الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا قدمنا في حرب "الـ90 يوما"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كيف استقبل القائمون على صناعة الصحافة والإعلام والمسئولون بمختلف أجهزة الدولة حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن معركة الوعى أثناء كلمته فى الندوة التثقيفية الـ ٢٩ للقوات المسلحة «أكتوبر تواصل الأجيال»؟!
هل وجدت كلمات الرئيس عقولًا واعية تدرك أن هذه المعارك من نوع خاص وتشكل خطورة أكبر؛ لأنها الأكثر تعقيدا ليس لاعتمادها على معدات عسكرية حديثة، وإنما لاستخدامها أدوات بسيطة تستطيع اجتياح مساحات كبيرة من وعى ووجدان المواطن؟!
للأسف رسائل الرئيس بشأن الإعلام ومعركة الوعى وصلت بشكل خاطئ وصنع بعض القائمين على الإعلام جدران خوف منعتهم من المعالجة الموضوعية وذات الفهم أيضا، كان لدى أغلب المسئولين بالأجهزة التنفيذية للدولة، وهذا ما يقوض كل جهد يُبذل فى مواجهة حرب الشائعات.
قبل أشهر معدودات كشف الرئيس عن تعرض المجتمع المصرى لأكبر هجمة مسلحة بـ ٢١ ألف شائعة شنتها منصات معادية، تنوعت بين وسائل إعلام أجنبية ومواقع التواصل الاجتماعى، بخلاف العناصر المنتشرة داخل المنتديات العامة؛ وقد تم بث كل تلك الشائعات خلال ثلاثة أشهر فقط فيما يمكن تسميته بحرب الـ ٩٠ يومًا. 
أغلب الأزمات التى مرت بها البلاد منذ ثورة الثلاثين من يونيو، بدءا من تهديد السلم الاجتماعى والأمن القومى، وصولا إلى أسعار السلع، كان سببها المواجهة الخاطئة لما نتعرض إليه من شائعات وأكاذيب تُبث على مدار الساعة.
وكان التعامل الإعلامى مع ما بثته قنوات الإرهاب ووكالات الأنباء العالمية فى الأول من يوليو لعام ٢٠١٥، تجسيدا صارخا للمعالجة الخاطئة التى تسببت فى تهديد ركائز الأمن القومى عندما تكالبت وسائل الإعلام المصرية على ترديد أكاذيب تلك القنوات بشأن انتصار عناصر ما تسمى بـ«ولاية سيناء» على الجيش المصرى ورفع علمها فى منطقة الشيخ زويد.
وجدت الدولة نفسها مضطرة لإجراء تعديلات تشريعية تغلظ عقوبة نشر أى بيانات أو معلومات عن العمليات العسكرية بعيدا عن المصادر الرسمية.
رد فعل الدولة السريع جاء لمعالجة مفاهيم ومعالجات إعلامية، كان من البدهي أن لا يقع فيها الإعلام فما من وسيلة إعلامية فى أى دولة على سطح كوكب الأرض تستطيع نشر بيان عسكرى دون الرجوع إلى جيشها الوطني.
منذ ذلك التاريخ اعتبر بعض الصحفيين والقائمين على صناعة الإعلام، التعديلات التشريعية الجديدة رغبة من الدولة فى التضييق على الإعلام وقصف أقلامهم وتقليص مساحة حرية الرأي.
غرامة النصف مليون جنيه التى أُقرت كعقوبة ضد كل من ينشر بيانات خاطئة حول العمليات العسكرية، ومكافحة الإرهاب عملت إلى حد كبير على تقليص حجم ما يُنشر من شائعات وأكاذيب بشأنها، ومع ذلك لم يفهم البعض الرسالة جيدا ومضى فى سبيله ينشر معلومات خاطئة تحت لافتة «حرية الرأى والتعبير».
واقعة اغتيال الباحث الإيطالى جوليو رجينى، كانت نموذجًا آخر جسد حالة الانهيار المهني، ووجدنا برامج تستضيف نشطاء يوجهون سهام الاتهام مباشرة إلى وزارة الداخلية ممثلة فى بعض رجال الشرطة المصرية، ومن باب الرأى والرأى الآخر، كان فى مواجهتهم خبراء أمنيون سابقون يدافعون عن وجهة نظر الدولة.
والسؤال: هل اتهام وزارة الداخلية فى حادثة كهذه يقع فى إطار الرأى أم المعلومة؟! هل من الجائز أن يقول أحدهم «من وجهة نظرى فلان قتل فلان»؟! 
هل من واجبى كصحفى أو سياسى أو حقوقى الدفاع عن حق الآخرين فى الإدلاء بمعلومات خاطئة.
ولأننا فى زمن غابت فيه البدهيات مضطر لأشرح الفارق بين الرأى والمعلومة؛ فلو أن هؤلاء النشطاء خرجوا على الشاشات يطرحون وجهة نظرهم فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، عارضين بدائل مدعومة بدراسات وأرقام واقعية يصبح من واجبى المهنى والسياسى بل والإنسانى الدفاع عن حقهم كاملا فى طرح آرائهم تلك، وكل ما علىّ استضافة من يؤيد البرنامج الاقتصادى للحكومة وعليه أن يدافع عن منطقية موقفه.
الخلط بين المعلومة والرأى ليست البدهية الوحيدة الغائبة فى الإعلام المصري؛ فهناك من يعرض موضوعات حسمها القانون للمناقشة، بل يستضيف من يدعو صراحة إلى مخالفة نصوص القانون باعتباره يمثل وجهة نظر ومن حقه التعبير عنها.
حدث هذا فى قضايا اجتماعية مثل زواج القاصرات، وفوجئنا بمن يطل علينا من الشاشات يطالب المجتمع بمخالفة النصوص الصريحة التى تجرم زواج البنت قبل سن الثامنة عشرة، بل ويعدد مزايا زواج القاصر وهى بنت الثانية عشرة، مستشهدا بتفاسير مغلوطة للنصوص الدينية.
ألا توجب دعوة كهذه حبس صاحبها لأنه يحرض على مخالفة القانون، ومحاسبة من سمح له بالظهور؟!
فى مهنتنا آفات كثيرة منها: عدم تمييز الصحفى بين جريمة السب والقذف ونشر معلومات ووثائق تفيد بفساد أحدهم؛ فمن البدهيات إذا حصل الصحفى على مستندات ووثائق تدين أحدهم لتقاضى رشوة أو استغلال نفوذ للتربح، من واجبه سرد ما ترويه تلك المستندات دون أن يصف الجريمة، وأن يكون حذرا فى استخدام مصطلحات مثل: «حصل على أموال بما يخالف القانون»، ذلك أن توصيف الجريمة من اختصاص النيابة العامة، أما فى حال نقل خبر الجريمة عن مصدر قضائى أو سلطات التحقيق المختصة؛ فيحق للصحفى نقل توصيف الجريمة بدقة كما ورد فى مذكرة اتهام النيابة.
لو أدرك الصحفيون هذا الفارق البسيط، لما كانت هناك جريمة سب وقذف واحدة، لكننا نعانى غيابا تاما لدورات تدريبية وتأهيلية تحدد المفاهيم والمصطلحات المهنية، تنظمها نقابة الصحفيين أو المؤسسات الصحفية، وكم من صحفيين صدرت ضدهم أحكام رغم صحة ما نشروه من وثائق ومستندات؟!
على ما يبدو أننا بحاجة أولا لخوض معركة الوعى لدى القائمين على صناعة الإعلام وكبار المسئولين، ولعل التغييرات المرتقبة فى الهيئات الإعلامية الثلاث، والمؤسسات الصحفية القومية، قد تأتى بمن يقدم نموذجا مهنيا لما ينبغى أن يكون عليه الإعلام المصرى.