الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«لندن كوطن»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هاجرنا إلى بريطانيا منذ أربعين عامًا على وجه الضبط. وأمضينا فى لندن نحو ربع قرنٍ إقامة متواصلة وقد رُزِقنا بتلك المدينة التى لا شبيه لها بابنى وابنتى وأُعطينا جميعًا الجنسية البريطانية. وقد وصلتنا الجنسية بالبريد عام ١٩٨٩ مع تحيات الملكة، من دون أن نقابلَ أحدًا أو نقف على باب أحد أو فى طابور أحد. وخلال ربع قرن لم يدخل بريطانى إلى بيتى ولا دخلت إلى منزل بريطاني. عملت كليًا بموجب المثل الإنجليزى القائل «اهتم بشئونك ودعك من شئون الآخرين». السعادة هى أكثر الأشياء نسبيةً فى الحياة، ولكن بمقاييس كثيرة كانت إقامتى فى لندن الأكثر هناءً بهذا العمر. ولست أعرف لماذا؟ ولا أريد أن أحدد سبب هذا الشيء الثمين. فقد كانت السعادة مثلًا المشى لساعات طويلة فى «الهايد بارك» أو فى «البال مال». بل كانت ثمة سعادة أو متعة فى التسكع فى شوارع «شرق لندن» الذى كان بائسًا ذات زمن، ومليئًا بالحكايات التعيسة، وفيه كتب تشارلز ديكنز وغيره تلك الأعمال العظيمة والمحزنة.
وبعد ربع قرن صرت إذا سُئِلتُ ما هو موطنى؟ أجيب بعفوية سريعة إنه لندن. فقد أنستنى سحر بيروت وشبابها، وأنستنى خصوصًا أوهام باريس التى كانت تُغرى وتغمُرُ القادمين من أنحاء العالم. لذلك طالما كتبت فى هذه الزاوية خلال ٣٣ عامًا عن الوفاء للمدينة التى جعلت من نفسها موطنًا لنا من دون أى تمييز أو شروط أو متطلبات. كلُ ما فى الأمر أننا ذهبنا إلى أقرب مكتب محاماة لكى نقسم يمين المواطنة، وكلّفنا الأمر يومها ليرتين عن الشخص أى أقل من ٥ ليرات للعائلة.
أرسلنا ابنى وابنتى إلى المدرسة الفرنسية التى كانت الأقرب إلينا والأقل كلفةً بين جميع المدارس الخاصة. ولأن الدنيا أقدار، فقد برع الابن فى الكتابة بالإنجليزية والفرنسية معًا، ونجحت الابنة الحبيبة فى الفرنسية وكأنها لم تولد فى لندن ولا تقيم فيها. وعندما كَبُرَ الابن انصرف إلى الكتابة والتأليف والعمل فى مجال النشر. وبما أننى منذ اللحظة الأولى لا أتدخل فى أى شأنٍ من شئونه - إن لم يختر هو أن يطلعنى عليه- فإننى لا أُتابع «البلوغ» الذى يكتبه إلا لمامًا. الأسبوع الماضى أعاد فى زاويته نشرَ مقالٍ كتبه فى مجلة «ج . ك» التى تصدر فى نيويورك ولها طبعات كثيرة حول العالم. وقد أحزننى أن ابنى يتحدّث عن لندن أخرى غير تلك التى ولد فيها أو التى عشنا فيها. إنها لندن يُصادف فيها الشبان مواقف عنصرية. بل هو يروى كيف اعترضته مجموعةٌ من الشبان ذات مساء؛ لأنه كان يتحدّث العربية مع زوجته، إضافة إلى أنه يُرخى منذ أول سنوات البلوغ، لحيةً كثة.
نقلًا عن «الشرق الأوسط اللندنية»