الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الست هــانــم المـوظفـــة.. بالآثار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى يوم الجمعة الماضي، كنت فى زيارة إلى الأهرامات، وفى أثناء شرائى تذكرة الدخول، إذ بى أُشاهد موقفًا غريبًا عجيبًا من الموظفة التى تبيع التذاكر للجمهور مع قائد وَفْدٍ لطلاب كانوا قد قَدِموا من إحدى الدول لزيارة الأهرامات.. فقد رأيتُ قائد الوفد يبرز للموظفة بطاقات التعريف بالطلاب؛ كى يشترى لهم التذكرة بنصف الثمن الذى تُباع به للأجنبي، ولكن الموظفة رفضت وقالت له: إن هذه البطاقات منتهية.
حاول قائد الوفد مرارًا وتكرارًا أن يثبت لها أن هذه البطاقات سارية، وأن هؤلاء بالفعل طلاب، ولكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل الذريع؛ فوجدت لزامًا عليَّ أن أتدخَّل من أجل حل هذه المشكلة، فطلبت من قائد الوفد أن أنظر فى هذه البطاقات، فوجدت البطاقات مكتوبة باللغة الإنجليزية، وأن تاريخ إصدارها هو سبتمبر 2016، ومكتوب عليها عبارة بالإنجليزية تفيد بأن «هذه البطاقة سارية لمدة أربع سنوات من تاريخ صدورها».
ولما حاولتُ أنا كذلك أن أقنعها بأن هذه البطاقات ليست منتهية، وأنها سارية حتى عام 2020، ما نِلْت منها سوى التوبيخ؛ لأننى أتدخَّل فى عملها الذى تفهم فيه أكثر من أى شيء، وأكثر من أى إنسان على سطح الكوكب، قلت لها: لا بأس سوف أذهب إلى مفتش الآثار الموجود كى يتصرف؛ فارتفع صوتها وألقت بالبطاقات فى وجهي، وقالت: عليك أن تذهب أيضًا إلى الضابط مسئول الأمن، وإلى رئيس المنطقة، فأنا لا أخشى إلا اللـه، مع «وصلة ردح» بَيَّنَت لى فيها تاريخها الوطنى المشرف، وكيف أنها أفنت حياتها فى خدمة هذا البلد.
تركتها وذهبت مع قائد الوفد إلى مفتش الآثار الذى يرأسها، وقد تفهَّم الموقف جيدًا وأقرَّ بأن هذه البطاقات لا تزال سارية، ثم ذهب إليها كى يشترى لهم التذاكر، فإذ بها تُصِرُّ على موقفها بأن هذه البطاقات منتهية، وترفض بيع التذاكر بحجة أن هذه أموالا للدولة، حرام عليها أن تبدِّدها، وكأنها سوف تُخرج من الخزينة ثمن هذه التذاكر وليس العكس.
أقوم مرة ثانية باصطحاب قائد الوفد، وكذلك مفتش الآثار إلى الضابط المسئول الذى يتفهَّم بدوره الأمر، ويذهب معنا إليها ولكنها ترفض كذلك، وظللت على هذا النحو أذهب إليها مصطحبًا معى من رؤسائها مَن يحاول أن يُفْهِمَها، حوالى خمس أو ست مرات، وفى كل مرة كنت أعود بخُفَّيْ حُنين.
وبعدما «غلب حمارنا» قال لى المسئولون: حرر مذكرة اشرح فيها الموضوع، وأثبت فيها أنها تمتنع عن العمل، فقلت لهم: وماذا بعد؟ قالوا: سوف يتم التحقيق معها، قلت لهم: «موت يا حمار»، يا سادة هناك وفد يقف بالخارج ينتظر، وهذا دَخْلٌ لخزينة الدولة ينبغى ألا نخسره، إننى سوف أحرر مذكرة لرائد الوفد كى يقدمها إلى السفارة التى يَتْبَعُونها، وكذلك سأحرر محضرًا لدى ضابط الأمن بالواقعة، وحينما علمت الموظفة بذلك سلَّمت بأن البطاقات سارية، وكأن الفهم والعلم قد نزلا عليها فجأة!! ولكن كل هذا كان بعد أن مُنع الوفد من الدخول وظل منتظرًا ما يقرب من ساعة ونصف الساعة؛ لأن الهانم الموظفة لا تريد أن تفهم.
وإننى أتساءل، كيف ننادى ليل نهار فى مختلف الوسائل الإعلامية والمحافل الدولية بعودة السياحة إلى بلدنا، وموظفة بهذه العقلية تجلس فى هذا المكان؟ المشكلة ليست فى كونها لا تعرف الإنجليزية، ولكن المشكلة فى أنها لم تستجب لكل محاولات الإقناع كبرًا منها وتعنتًا، ولنفترض أنها لم تستجب فى النهاية، ماذا كان سيحدث؟ أكان على الوفد أن يعود من حيث أتى، خاصة وأننى لم أجد بديلًا عنها كى يقوم هو ببيع التذاكر، ومن ثم نخسر مقابل بيع هذه التذاكر حتى لو كان النصف؟! هل هذه هى الصورة التى ينبغى أن نصدرها إلى الخارج؟!
وإذا كان هذا فى مجال السياحة والآثار، فإن الأمر لن يَبْعُد عن ذلك فى كل المجالات الأخرى، الصحة والتعليم والنقل وغيرها، فأين ما نسمعه كل يوم ونقرأه من تصريحات للمسئولين بأنه تم التخطيط لكذا وتم تنفيذ كذا، وتم كذا وكذا، وتعهدات هنا وهناك، وأن عجلة الإصلاح والتطوير لا تتوقف، وأنها قطار يدهس من يقف أمامه؟! ولكن فى الحقيقة يبقى كل هذا مجرد تصريحات، تصريحات فقط، لا يُنَفَّذ منها شيء فى أرض الواقع، فالتصريحات فى وادٍ والواقع فى وادٍ مختلف.
نحن نحتاج إلى تطوير حقيقي، نحتاج إلى تغيير فى العقول، تغيير فى الفكر، نحتاج إلى مسئولين يفعلون ما يقولون، وألا تقتصر المسئولية على مجموعة من التصريحات الجوفاء، وفى اعتقادى أن سبيلنا إلى هذا هو التعليم، والتعليم فقط، التعليم المبنى على الفهم والوعى لا على الحفظ والتلقين.