الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العلاقات الفرنسية الإيرانية.. بين الردع والحذر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فرنسا لعبت دورًا بارزًا فى دعم طهران خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووى.. سياسة طهران العدائية تجاه المعارضة فى باريس وراء التحول الفرنسى فى التعاطى معها.. فرنسا ترى ضرورة كبح الطموح النووى الإيرانى بالحوار وليس بفرض العقوبات
تشهد العلاقات الفرنسية الإيرانية، حالة من التوتر، على خلفية استهداف طهران لاجتماع المعارضة الإيرانية فى باريس، فى يونيو ٢٠١٨، وعليه أعلنت باريس يوم ٣ أكتوبر أن وزارة الاستخبارات الإيرانية كانت وراء هذه العملية، الأمر الذى أدى إلى فرض عقوبات على أصول تابعة لأجهزة الاستخبارات الإيرانية، واثنين من الرعايا الإيرانيين. فيما شنت الشرطة الفرنسية مداهمات على مركز إسلامى شيعي، فى إشارة إلى ردع طهران عن التخطيط للتنفيذ أى عمل إرهابى يستهدف أمن فرنسا.
فى المقابل؛ دعت طهران إلى إجراء محادثات لتوضيح سوء الفهم، بشأن هذا الاعتداء، نافيةً المزاعم الموجهة لها، ومطالبة بالإفراج عن الدبلوماسى الإيراني، وذلك وفقًا لما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي». بينما أعطى الموساد لألمانيا وفرنسا وبلجيكا معلومات استخبارية، حول الهجوم الذى أدى إلى اعتقال خلية يرأسها دبلوماسى إيراني.

استهداف طهران للمعارضة فى باريس
كان من المخطط استهداف الاجتماع السنوى للمجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية، الذراع السياسية لجماعة «مجاهدى خلق»، التى صنفتها طهران كمنظمة إرهابية، الذى عقد فى منطقة «فيلبنت» بالعاصمة الفرنسية باريس؛ حيث يستقطب الاجتماع عددًا من السياسيين الأوروبيين والأمريكيين، الذين يمتلكون وجهات نظر متشددة تجاه طهران، مثل «رودى جولياني» أحد المحامين الشخصيين للرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، و«نيوت غينغريتش» وهو متحدث سابق فى الكونجرس الأمريكي.
وتم اكتشاف المخطط عندما قامت الشرطة البلجيكية فى ٣٠ يونيو، باعتقال زوجين إيرانيين فى بروكسل، يحملان أكثر من رطل من «TATP»، وهى مادة شديدة الانفجار محلية الصنع، فى سيارتهما. وزعمت السلطات فى بروكسل أن الزوجين كانا يخططان للانتقال إلى الاجتماع فى فيلبينت بفرنسا.
فى الوقت ذاته، ألقت الشرطة الألمانية القبض على الدبلوماسى الإيرانى «أسد الله أسدي»، أثناء عودته من لوكسمبورج، ويزعم المدعون أن «أسدي» أعطى القنبلة للزوجين فى لوكسمبورج. ولهذا أمرت محكمة ألمانية بتسليم «أسدي» إلى بلجيكا، لدحض المبررات الداعمة لعودته إلى طهران باعتباره مسئولا دبلوماسيا إيرانيا، ويتمتع بحصانة دبلوماسية.

المواجهة الفرنسية لنظام الملالي
لعبت فرنسا دورًا بارزًا فى دعم طهران، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وحاولت إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بعدم الانسحاب والدخول فى مفاوضات جديدة حول الاتفاق، وذلك بهدف دمج طهران فى النظام العالمي، والتزامها ببنود الاتفاق، وفقًا لقواعد القانون الدولى لكبح طموحها النووي، ومنعها من امتلاك السلاح النووي، إلا أن طهران نتيجة سياساتها العدائية الخارجية، تجاه قوى المعارضة المتواجدة فى باريس، ساهمت فى تحول السياسة الفرنسية فى التعاطى معها، تجسدت على النحو التالي:
١- على مستوى الخطاب؛ تحدث الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول التعامل مع طهران، لا بد أن يكون فى سياق الحوار والتعددية لأن الطريق الأحادى سيقود إلى النزاعات.
٢- التبادل الدبلوماسي؛ طالبت فرنسا من دبلوماسييها ومسئولى وزارة الخارجية تأجيل السفر إلى أجل غير مسمى، وذلك لعدم تعاون طهران مع التحقيقات حول عملية استهداف المعارضة الإيرانية التى تم إحباطها بالتعاون الأجهزة الفرنسية مع البلجيكية والألمانية، كما علقت باريس ترشيح السفير الجديد لها فى طهران، ولم ترد على ترشيحاتها لشغل مناصب دبلوماسية فى فرنسا.
٣- العقوبات الاقتصادية؛ جمدت فرنسا أصول وكالة المخابرات الإيرانية، ردًا على العملية الإرهابية الإيرانية على الأراضى الفرنسية، وسيطبق التجميد لمدة ستة أشهر على الأقل على اثنين من المسئولين- أسد الله أسدى وسعيد هاشمى مقدم- الذين تزعم السلطات الأوروبية أنهما ضالعان فى الهجوم المحبط، ومديرية الأمن الداخلى فى وزارة الاستخبارات الإيراني.
جاءت هذه الإجراءات لردع طهران عن سياساتها فى نفس الوقت الذى تريد باريس استمرار المحادثات حول البرنامج النووى الإيرانى؛ لأنه ذو أهمية خاصة لدى القيادة الفرنسية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاقية، وإعادة فرض العقوبات على طهران.
وفى هذا الصدد، استغلت الولايات المتحدة الأمريكية، وحليفها الاستراتيجى فى المنطقة «إسرائيل»، لحث القيادة الأوروبية على التخلى عن دعم الاتفاق النووي؛ مبررين ذلك بأن طهران لديها شبكة عمليات سرية واسعة تتعقب معارضى النظام على الأرضى الأوروبية.

تحديات استمرار علاقة فرنسا بإيران
تعد من أهم التحديات التى تمثل حجر عثرة فى مسيرة العلاقات الفرنسية الإيرانية، التى يحاول البلدان التعاطى معها بكفاءة وفعالية، بما يتوافق مع المصالح الوطنية للجانبين على النحو التالي:
تمركز المعارضة الإيرانية فى باريس: انتقدت طهران تواجد المعارضة الإيرانية فى باريس، وبخاصة منظمة «مجاهدى خلق» المُتواجدة فى العاصمة الفرنسية باريس، التى تسعى إلى حشد وتعبئة القوى الإقليمية والدولية للتصدى للأذرع الإيرانية فى الشرق الأوسط، لعودة الاستقرار والسلام إلى المنطقة، من خلال عقد عدد من الفعاليات والمؤتمرات الداعمة إلى إسقاط النظام الإيرانى وتغيره، وهو ما أشار إليه البيان الختامى للمؤتمر السنوى المنعقد فى ١ يوليو ٢٠١٧ فى باريس؛ حيث شارك فيه العديد من الشخصيات والقيادات من مختلف التوجهات السياسية تجسد فى حضور هيئات برلمانية وخبراء فى الأمن القومى والسياسة الخارجية من أمريكا الشمالية وأوروبا ومسئولين من الدول العربية والإسلامية.

الطموح النووى والصاروخي
أصبح البرنامج النووى الإيرانى مصدر تهديد للأمن والسلم العالميين، فما زالت فرنسا ترى أنه لا بد من كبح الطموح النووى الإيرانى من خلال الحوار وليس عبر فرض العقوبات لتكون رادعًا عن سياساتها. كما تتخوف باريس من البرامج الصاروخية الباليستية التى تمتلكها طهران، وتسعى إلى تطويرها، وبخاصة أنها تنعكس على الأمن والاستقرار فى منطقة الخليج العربى وتعد تهديدًا مباشرًا لها.
العقوبات الدولية على طهران
يتخوف الرئيس الفرنسى من استمرارية العقوبات الدولية المفروضة على طهران، بسبب برنامجها النووى الذى انعكس بشكل سلبى على العلاقات الاقتصادية والتبادل التجارى بين البلدين، والمصارف الكبرى والشركات الفرنسية التى تستثمر داخل طهران. فمن الواضح أن باريس ترغب فى الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة فى طهران لتعزيز تواجدها الاقتصادى والتجارى داخلها بالتوازى مع الحفاظ على حلفائها الغربيين والولايات المتحدة.
وبالفعل استفادت الشركات الفرنسية من رفع العقوبات عن طهران إبان الاتفاق النووى فى توقيع عدد كبير من العقود مثل شركة «إيرباص»، «بويغ»، «رينو»، إلا أن ثنائية المؤسسات الحاكمة، والمسيطرة على الاقتصاد، فى توفير التمويل اللازم بجانب التخوف من العقوبات الدولية، وقفت حائلا دون استمرار التعاون، فقد تم إلغاء عقد التعاون بين شركة «بويغ» للإنشاءات المكلفة بعمل بتوسيع مطار طهران بتكلفة تصل إلى ١.٢ مليار دولار. كما تأثرت الشركات الأوروبية بصفة عامة والفرنسية بشكل خاص، بعودة العقوبات الأمريكية على طهران بعد انسحاب «ترامب» منه.

الرغبة فى الهيمنة
انتقدت الخارجية الفرنسية التوجه الإيرانى نحو قضايا المنطقة العربية؛ حيث ندد «جان إيف لو دريان» فى نوفمبر٢٠١٧ بـ«نزعة الهيمنة» الإيرانية فى كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما رفضت باريس الدعم الإيرانى للحوثيين بشكل مباشر تجسد فى دعوة الخارجية الفرنسية طهران فى أعقاب الهجوم الصاروخى من قبل المتمردين الحوثيين على العاصمة السعودية الرياض فى ديسمبر ٢٠١٧، إلى «الاحترام الكامل لكل بنود القرار الدولى رقم (٢٢٣١)» الذى يحظر على إيران تصدير أى سلاح لأية جهة خارجية.
ختامًا؛ تتميز العلاقات الفرنسية الإيرانية بتحولات جيواستراتيجية، تكاد تعصف باستمراريتها فى كثير من الأحيان، إلا أن القيادة الفرنسية ما زالت حريصة بشكل حذر على استمرارية العلاقات، للوصول إلى تسوية سلمية فيما يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى من خلال المحادثات بعيدًا عن نهج العقوبات الدولية. فقد أصحبنا فى عالم متعدد القوى على المستويين الدولى والإقليمى، ولا يمكن عزل طهران بعيدًا عن هذا النظام كما يريد الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».