الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الجلسات العرفية" وسيلة الهروب من روتين المحاكم (ملف)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اقترنت الجلسات العرفية خلال السنوات الأخيرة، بقضايا فرض الغرامات المالية الضخمة، وتهجير الأُسر وتغريبها من محل إقامتها، فضلًا عن الفصل فى بعض النزاعات الطائفية، خاصة فى الأرياف، وهو ما جعلها فى مرمى الانتقادات باعتبارها أداة للظلم وإطلاق الأحكام بعيدًا عن دولة القانون والدستور. وانقسمت الآراء حول المجالس العرفية إلى وجهتين، الأولى تراها وسيلة لإرساء ثقافة التصالح والمودة فى المجتمع، مؤكدين أنها مصدر من مصادر التشريع، وأحد أساليب التعايش المُشترك فى الدولة، كما أنها ظلت كوسيلة ناجحة فى التحكيم بين الخصوم.
فى حين يراها الطرف الآخر تحديًا صارخًا لدولة القانون والدستور، مؤكدين أن الحكم العرفى ليس له تأصيل فى القانون المصرى الحديث، وأنها تُعمق من حجم المُشكلات والخصومات خاصة الطائفية منها.
«القاضى العرفى».. سيد قراره بالمحافظات
عبدالعظيم العقبى: نظافة اليد والقلب شرط «المحكم العرفى» ولا بد أن يكون «مدرسة وفاهم».. وربيع السنوسى: الأحكام تبتعد عن حكم العين بالعين ولا تقبل بالقتل.. والشيخ محمد الدريملى: «العمار والمعاودة» لنزع فتيل الخلاف.. ومحسن داوود: النسخة المصرية للتحكيم الدولي.. ومدراء أمن ومحافظون يحضرون بعضها.
انتشرت الجلسات العرفية لحل النزاعات المختلفة بين الأفراد والعائلات بالمحافظات، ويصدر المحكمون فيها أحكامًا نافذة وملزمة لجميع أطراف الخلاف، تصل إلى غرامات مالية كبيرة، أو التهجير والتغريب فى بعض النزاعات الشائكة. 
وكشف الشيخ محمد الدريملي، كبير محكمين عرفيين، عن أن الجلسة العرفية عبارة عن فض نزاع بين طرفين متشاحنين، إما بسبب أرض أو عِرض أو قتل أو مال.
وأضاف: «نجمع الطرفين لنصلح بينهما تحت لافتة إن «الآخرة خير وأبقى»، ثم نأخذ مواثيق «عمار» لضمان عدم تعرض طرف لآخر خلال فترة معينة، ولحين العودة لإقامة جلسة عرفية يُدلى فيها كل طرف بدلوه، ثم نخرج من الجلسة بحكم صائب يرضى الله ورسوله».
طرق اختيار المحكمين
ويوضح «الدريملي» أن تكوين المجلس يبدأ من مجموعة من «أهل الخير» بالذهاب إلى طرفى المشكلة لنزع فتيل الصراع، مؤقتًا من خلال التوقيع على شرط «العمار والمعاودة» ثم الاتفاق على اختيار المحكمين وراعى البيت.
ويُتابع كبير المحكمين العرفيين: أن «المعاودة» تكون مشروطة بمبلغ مالى ضخم حتى لا يتعرض طرف لآخر خلال فترة محددة تتراوح بين أسبوع إلى شهر، ويوقع عليها ممثل لكل من طرفى النزاع، ومن المعروف مُنذ عشرات السنين فى تكوين الجلسات العرفية أن هيئة التحكيم تكون عددًا فرديًا، تبدأ من القاضى الوحيد حتى ١٣ مُحكمًا، حيث يختار طرفا النزاع ما يرتضونه من محكمين، فيما يتفق الطرفان على اختيار راعى البيت أو ما يُسمى «مُرجح الحكم». 
ويضيف، قبل بدء الجلسة العرفية يطرح المحكمون والمُرجح الصُلح الأبيض على طرفى النزاع، وهو أن يعتذر الطرفان لبعضهما ويتصالحان دون الدخول فى تفاصيل، وفى حالة رفضهما للصلح الأبيض يتم تحرير محضر الجلسة العرفية، الذى يُثبت فيه التاريخ والحضور وما آل إليه النزاع بين الطرفين من أضرار وخسائر مادية أو فى الأرواح، لتبدأ بعدها مرحلة سرد الحجج. 
ويُقول «الدريملي»: بعد سماع الحُجج، وتسجيل أهمها فى محضر الجلسة، يدخل المحكمون والمُرجح إلى «المخلاوية»، وهى عبارة عن غرفة المداولة لهيئة التحكيم، وذلك لسماع الشهود، كُل على حدة، وبعيدًا عن طرفى النزاع، لتكون شهادتهم سرًا، وبناءً على شهادة الشهود وسرد الحُجج يبدأ المحكمون فى النقاش معًا لمدة قد تصل إلى ٥ ساعات حتى يخرج حكمًا عادلًا يُرضى جميع الأطراف.
شُبهات فى المحكمين
ويُشير كبير المحكمين العرفيين إلى أزمة مُنتشرة بكثرة مؤخرًا فى الجلسات العرفية فى مصر، وهى اعتماد بعضها على مُحكمين أو مصلحين غير مشهود لهم بالصلاح.
وأوضح: أصبح بينهم السارق وشارب الخمر، وغالبًا هؤلاء من يتسببون فى أحكام لا تليق بموروث الحكم العرفى، لأن بعضهم قد يسعى إلى المقابل المادى بالرغم من أن الجلسات العرفية دون مُقابل. 
فيما يقول ربيع السنوسي، مُحكم عرفى، إن أحكام الجلسة العرفية تبتعد عن حكم العين بالعين، لأن التحكيم العرفى لا يقبل أن يُقتل القاتل، لتسير هيئة التحكيم فى ثلاث طُرق أخرى، وهى الحق المالى «الدية»، أو الحق المعنوى الذى يحفظ لأحد طرفى النزاع كرامته «القودة»، أو التغريب حيث يُغرب القاتل فقط، وليست العائلة بالكامل، خارج الحى أو المنطقة، تجنبًا للاحتكاك.
ويُشير «السنوسي»، إلى أن إيصالات الأمانة، على بياض أو بمبالع مالية ضخمة، هى حجر الأساس الذى تعتمد عليه المجالس العرفية لتنفيذ أحكامها، حيث إنه فى حالة إخلال أحد الأطراف بتنفيذ الحكم يتم تحرير محضر بتلك الإيصالات واتخاذ دورتها فى القضاء، لتنتهى بالسجن ٧ أعوام على الأقل، للطرف الرافض لتنفيذ الحكم.
شروط قاضى التحكيم 
ويقول عبدالعظيم العقبى، مُحكم عرفى، إن هناك ٤ تخصصات للقضاء العرفى، وهى العِرض والعار الذى يحكم فى أمور النساء، و«منقع الدم» الذى يفصل فى الخلافات التى أدت إلى وقوع ضحايا، والأرض والمال، فيما يكون التخصص الرابع من القضاء العرفى متمثلًا فى قضايا الجروح والإصابات، مؤكدًا أن الخبرة تجعل بعض المحكمين العرفيين متخصصين فى الفصل فى الأنواع الأربعة. 
ويوضح «العقبي»، أن اختيار المحكمين والمُرجح يستند إلى مجموعة شروط مُتعارف عليها على رأسها؛ الرزانة والصلاحية والكفاءة والدين، فضلًا عن كونه نظيف اليد والقلب، كما لا بد أن يكون أهل أمانة، لأنه يؤتمن على أعراض الناس وأموالهم وأماناتهم، وأيضًا أن يكون «مَدرسة وفاهم» فى أحكام العرض والدم والجروح والمال.
وضع الدّية 
وفيما يخُص أحكام المجالس العرفية، يُشير «العقبي» إلى أن وقائع قضايا القتل «منقع الدم»، يكون الحكم فيها دية حسبما نص عليها القرآن، وفتاوى مأخوذة عن الأزهر، وهى عبارة عن ١٠٠ ناقة، أى ما يُعادل حاليًا حوالى ٤ كيلو و٢٥٠ جرام ذهب عيار ٢١، وهو ما يُقارب ١.٨ مليون جنيه بسعر السوق الحالي. 
ويُضيف «العقبي»: فى حالة إن كان بين طرفى النزاع، الذى أدى إلى وقوع قتيل، صلة قرابة قوية، فنتبع القاعدة؛ «ولا تنسوا الفضل بينكم»، والفضل هُنا يكون ٣٧ كيلو و٢٥٠ جرام فضة عيار ١٠٠٠ بالسعر الحالى، أى مبلغ يتراوح بين ٦٠٠ و٨٠٠ ألف جنيه، وفى كل الحالات؛ إذا رفض الأطراف الدية يكون طريق الحكم الوحيد هو «القودة» أو ما يُعرف بتقديم «الكفن الأبيض». 
ويُتابع «العقبي»: أما نزاعات الجروح فيُقدر فيها التغريم بـ١٠٠٠ جنيها لـلغرزة «الرُزبة» الواحدة إن كانت فى الرأس أو الجسد، أما إذا كانت فى الوجه فتكون الغرامة ٤ آلاف جنيه، وبالنسبة لقضايا السيدات «العار» فنحتكم فيها إلى التغريم حسب التخريب، وإن كان وَقَع فى حق السيدة جُرم فى حدود حرمة المنزل فيكون حقها أربع أضعاف بدلًا من النصف.
وينوّه «العقبى» إلى أن أكثر القضايا التى يدخل فيها التحكيم العرفى لحل النزاع والوصول إلى التصالح بين الطرفين، هى قضايا «منقع الدم» والتى انتشرت بصورة كبيرة عقب ثورة ٢٥ يناير بسبب الانفلات الأمنى الذى أعقب الثورة.
النسخة المصرية 
وأوضح محسن داوود، محكم عرفى، أن الحكم العرفى فى مصر لا يتعارض مع الشرع أو القانون، وأضحى مُنذ عقود جزءًا تشريعيًا مهمًا فى القانون والدستور المصرى، وما زال معمولًا به بقوة بين القبائل فى الأرياف لحل النزاعات، كما أصبح له وجود داخل القاهرة وحلوان والجيزة، بعدما لجأ إليه الكثيرون لحل مشكلاتهم.
وردًا على من يرون الجلسات العرفية عودة لأيام الجاهلية، يقول «داوود» إن الحكم العرفى بمثابة النسخة المصرية للتحكيم الدولى قائلا: «هو ابن للتحكيم الدولى». وتابع أن أهم أدوات التحكيم الدولى ؛ المشارطة واختيار المحكمين والمُرجح، وهى نفس أدوات التحكيم العرفى، الذى يعتمد أيضًا على الحُجج والمستندات المقدمة وشهادة الشهود.
ويُضيف داوود: الجلسات العرفية ناجزة، وتخفف من الأعباء الملقاة على عاتق وزارتى الداخلية والعدل، كما أنها تُصلح بين العائلات للرجوع كأشقاء وجيران، لكن لا يمكننا أن ننكر أن بعض الأحكام العرفية تكون غير واقعية، كما أن بعض الأحكام، التى يرفضها الكثير من المنتقدين للجلسات العرفية، تكون فى ظاهرها قوية جدًا، وفى باطنها الرحمة، لحقن الدماء وتكرار الثأر.
ويُشير «داوود» إلى أن الحكومة تُساند الجلسات العرفية، بدليل حضور مدراء أمن ومحافظين لبعضها، وأن حُكمها تعتمد عليه الشرطة كمسوغ قانونى، ويُعتبر نافذًا فى القضاء خلال ٤٠ يومًا وبات تمامًا.
قانونيون: ليس لها تأصيل فى فلسفة القانون
رئيس محكمة سابق: تشكيل لجان فض المنازعات بأقسام الشرطة حل أمثل.. وفؤاد عبدالنبي: «التهجير والتغريب» اعتداء صارخ على الدستور.. وشوقى السيد: لابد ألا يتخطى دورها إرساء ثقافة التصالح والتسامح

أدى قلة عدد القضاة والمحاكم أمام أرقام القضايا الضخمة سنويًا، إلى اعتبار الجلسات العرفية واقعًا للفصل فى الكثير من تلك القضايا.
وتقول الأرقام إن هناك حوالى ٣٢ ألف قاضِ ونحو ٧ آلاف محكمة تَفصل بين ٣٠ مليون مواطن فى أكثر من ٥ ملايين قضية مدنية، وحوالى ١٣ مليونًا و٥٠٠ ألف دعوى جنائية، فضلًا عن أن محاكم الأُسرة تستقبل حوالى مليون و٥٠٠ ألف دعوى سنويًا. 
ويقول المستشار رفعت السعيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، إن الجلسات العرفية ليس لها تأصيل فى فلسفة القانون المصري، وبالتالى لا يعتمد المسوغ العرفى للأحكام العرفية، فقط تلجأ إليه فى بعض حالات الصُلح الودى حينما يتم طرح تساؤل؛ كيف تم الصُلح بين المتنازعين؟
ويُضيف «السعيد»، أن تشكيل لجان مصالحات داخل أقسام الشرطة، تعمل تحت مظلة وتنظيم ورعاية الدولة، حلًا أمثل وبديلًا عن وجود القضاء العرفى، خاصة أنه يوفر وقتًا وجهدًا وتكاليف سواء للشرطة أو الجماهير.
ويوضح السعيد: تباطؤ دورة صدور الأحكام فضلًا عن زيادة مصاريف التقاضى تدفع بعض المواطنين إلى طرق أبواب المجالس العرفية لفض صراعات قبلية وأحيانًا طائفية، لكن فى المُقابل تصدر أحكام تتعارض مع دولة القانون، لذا لابد من تشكيل لجنة لفض المنازعات داخل مراكز الشرطة تكون بديلًا لتلك المجالس وتعمل تحت مظلة القانون، وهو ما يسهم فى تحقيق العدالة الشعبية والناجزة فى بعض النزاعات.
بينما يؤكد الدكتور فؤاد عبدالنبي، الفقيه الدستوري، أن الحكم العُرفى له تأصيل فى القانون المصري، حيث إن قوانين أحكام الأسرة، فى حالة خلاف الزوج مع زوجته، استندت إلى النص القرآنى؛ «حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها»، كما أن العُرف يُعد من مصادر القاعدة القانونية ويُعتبر مُلزمًا بشرط أن يتوافر فيه مجموعة من الشروط.
ويُضيف «عبدالنبي»: لابد ألا تتعارض القاعدة المعمول بها فى الحكم العُرفى مع نص تشريعى فى القانون أو الدستور، ويجب أن تكون تلك القاعدة قديمة ومُستمرة وعامة وتنال احترام الأطراف المتنازعة وإلا أصبح الحكم العرفى مُخالفًا للنظام العام والدستور والقانون.
ويُشير «عبدالنبي»، إلى أن أحكام المجالس العرفية التى تنص على تهجير وتغريب، تعد اعتداء صارخًا على الدستور والقانون، حيث إن المادة ٦٣ من الدستور حظرت التهجير بكل صوره وأشكاله وصنفته كجريمة لا تسقط بالتقادم، كما أن تلك الأحكام تتعارض مع المادة ٦٢ من الدستور التى تنص على أن حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة للجميع.
فيما ينفى الفقيه الدستوري، شوقى السيد، أن يكون للجلسات العرفية تأصيلًا فى القانون المصري، موضحًا أنها مُجرد وسيلة لإرساء ثقافة التصالح والتسوية الودية داخل المجتمع، وأنه فى حالة إن صدر عنها أحكام تصل حد التهجير لأُسر من مقر إقامتهم فإنها بذلك تتعارض مع الدستور والقانون. 
ويُتابع السيد: بعض أحكام المجالس العرفية، كالتغريم والتغريب، يكون المسئول عنها هيئة المجلس العرفى، وفى حالة إصدار مثل تلك الأحكام لابد أن يتم رفضها من قِبل طرفى النزاع وعدم الاعتداد بها نهائًيا كونها انتهاكًا لدولة القانون، حيث إن الجلسات العرفية لا بد ألا تتخطى دورها كوسيلة لإرساء ثقافة التصالح والتسامح بين المتخاصمين.

برلمانيون: ليست بديلًا عن المحاكم ودورها الصلح فى الشأن العائلى
نادية هنرى: تمثل تحديًا لسيادة الدستور.. وانتهاكًا صريحًا لقوانين الدولة.. ومحمد الكومى: تشجع على الفوضى أحيانًا
عقب ثورة ٢٥ يناير، كانت الجلسات العرفية بطلة للفصل فى الكثير من الأحداث الطائفية، ووفقًا لتقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن الجلسة العرفية كانت وسيطًا فى فض نزاع ٤٥ حادثًا طائفيًا مُنذ اندلاع الثورة، وحتى نهاية ٢٠١٤ وهو الأمر الذى يُعمق من حجم الأزمة.

وتقول نادية هنري، عضو مجلس النواب، إن المجالس العرفية لابد ألا يتعدى دورها فى الإصلاح بين العائلات أو المواطنين فى المُشكلات البسيطة، رافضةً أن يكون للحكم العرفى دور موازِ للقانون، كون ذلك يُعد تحديًا لسيادة الدستور والقانون المصري.
وأضافت: خلال الفترة الأخيرة شكلت الجلسات العرفية انتهاكًا صريحًا على قوانين الدولة وتحولت أحكامها إلى جرائم تنتهك القانون والدستور، ما يُعتبر أمرًا مرفوضًا ويُعمق من تنامى الفوضى والجرائم فى مصر.
وتابعت: هناك قانون يجب الالتزام به وتطبيقه على كُل من يعتدى على حق الآخر، لكنه من الممكن أن تتولى الجلسات العرفية إعادة العلاقات المحمودة بين أطراف النزاع؛ من احترام ووّد وتفهم واعتراف بالخطأ».

وقال محمد الكومي، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن دور المجالس العرفية محمود إذا جاء مُكملًا لدور القانون وليس بديلًا عنه، حيث لا يمكن أن تحل المجالس العرفية محل دولة القانون، خاصة وأن هناك دولًا انهارت بعدما طغى فيها الحكم العرفى الذى يشجع الفوضى كأفغانستان وليبيا.
ويُتابع «الكومي»: «نعارض تمامًا أحكام التهجير والتغريب التى تصدر عن المجالس العرفية فى مصر، ولا يمكن أيضًا أن نقبل مثلًا حكمًا لجلسة عرفية يقضى بذبح شخص، لذا فإن جرائم القتل وغيرها من الجرائم الشائكة لابد أن تتولاها الشرطة والمحاكم للفصل فيها، ولكن نُقيم جلسة عُرفية بعد إصدار الأحكام القضائية العادية فى تلك القضايا لتصفية النفوس بين أطراف النزاع وحتى لا تتكرر أو نصل إلى جرائم قتل أخرى.

خبراء اجتماع: تلغى دولة القانون وعودة لعهود التخلف
سعيد صادق: على الدولة عقاب القائمين عليها.. ولا يمكن قبول طرد وتهجير أشخاص من أماكنهم.. وهالة منصور: «مجلس العائلة المصرية» بديل لحل النزاعات الطائفية بعيدًا عن الأقسام والشرطة والمحاكم
رفض خبراء اجتماع، فكرة وجود جلسات عرفية لفض النزاعات، وقالوا إنها وسيلة لإلغاء دولة القانون فى مصر وطريقة للعودة لعهود التخلف والجاهلية.

وقال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن وجود الجلسات العرفية حتى الآن فى مصر ونمو دورها فى بعض المناطق الريفية يُعد شكلًا من أشكال التخلف الاجتماعي، مؤكدًا على ضرورة سعى الدولة إلى فرض عقوبات على القائمين على تلك المجالس لردعهم ليسود القانون على الجميع.
ويلفّت «صادق» إلى أنه لا يمكن قبول طرد وتهجير أشخاص من أماكنهم نتيجة لحكم جلسة عرفية، أو أن نترك للحكم العرفى التدخل فى حل نزاعات طائفية كما يحدث، فيعمق من الأزمة، وأنه من المفترض أن يكون هناك نظام قضائى واحد فى الدولة الحديثة، لذلك لابد أن تسعى الحكومة إلى رفع المستوى الثقافى لتلك الفئة بدلًا من أن تدنو إليها.

وأوضحت الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن المجالس العرفية خلقتها مرجعية العتاب بين العائلات وترتبط بالبيئة القبلية والريفية، التى تعتبرها وسيلة أساسية لحل المشكلات عن طريق الاستناد إلى أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والموضوعية ومدركين للأعراف والتقاليد، بعيدًا عن الأقسام والشرطة والمحاكم، الذين يمثلون مرحلة متأخرة فى فض النزاعات داخل تلك البيئات.
وتابعت منصور: أحيانًا يكون التحكيم العُرفى شفويًا، وهو أن يلتزم أطراف النزاع شفاهية بما وصل إليه المحكمون من عقوبات على الطرف المُخطىء والمتسبب فى نزع فتيل الأزمة، وأيضًا الالتزام بتعويض الطرف صاحب الحق، كما يأتى التحكيم العرفى الموثق، الذى يقوم فيه طرفا النزاع بالتوقيع على شروط قبل بدء الجلسة العرفية مع وجود ضمانات للالتزام بالتنفيذ.
وتُكمل: كلها مراحل تسبق مرحلة الوصول إلى الشرطة أو المحكمة فى البيئات البسيطة، التى تحكمها القبلية، باعتبار أن اللجوء إلى المحاكم أو الشرطة أو المؤسسات الرسمية فى الدولة لفض نزاع نوعًا من التخطى للأصول والعُرف فى بيئتهم. 
وفيما يخص تَدخل الجلسات العرفية لإنهاء نزاعات طائفية، ما قد يتسبب فى إلحاق أضرار بأحد الطرفين بسبب التحيز الدينى، تُشير «منصور» إلى أن الدولة تحاول التغلب على ذلك من خلال؛ إنشاء «مجلس العائلة المصرية»، الذى يضم مسيحيين ومسلمين، بحيث أن تكون جميع الأطراف متمثلة ويكون شكليًا شبيهًا بجلسات الحكم العرفي.