الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الخلافة والإصلاح الإسلامي الزائف لـ"رشيد رضا"

رشيد رضا
رشيد رضا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يَعتبر الإخوانى لبنانى الجنسية رشيد رضا الذى مرت ذكرى ميلاده الـ 135 فى 23 سبتمبر الماضى، من أكبر تلامذة الإمام محمد عبده وقد أنشأ مجلة «المنار» ذات الأثر العميق فى الفكر الاسلامى، وتعد بمثابة حلقة الوصل التى ستجعل منهم خلفاء لمشروع تجديد الإسلام، واليوم، تنجح جماعة الإخوان فى أن تظهر نفسها، حتى فى عيون غير المسلمين، على أنها منظمة إصلاحية، بل حتى إنها أحد العوامل المؤثرة والثورية، فتظهر كما لو كانت أحد أنصار التحرر. كل شيء بدأ فى الإسماعيلية، على ضفاف قناة السويس، على بعد 130 كيلو شرق القاهرة، عندما تم تعيين مدرس شاب، عمره 21 عامًا، يُدعى حسن البنا فى سبتمبر 1927، وهو الابن الأكبر لرجل كان يعمل فى إصلاح الساعات، بقرية المحمودية فى دمنهور. ويُحكى أن «البنا» عندما بلغ الثانية عشرة ربيعًا كان بالفعل يرأس جمعية الحصافية للبر، ثم أنشأ جمعية أخرى لمحاربة الشر، وكانت هذه الجمعية تقوم بإرسال خطابات غير موقعة للحكومة، تُدين من خلالها الأفعال المنافية للإسلام.

وعندما ذهب إلى القاهرة، لم يختر «البنا» جامعة الأزهر الشهيرة، بل درس فى دار العلوم، فى ذلك الوقت، كانت القاهرة تغرق فى التسيب: فسكانها يرقصون ويستمتعون ويشربون الكحوليات، وتسبب تأثير الغرب المنحل على القاهرة فى صدمة لهذا الشاب القادم من الأرياف، فعكف «البنا» فيما بعد، فى مذكراته، على إدانة هذا الوضع المتفكك وهذا الانحلال والابتعاد عن القيم الإسلامية.
وللعلم فإن «البنا» لم يدرس الدين الإسلامى إلا لفترة وجيزة، غير أنه تأثَّر فى بداية حياته بأفكار جمال الدين الأفغانى (١٨٩٨ - ١٨٣٨) ومحمد عبده (١٩٠٥ - ١٨٤٩)، ويعتبر الاثنان من أعلام الفكر الإسلامى الحديث، ألم يُحاول الرجلان تخليص النصوص الدينية من أغلال الجمود والتشدد؟ وقد أكد العالمان: أنه فى حالة ما إذا كان هناك تعارض بين العقل والتقاليد، فالأفضل اتباع العقل. وقد تنقل الأفغانى كثيرًا، فقد سافر من إيران لإنجلترا، ومن روسيا إلى الهند، وخلال تلك الفترة أدان سلبية الحكام المسلمين وخضوعهم للقوى الخارجية. والجدير بالذكر أن الأفغانى قد عاش بمصر بين ١٨٧١ و١٨٧٩، قبل أن يتم طرده، وكان له تأثير قوى على محمد عبده، الذى تخرج فى الأزهر، وأصبح مفتيًا للبلاد عام ١٨٩٩. وقد أصدر العديد من الفتاوى، منها ما يسمح للمسلمين بإيداع أموالهم بالبنوك، كما أنه حلَّل القروض ذات الفائدة، وكان يعلم ويقول إن الإسلام قابل للإصلاح، وإن القوانين يجب أن تتكيف مع معطيات العالم الحديث حتى تتحقق المصلحة العامة.
وبذلك يُعدُّ الأفغانى وعبده من أفضل المصلحين. وكذلك يمكن اعتبار رشيد رضا (١٨٦٥ ١٩٣٥) من أهم الإصلاحيين فى فترة من فترات حياته، ولد رشيد رضا بقرية القلمون بجنوب طرابلس لبنان، وبالفعل فقد قابل محمد عبده فى طرابلس اللبنانية عام ١٨٩٤، ثم تبعه فى مصر عام ١٨٩٧. وفى العام التالي، قام رضا بإنشاء مجلة المنار، وتساءل ما هو سبب تأخر الدول الإسلامية؟ ووفقًا له، فإن تأخر الدول الإسلامية يرجع إلى ابتعادها عن حقيقة الإسلام، وقال فى هذا الصدد: «هناك علاقة أساسية بين الحقيقة الدينية والازدهار على الأرض»، فهو يريد بالأحرى أن يقول إن مستقبل الإسلام سيكون أفضل، شريطةَ أن يعود المسلمون للتعاليم الأخلاقية لدينهم.
غير أنه فى بداية العشرينيات من القرن الماضي، طرأ تغيير جذرى فى فكر رضا، وتحديدًا فى تلك الفترة، أصبح «البنا» أحد أتباعه. واستمر «رضا» على أنه أحد تلاميذ الأفغانى وعبده، بل على أنه وريثهما، غير أنه فى الوقت نفسه أصبح داعية للوهابية، التى تعتبر الشكل الرسمى للإسلام السنى فى المملكة العربية السعودية آنذاك. وعليه نرى أنه قد وضع تحت تصرف الوهابيين دار نشر ومجلة «المنار» التى يمتلكها، واستقبل بكثير من الحماس غزواتهم للمدن المقدسة بالسعودية، وأكد أن مذهبهم الذى يمثل العودة لنقاء الإسلام السني، هو عقيدة سليمة بصورة مؤكدة، فالوهابيون يدعون إلى الرجوع للممارسات التى كانت موجودة فى المجتمع الإسلامى أيام الرسول وخلفائه الأوائل فى القرن السابع الميلادي.
وفى كتابه «معاهدة نجد»، أو «كيف أصبح الإسلام الطائفى إسلامًا صحيحًا»، يقول الباحث حمادى الرديسى إن رشيد رضا قد أخرج الوهابيين من خانة الهرطقة، ليجعلهم فى خانة العقيدة السليمة. أكد الرديسي، الذى يدرس القانون والعلوم السياسية بجامعة تونس، أن أغلب مطبوعات رشيد رضا كانت ممولة من أنصار نشر الفكر الوهابى آنذاك، وبالأخص كتاب «الوهابية والحجاز»، الذى تم نشره عام ١٩٢٦. وفى هذا الكتاب يتم إظهار خصوم الوهابيين على أنهم حلفاء لإنجلترا واليهود الذين يعملون على محو الإسلام من على وجه الأرض، وقد قام رشيد رضا بنقل هذا الكره للغربيين واليهود إلى حسن البنا.

إعادة بناء الخلافة

يرى رشيد رضا أن الدولة الإسلامية هى «أفضل دولة ليس فقط بالنسبة للمسلمين ولكن للإنسانية بأكملها»، لأن الدولة الإسلامية تجمع بين العدالة والمساواة، وتخدم مصالح كل فرد، تمنع الآلام، إذ إنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ترعى الصغار والعجزة، وتعين الفقراء والمحتاجين.
يعتبر عبدالرحمن الكواكبي، سورى الأصل، والذى أقام فى مصر من ١٨٤٩ حتى ١٩٠٢، هو أول من طرح فكرة أن الخلافة يجب أن تنتقل من الأتراك إلى العرب. والكواكبى هو مؤلف كتاب «طبائع الاستبداد»، وقد قام رشيد رضا من خلال مجلة المنار بالترويج لهذه الفكرة حتى قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية وصعود العلمانى كمال أتاتورك إلى السلطة، وسقوط الخلافة فى الثالث من مارس ١٩٢٤.
فى ١٩٢٢، قام رشيد رضا بنشر كتاب بعنوان «الخلافة أو الإمامة العظمى»، إذ أدان خيانة الأتراك للإسلام، مؤكدًا أن النموذج الإسلامى العربى هو النموذج الإسلامى الأفضل والوحيد، وعليه فقد أعلن تأييده للخلافة العربية.
وقد قام برنارد لويس، المؤرخ الأنجلو أمريكانى والمتخصص فى شئون العالم الإسلامي، والذى توفى فى ٢٠١٨، بتقديم عمل ضخم بعنوان: «الإسلام». وفى هذا الكتاب أكد المؤلف أن رشيد رضا يصر على أن سيادة العرب وعلى إسهامهم الكبير فى رفع راية الإسلام ونشره لكل الإنسانية.
وبلا شك، فإن من وجهة نظره، تعتبر مصر هى الدولة الوحيدة القادرة على قيادة العالم العربي؛ وذلك بسبب موقعها الجغرافى المتميز، وكثافتها السكانية، وريادتها الاقتصادية والثقافية.
وبالنسبة لرشيد رضا، فمنذ ١٩٢٤، فإن إقامة مؤسسة جماهيرية ترسى دعائم الخلافة وتقيم قواعد دولة إسلامية جديدة على الأرض يأتى على رأس الأولويات، وذلك «لكى نضع حدًّا لهيمنة الغرب المادية والنفعية على الإنسانية». وجهة نظر تأتى من مفكر وعالم دين وليس من سياسى أو منظم، وقد تطورت هذه الفكرة على يد الشاب الملهم حسن البنا، الذى أقام عام ١٩٢٨، أى بعد ٤ سنوات من انهيار الخلافة، تنظيم الإخوان المسلمين فى الإسماعيلية. لعله من المهم قراءة السطور الأولى من مقدمة واحد من أندر الأعمال التى كتبها «البنا»، والتى تمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية: «خطاب المعلمين.. المبادئ المؤسسة للإخوان المسلمين»؛ حيث ذكر فيها: «بعد ٤ سنوات من سقوط الخلافة الإسلامية، ظهر مَنْ يُطالب بكل قوته بإعادة بناء الخلافة مرة ثانية، إنه حسن البنا، ابن عبدالرحمن البنا، وابن الاثنين وعشرين عامًا، تلك السن التى يمر بها ملايين من الشباب مثله لا يشغلهم سوى الملذات والشهوات.
ونجد دومًا أن الإخوان المسلمين والوهابيين على طرفى نقيض، وإذا كانت المملكة العربية السعودية تُمثل العدو اللدود للإخوان الآن، إلا أنها لم تكن كذلك فى أغلب الأحيان. قبيل إنشاء هذا التنظيم، تم ترشيح حسن البنا ليقوم بالتدريس فى عام ١٩٢٧، فى الحجاز بالمملكة العربية السعودية. ومن الجدير بالذكر أن ٧ من سكان الإسماعيلية، والذين سيصبحون فيما بعد زملاءه الأوائل، قد قدموا إليه لطلب المشورة، وذلك مساء يوم فى شهر مارس أو أبريل عام ١٩٢٨؛ حيث أعلنوا على حد قولهم: «لا نعلم أى طريق يمكن أن نسلكه من أجل رفع راية الإسلام والمسلمين، فنحن نزدرى هذه الحياة، إنها حياة خذلان وعبودية، إن العرب والمسلمين، فى هذه البلاد ليس لهم مكان أو كرامة، ولا يفعلون أى شيء لمواجهة حالة العبودية التى فرضها الغرب عليهم»، إنهم إما نجارون وإما مصلحو دراجات، أو مصففو شعر أو سائقون. قد قطعوا عهدًا أمام الله، وقد تساءل تلاميذه الأوائل: «بماذا نسمى أنفسنا»؟ وأكدوا أنهم إخوان فى خدمة الإسلام، إذن «فأنتم الإخوان المسلمون»، وهكذا أجاب حسن البنا أو المرشد العام باعتبار ما سيكون.

ولادة التنظيم

وهكذا وُلِد على شاطئ بحيرة التمساح، تنظيم الإخوان المسلمين، أكبر مؤسسة إسلامية مهيبة فى العالم، وكان شعارهم: «هدفنا هو الله، وزعيمنا هو النبي، ودستورنا هو القرآن، والمعركة هى سبيلنا، والشهادة هى مبتغانا»، ولكن من أين جاءت كلمة «الإخوان»؟
جاءت مباشرةً من تنظيم الإخوان المقاتل، الذين ساعدوا ملك الحجاز ونجد، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الملقب بابن سعود، فى غزوه مكة، لكى يصبح عاهل المملكة العربية السعودية الحديثة. هذه الجماعة «كانت الملهمة للبنا لكى ينسب إليها صفة المسلمين؛ حيث إن مصر فى ذلك الوقت لم تكن إسلامية بشكل حصري»، هكذا أكد المؤرخ حبيب طاوا، الحاصل على الدكتوراه فى التاريخ بعنوان: «التداخل بين السلطة والحركات السياسية والمسلحة فى مصر.. بداية من حرب فلسطين إلى سقوط النظام الملكى فى مصر.. أى فى الفترة من ١٩٤٨ حتى ١٩٥٢.
وقد اتخذت الجماعة من السيفين المتقاطعين اللذين يحملان القرآن، شعارًا لها، وقد اعتنقت الآية القرآنية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة». وهذا الشعار يُشبه شعار المملكة العربية السعودية الذى اتخذته عام ١٩٢٦؛ حيث جاءت أسفل السيفين عبارة «وأعدوا». إنها بداية الآية رقم ٦٠ فى السورة رقم ٨ (الأنفال) التى تأمر بـ: «وأعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ».

تلاعب الإخوان

ألا يجب أن نندهش إذا وجدنا طارق رمضان، حفيد حسن البنا، يغفل فى رسالته الجامعية التى تحمل عنوان: «إلى أصول التجديد الإسلامى من الأفغانى إلى البنا.. قرن من الإصلاح الإسلامي» والتى قدمها فى جنيف عام ١٩٩٨، وبشكل كامل، يغفل إذن عن تناول تأثير الوهابيين على رشيد رضا وبشكل مباشر على حسن البنا؟ نجده على العكس يؤكد أن رشيد رضا جدير بتحليل الفكر الإصلاحى وتأسيسه على المستوى الدينى وبالتأكيد وفى ضوء التداعيات التى يتابعها، فعليه أيضا أن يقوم نظريا بتقرير التحديات وآفاق العمل التى يجب اتخاذها من أجل تحقيق إصلاح دينى واجتماعى ملموس. ويضيف طارق رمضان، بضعة أسطر بعد ذلك، أن «مجلة المنارة» ستستمر فى الظهور حتى وفاة رشيد رضا وأن حسن البنا سيقوم بنشرها لمدة خمسة أعوام أخرى.
وقد حاول طارق رمضان هكذا أن يؤكد أن رشيد رضا يسير على خطى أستاذه القديم محمد عبده وبالتالى فإن حسن البنا، التلميذ الوفى لرشيد رضا من شأنه أن يكون رجلًا إصلاحيًا. وفى المقابل، فإن الإسلامى على مراد، الذى توفى عام ٢٠١٧، قد أكد أنه إذا كان محمد عبده عمل على أن ينفتح الفكر الإسلامى على التيار العقلاني، فإن تلميذه رشيد رضا قد عمل على أن يجمد فكره ويجعله يسير فى اتجاه بعيد عن العقلانية. فقد نصب رشيد رضا نفسه وريثا لتحجيم الانفتاح الذى يقترحه محمد عبده.
وعلى سبيل المقارنة، إذا غامر أحد المعارضين بتقديم الديكتاتور بينيتو موسولينى كواحد من آباء الاشتراكية الأوروبية بحجة أن «الديكتاتور» فى شبابه كان بالفعل عضوا فى الحزب الاشتراكى الإيطالي، فإن الاستنكار سيكون بالإجماع بين المؤرخين غير الجادين‫.‬ من جهة أخرى، تم إقرار صفة «المصلح‫»‬ للتنظيم المهيب للإخوان المسلمين، من قبل بعض المفكرين اليساريين فى فرنسا.
وقد كتب ألان جريش، رئيس تحرير صحيفة لوموند الفرنسية، وواضع مقدمة الرسالة الجامعية الخاصة بطارق رمضان، أن كل من سيقرأ هذه الدراسة التى وضعها طارق رمضان، سوف يجد فائدة كبيرة، فهذا البحث الجاد والمدعم بالوثائق سوف يفتح أبوابًا على عالم مجهول، عالم الفكر الإسلامى الإصلاحي. كما أضاف أن التيار الذى قدمه البنا أو محمد عبده، هو تيار أصولى وحداثى فى نفس الوقت. ونستطيع فك رموز هذا التناقض الظاهرى بأن المذهب البروتستانتى فى أوروبا يعتمد على نصوص الإنجيل.
ومن الجدير بالذكر أن ألان جريش قد ولد فى مصر عام ١٩٤٨ وهو ابن المناضل الشيوعى والمعادى للاستيطان، هنرى كوريل والذى تم اغتياله فى ١٩٧٨.
وقد اشتهر ألان جريش بأنه واحد من أفضل الخبراء فى المغرب العربى والشرق الأوسط ولكن هذا لم يمنعه من أن يكتب أن «حسن البنا لم يأمر بالاغتيال السياسي»
ليس طارق رمضان هو الوحيد الذى صدق هذا الادعاء المتلون، فهى استراتيجية ملموسة من جانب الإخوان فى أوروبا. وقد كشفت مجلة «إسلام فرنسا» التى توقفت عن الصدور حاليا، عن أن التقرير الصادر عن اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، قد نشر نص مؤتمر محسن ناجازو الذى عقد عام ١٩٩٨، وقد قامت بمدح مؤسس الإخوان، إذ كتبت: «إن ما يميز البنا هو أنه يقف فى مصاف مفكرى ومصلحى عصر نهضة الفكر الإسلامى، وأنه وريث أو امتداد لجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وغيرهم.. فقد استطاع أن يؤسس بعدا إسلاميا يضاف إلى الجانب الروحى والفكري.
كيف يمكن أن نفسر أنه عبر العديد من العقود آمن العديد من أساتذة الجامعة والسياسيين والصحفيين الغربيين ومذيعى التليفزيون والمفكرين بهذا التلاعب السيئ؟
فقد قدموا الإخوان على أنهم النسخة المسلمة للفكر الدينى للتحرر، ذلك التيار الفكرى المسيحى الذى نشأ فى أمريكا اللاتينية والذى يهدف إلى فتح أبواب الأمل والكرامة لكل المعذبين فى الأرض.
وبهذه الحيلة الماكرة، فقد أصبح فجأة هذا التنظيم الرجعى والشمولى والذى تعتبره كثير من الدول تنظيما إرهابيا، تنظيما سلميا وتقدميا تماما مثلما أصبح البنا بشكل أو بآخر «غاندي» المسلمين.
وقد أكد طارق رمضان، الذى تم دعوته لحضور المنتدى الاجتماعى الأوروبى فى باريس عام ١٩٨٣، أن تعاليم الإسلام «تتعارض مع أسس منطق النظام الرأسمالى الليبرالى الجديد». باختصار «إن الإسلام هو دين الفقراء الذى يسمح بإعادة إحياء مبدأ التضامن»، تلك الفكرة التى تسعى العولمة الليبرالية إلى إطفاء توهجها… وكان هذا كافيا لكى تقوم هذه الشخصيات، - المصنفة على أنها من أقصى اليسار، مثل الفيلسوف ميغيل بيناساياغ، والباحث عن البيئة خوسيه بوفى، أو دانيال بن سعيد، عضو فى الاتحاد الشيوعى الفرنسى (LCR)، - بتوجيه الشكر لحفيد البنا. واليوم أيضا، هذا الفكر شبه الدينى للتحرر يجمع بين مفكرين مسلمين فى الهند وإيران وقطر وماليزيا، يلتقون فى فكرهم الذى يتعارض مع الهيمنة المعرفية والسياسية فى الغرب.