الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

وثائق وأوراق العميد.. حياة حافلة بالمعارك

عميد الأدب العربي،
عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تكشف مراسلات عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، عن حياته الحافلة بالأحداث، فما بين المواقف الإنسانية والمعارك الفكرية والهموم المهنية، تتنوع أيام الأديب الكبير ووزير المعارف الأسبق، والتى شاء أن تُدوّن على الأوراق وتحمل رائحة أختام البريد، فى عصر كانت الرسائل تستغرق فيه شهورًا، وليس بضغطة زر كما يحدث الآن.

عين طه حسين أستاذًا للأدب العربى بالجامعة المصرية، بعد أن صارت جامعة حكومية فى العام ١٩٢٥، وقد رصد أول الخطابات القرار الذى تم بموجبه نقل الجامعة إلى وزارة المعارف، وجاء فيه «أما فيما يتعلق بالدكتور طه حسين، فقد رؤى نظرًا لحالته الشخصية أن يبقى أستاذًا بكلية الآداب»؛ ليبدأ بذلك خمسة عشر عامًا من أكثر فترات حياته ازدهارًا واضطرابًا فى الوقت نفسه، فملأ الدنيا إنتاجًا من الكتابة والتأليف والترجمة والنشر، كما عانى الكثير من المتاعب السياسية.


المعركة مع العقاد

من أبرز ما استهلك طه حسين خلال تلك الفترة عراكه مع الأديب الكبير عباس العقاد، والذى جاء من ضمنه رسالة العقاد إليه فى ٢١ يناير ١٩٢٥، وجاء فى مقدمتها «أشكر لك ثناءك واهتمامك وأبادلك التحية مدحًا وقدحًا بالصاع صاعين وبالباع باعين! وأعجب بشجاعتك فى تقريظ كتابى ونقده فى صحيفة «السياسة»، وإن كنت أسأل نفسي: هل هى شجاعة حقًا».

فى آخر الخطاب قال العقاد ساخرًا: «لست أعتقد أنك فى ضعف الذاكرة بحيث أردت أن تظهر لنا فى مقالاتك، فأنت تزعم أنك لم تقرأ «البلاغ» وقد رددت عليه مرارًا، فكيف اتفق هذا؟ ألعلك ترد على ما لم تقرأ، أو لعلك قد نسيت بإرادتك؟ وقد ينسى الإنسان بإرادته فى بعض الأحايين! وأقول لك أخيرًا «حسبك فقد عرفت صوت نفسك» إنه لصوت يسمع على ما فيه من النشوز».


الشعر الجاهلى

فى العام التالى على هذا العراك، كان العميد يخوض معتركًا أكبر، هو الاتهامات التى طالت كتابه «فى الشعر الجاهلي». تأتى فى المجلد الأول الرسالة التى أرسلها إلى مدير الجامعة المصرية فى ١٢ مايو عام ١٩٢٦ وذكر فيها «كثر اللغط حول الكتاب الذى أصدرته منذ حين باسم «فى الشعر الجاهلي»، وقيل إنى تعمدت فيه إهانة الدين والخروج عليه؛ وإنى أُعلم الإلحاد فى الجامعة. وأنا أؤكد لعزتكم أنى لم أرد إهانة الدين، ولم أخرج عليه، وما كان لى أن أفعل ذلك وأنا مسلم أؤمن بالله وملائكته، وأنا الذى جاهد ما استطاع فى تقوية التعليم الدينى فى وزارة المعارف حين كلفت بالعمل فى لجنة التعليم، يشهد بذلك معالى وزير المعارف وأعوانه الذين شاركونى فى هذا العمل. وأؤكد لعزتكم أن دروسى فى الجامعة خلت خلوًّا تامًا من التعرض للديانات لأنى أعرف أن الجامعة لم تنشأ لمثل هذا، وأنا أرجو أن تتفضلوا فتبلغوا هذا البيان من تشاءون وتنشروه، وأن تقبلوا تحيتى الخاصة وإجلالى العظيم».


مطالبة بالدين

يبرز الرقى الإنسانى فى التعامل فى ذلك العصر، رسالة من سليم حسن عالم الآثار إلى صديقه طه حسين فى ٢٧ مارس عام ١٩٣٣؛ حيث خجل سليم من مطالبة صديقه بما أقرضه له سابقًا من نقود فكتب له «أكون شاكرًا لك أجمل الشكر لو سمحت أحوالك المالية الآن بأن تدفع لى بعض الشيء من المبلغ الذى أقرضته لك على دفعات وقد تجاوز ٣٥٠ جنيهًا، على أنه إذا كانت هناك مضايقة فعلية لك فى دفع أى مبلغ كان ولو شهريًا؛ فإنى سأرانى مضطرًا لأنتظر الظرف الذى يسمح لك بدفعه.

وقد اضطررت إلى كتابة هذا لأنى فى ضائقة مالية شديدة، ولأنى لم أجرأ على الطلب شفويًا لأنى خشيت أن يكون فى مواجهتى لك أى إحراج لى ولك، على أنه ميثاق الأخوة ورفع الكلفة شجعنى على الكتابة لك فى هذه الضائقة التى أنا فيها الآن وهو موضوع الأطيان كما تعلم».


رسالة مى زيادة

رقى آخر امتزجت فيه الصداقة بالأدب، عندما أرسلت الأديبة مى زيادة إلى طه حسين تُهنئه بالعودة للعمل أستاذًا بكلية الآداب، بعد سقوط حكومة إسماعيل صدقى باشا الذى أبعده عن الجامعة منذ أوائل عام ١٩٣٢؛ فأرسلت له فى ٢٨ نوفمبر ١٩٣٤ تقول «يا أبا العلاء.. مبروك حقك يرد إليك كما يرد إلى الشباب المصرى حقه عندك. أود أن أذكرك أنى تنبأت بهذا فى إيوان أبى الهول بتاريخ ١٢ يوليو، وكاهن أوزيريس يشهد، قلت يومئذ: إن الجامعة المصرية تستدعيك إليها خلال شهر نوفمبر، ولم يكن فى ذلك الحين من حديث أو شبه حديث عن الأزمة التى ظهرت فى الشهرين الأخيرين؛ أتعد يا أبا العلاء وفولتير معًا، أتعد بتصديق إلهام المرأة بعد اليوم؟ لقد كنت طوال هذه المدة رجلًا وعرفت أن تتألم كرجل حقًا. لدى الآن كلمة واحدة أرجو أن تغتفر ما فيها من أنانية: إنى سعيدة».


ثورة ٥٢

الجزء الثانى يحمل مرحلة أخرى من حياة الرجل الذى أثرى الثقافة العربية، فقد كان لتوه تاركًا لمنصبه كعميد لكلية الآداب ليشغل لتوه وظيفة «مراقب للثقافة بوزارة المعارف»، التى شغلها منذ عام ١٩٣٩، وإلى جانب ذلك كان أول مدير لجامعة الإسكندرية، وتدرج بعدها سنوات حتى صار «صاحب المعالى وزير المعارف العمومية»؛ فى تلك المرحلة كذلك قامت ثورة يوليو عام ١٩٥٢، فصار المثقف الكبير وعميد الأدب العربى رئيسًا لتحرير أول صحيفة رسمية للثورة الجديدة وهى «الجمهورية»، وبعد ذلك صار بلا منازع عميدًا للأدب العربى ورئيسًا لمجمع اللغة العربية.


مراسلات

مراسلات عميد الأدب العربي، التى حفظتها دار الكتب والوثائق المصرية فى مجلدين بعنوان «أوراق طه حسين ومراسلاته»، والصادر فى عام ٢٠٠٥؛ والتى تنقسم فى جزءها الأول بين الفترتين من ١٩٢٥ وحتى ١٩٤٠، والجزء الثانى فى الفترة من ١٩٤١ وحتى عام ١٩٧٢ تتضمن آخر ما تبادل من أوراق حتى وفاته فى عام ١٩٧٣؛ حيث تكشف خطابات ومراسلات تلك الفترة الأخيرة انخراطه الكبير فى العمل فى الحكومة المصرية، وتعامله كقيادى صارم لا يعرف فى العمل سوى المصلحة العليا؛ منها ما أرسله إلى رئيس مجلس الوزراء فى العديد من المكاتبات حول صلاحية بعض مسئولى وزارة المعارف للعمل فى الوزارة تحت قيادته؛ كذلك كان هناك بعض المآخذ الفكرية التى لم تصل لحد العراك، منها الخطاب الذى أرسله إليه الكاتب الكبير يوسف السباعى فى ٢٤ مايو عام ١٩٥٢، وكتب له فيه «قلت فى مرأة الغريبة، فأما الذى يعرب عن النفس المصرية المعاصرة ويصور شعورها بالحياة وردها على أحداث الحياة ويصور آمالها فهى أقل من أن تمضي، وهذا الأقل ضعيف لا شك فى ضعفه، فاتر لا شك فى فتوره، لا تكاد تقبل عليه حتى تنصرف عنه، ولا تكاد تنظر فيه حتى تفزع منه إلى كتاب قديم أو حديث.

وهذا يا سيدى اتهام للإنتاج المعاصر لم تستثن منه أحدا، ومن حق المتهم الدفاع عن نفسه ومن واجب القاضى سماع هذا الدفاع. وقد أرسلت لك مستندات الدفاع فى كتابى «أرض النفاق» راجيًا منك التكرم بقراءته والإقبال عليه أملًا فيه ألا يصرفك ولا يفزعك منه إلى غيره من القديم أو الحديث، وعسى أن يغير قليلًا من حكمك الشامل الجازم بعقم الإنتاج المعاصر وضعفه وفتوره، وعسى ألا يؤكد حكمك هذا ويزيدك تشبثًا به وإصرارًا عليه».


رسالة زكى نجيب محمود

آخر الخطابات التى نستعرضها هنا هى رسالة من الفيلسوف والمثقف الكبير زكى نجيب محمود بتاريخ ١٦ سبتمبر ١٩٥٤، والذى كان يتولى فى تلك الحقبة منصب المستشار الثقافى المصرى فى العاصمة الأمريكية واشنطن، وكتب له «يسرنى أن أبعث إلى سيادتكم بهذه البطاقة المصورة التى أرسلها إليكم مواطن أمريكى عن طريق السفارة المصرية بواشنطن، وهو يرجوكم فيها أن تتفضلوا بإرسال صورة لكم موقع عليها منكم؛ لأنه بصدد إعداد مجموعه تضم المائة الأولى من عظماء العالم المعاصر. وأنتهز هذه الفرصة لأحييكم تحية شخصية، فأرجو أن تتفضلوا بقبول احترامى وإكبارى».