الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

من يقف ضد التحول الديمقراطي؟.. وكيف نواجهه؟ (5-6)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
* ملاحظات أخيرة على العلاقات بين قوى الدولة القديمة 

تعرضنا في مقالات سابقة إلى قوى الدولة القديمة الثلاث التي ترفض المشروع الديمقراطي، وهي على سبيل الحصر والتحديد: قوى الدولة الأمنية، أنصار الإصلاح الإداري، ودعاة المستبد العادل، وما يجمع هذه القوى كما أكدنا من قبل مراراً وتكراراً ليس العداء للديمقراطية فحسب، ولكن العداء أيضاً للسياسة والسياسيين والعملية السياسية بإثرها، ويجمعهم أيضاً التعالي على الناس واعتبارهم على الدوام مفعولا به أو كتلة هُلامية يمكن أن يسوقها أعداء الوطن في هذا الاتجاه أو ذاك وفقاً لمؤامراتهم وأهدافهم الشريرة التي يريدون فرضها، ولا يملك الناس من أمرهم شيئاً، بمعنى أن الجماهير إذا رفضت "فلانا" فمعنى هذا أن "علانا" هو الذي دفعها لذلك، إما بالتآمر أو بالمال أو بكليهما معاً، ولذلك عندما تتحرك الجماهير في أيّة لحظة تعتني هذه القوى غير الديمقراطية فوراً بالبحث عن الجاني وأطراف المؤامرة التي دفعتها للتحرك أكثر ممّا تعتني بالنظر في مطالب الجماهير نفسها ومدى مشروعيتها أو منطقيتها.
اللافت أيضاً أن العديد من قادة هذه القوى الثلاث لا يرون أن الديمقراطية اختيار معيب في حدّ ذاته، أو على الأقل يدعون ذلك لكنهم فقط يرون أنها غير مناسبة للتطبيق الآن وفوراً، فالشعب جاهل "وميعرفش مصلحته" و"صفّارة تلمّه وعصاية تفرّقه"، وهو - أى الشعب - عند الكثيرين منهم "ما يجيش غير بالكرباج"، أو "ما يجيش غير بالجزمة"، على الأقل الآن، ومن ثم فإن الديمقراطية - "وهي حاجة عظيمة خالص" - مشروع مؤجل "لغاية الشعب ما يبقى كويس".
وفي تفسير الأمر يقول البعض منهم - في مجالسهم الخاصة - إن النمو الاقتصادي في حاجة إلى تضحيات كبيرة، ولا مفرّ من أن يتحمل الشعب أعباء هائلة وتضحيات جسيمة للخروج من الأزمة الاقتصادية وتحقيق الرفاهة للجميع، وعندئذ - أي عندما تتحقق هذه الرفاهية المطلوبة - سيكون من الممكن أن نطبق الديمقراطية، أما قبل ذلك وفي ظل الأزمة الاقتصادية ومُعاناة الناس الهائلة فإن الديمقراطية ستسمح بالسخط والانفجار الذي يمكن أن يتحول بدوره إلى موجة واسعة من الاحتجاجات التي ستنشر الفوضى بالطبع، لأن الأعداء - المتربصين بالبلاد - سيستغلون الأمر ويتحكمون من خلال المال والمؤامرات في توجيه الشعب الجاهل إلى تدمير الوطن وإشاعة الخراب.. إلخ.
باختصار إذن، العداء للديمقراطية - من دعاة الدولة القديمة على اختلافهم - يرتبط من حيث التوجه الاقتصادي – الاجتماعى باختيار الرأسمالية المتوحشة التي يمكن أن تتجمل شعبوياً، وهو الاختيار الذي يعتبر أن كبار المستثمرين والشرائح العليا من الرأسمالية هم قاطرة التنمية التي يجب أن نغدق عليها ونمحنها كل الامتيازات الممكنة لكي تجرّ المجتمع كله إلى الأمام، ولا بأس في هذا الاتجاه من أن تتحمل الطبقات الأكثر فقراً الآثار السلبية لهذه العملية التي يمكن أن ندرأ مخاطرها من خلال سياستين: الأولى هي القمع والعداء السافر لكل الآليات الديمقراطية، والثانية هي الإحسان وبرامج تخفيف حدة الفقر.
ألا تلاحظ - عزيزي القارئ - إلى أي حدّ تتشابه مشروعات دعاة الدولة القديمة مع مشروعات دولة الإخوان؟!.
قبل أن أختتم حديثي عن مشروعات الدولة القديمة وتوجهاتها، أود أن أناقش مدى تناغم أو تقاطع أو تعارض هذه المشروعات مع بعضها البعض، ذلك أن بعض المحللين مثلاً يرون أن أنصار الدولة الأمنية ودعاة المستبد العادل لا يمكن اعتبارهما مشروعين منفصلين، فالمستبد العادل - من وجهة نظرهم - في حاجة إلى دولة أمنية، وأنا لا أعتقد في صحة هذه الفكرة، لأن دعاة الدولة الأمنية يستندون أساساً في مشروعية مشروعهم على أن هناك معركة ضد الإرهاب مثلاً، وأن هذه المعركة لا ينبغي أن يعلوا صوت فوقها، ومن ثم فإنها تستدعي إسكات الجميع وتعظيم دور الأجهزة الأمنية لكي تصبح بحق ما يمكن وصفه بالحزب الحاكم، أما دعاة المستبد العادل فإنهم يحلمون بإعادة استنساخ زعيم شعبوي يجمع بين يديه كل السلطات، ويُسخِّر ذلك لصالح الناس من خلال منح الجموع الواسعة بعض الفتات أو بعض ثمار النمو الاقتصادي، وبالطبع فلا يوجد في مُخيّلة هذا الاتجاه أفضل من عبد الناصر، الذي يتجاهل دعاة استنساخه الآن أنه لم يكن فرضية نظرية جسّدتها رغبة البعض، وإنما كان ابنا لظروف دولية إقليمية مُحدّدة، ساعدته على تحقيق ما حققه من نجاح في توقيت محدد ولحظة تاريخية محدّدة، مثلما ساعدت على النيل من هذا النجاح نفسه في مرحلة لاحقة.
ولكن بالطبع من الممكن أن تتقاطع المشروعات، فمثلا مهما بلغت حدة تركز السلطات في يد المستبد العادل، فإن مرور الوقت سيفضي به حتماً إلى تسليم الكثير من سلطاته إلى أجهزة أمنية، من المنطقي أن تتضخم مع مرور الوقت وتنازعه السلطة، لأنه لن ينجح لوقت طويل في كبح جماح الحراك الاجتماعي بالاستناد على الشعبوية والتضليل فحسب.
هناك خلافات حقيقية بين الاتجاهات الثلاثة، وهناك تحالفات من الممكن أن تنشأ فيما بينهم، وعلى المدى المنظور يحاول كل اتجاه منهم إضعاف المشروع الديموقراطي وسحب البساط من تحت أقدامه من خلال محاولات مستمرة لتشويه رموزه وشقّ صفوفه واستيعاب بعض دعاة المشروع الديموقراطي داخل مشروعاتهم، وبالذات هؤلاء الوافدين الجدد على العمل السياسي، والذين دخل الكثيرون منهم إلى العمل السياسي للقضاء على الإخوان فقط.
أخيرا.. تبذل الاتجاهات الثلاثة قصارى جهدها لكي تكسب تأييد الجيش عموما، والفريق السيسي بصفة خاصة، لأن ذلك من وجهة نظرهم هو أقصر طريق إلى السلطة، ولعل ذلك من الأمور التي تزيد الفرقة بينهم.