادنا لتلك المبادئ.. وكم من الأسر التى تهدمت على أعتاب الغش والخيانة، وكم من المناصب التى ذهبت لمن ليسوا أهلا لها بسبب الكذب والنفاق، وكم من انتهكت حياتهم أو مس البعض شرفهم بسبب الغيبة والنميمة وشهادة الزور.. فكل الجرائم والموبقات مفتاحها أيضا الكلمة.. ورغم خطورة الكلمة والدور الذى قد تلعبه على كل المستويات، إلا أنها لا تخيف سوى أصحاب العقول الهشة، الذين لا يعرفون الرد على الكلمة بالكلمة!!.. فيكون ردهم بمحاولة القمع والمنع، رغم أنهم فى بعض الأحيان يصنعون أبطالا كرتونية.. ويقدمون لهم دعاية مجانية!!.. فكم من الأعمال الأدبية أو الفنية التى كانت ستظل مجهولة لولا المنع الذى حقق لها الرواج، وأدى لشهرة أصحابها الذين يتحولون فى بعض الأحيان لأيقونة ورمز للحرية، ويحفرون مكانا لهم فى التاريخ دون استحقاق!.. وتكون الكلمة فى هذه الحالة مفتاحا للتدخل السافر من الدول التى تفرض وصايتها على العالم، والتى يتخذونها فرصة لتحقيق مصالحهم، بدعوى انتهاك حقوق الإنسان.
وكم من الأحداث التى شهدتها منطقتنا العربية خلال السنوات الأخيرة تبرهن على ذلك، حيث أصبحت ذريعة للغرب للتدخل فى شئوننا وابتزازنا، لتحقيق المزيد من المكاسب، والتى يدفع فاتورتها الشعوب العربية!!.. بالتأكيد هم لا يعنيهم حقوقنا، وتاريخ الدول الغربية بشكل عام حافل بالكثير من الجرائم التى ارتكبوها فى حق الإنسانية، ويشهد تاريخهم الأسود على ما فعلوه بالأفارقة الذين بنيت الولايات المتحدة على أشلائهم.. وقتلهم للأطفال فى بحر البقر وفلسطين.. ولكن الكارثة فى كوننا كمن يتآمر على نفسه لأننا لا نتعلم من تاريخنا وحاضرنا!!.. نعطى لأعدائنا السلاح الذى يمكنهم من النيل منا.. فلا نحملهم عبء تنفيذ مخططاتهم، بل ننفذها بدلا عنهم أكثر مما يتمنونه!!.. لم ندرك بعد أن السلاح الحقيقى لمواجهة ما يحاك بنا يكون بالوعى، والذى تحققه الكلمة الصادقة والعاقلة والموضوعية..وللأسف ما زال الإعلام راسبا فى تحقيق المهنية واكتساب المصداقية!!..ولكن كيف ننتظر مهنية إذا كنا نولى أمر إعلامنا لمن لا ينتمون للمهنة!!..لقد دفعنا ثمنا باهظا فى 2011 نتيجة فقدان إعلامنا للمصداقية، بعد أن أصبحنا لا نستقى معلوماتنا سوى من القنوات العربية والأجنبية، والتى استطاعت كسب ثقة المشاهد على مدار سنوات، ثم أظهرت وجهها القبيح بعد ذلك، وأصبحت أداة لإسقاط الدول العربية.. لذلك علينا أن نتعلم مما حدث ونراجع أنفسنا حتى لا تستغل أخطاؤنا مرة أخرى، وأنه فى حالة غياب الحقائق تحل محلها الأكاذيب والشائعات.. وفى كل الأحوال فلنحترم الاختلاف، وحق كل إنسان فى اعتناق ما يشاء من أفكار، ويكون منهجنا دائما أن الكلمة بالكلمة والفكر بالفكر دون قهر أو إجبار.. ولنا فى الله تعالى المثل الأعلى، فهو جل جلاله لم يجبر عباده على الإيمان به، بل يرزقهم جميعا ويكافئهم فى الدنيا كل حسب عمله.