الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

إخوان موريتانيا.. متطرفون يرتدون رابطات العنق.. والحزب الحاكم: التنظيم أخطر من إسرائيل على المنطقة العربية.. والرئيس السابق استخدم الإسلاميين واليساريين لتحجيم نفوذ المؤسسات الأمنية والعسكرية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يرتبط تنظيم الإخوان بفكرة «أستاذية العالم»، لذا عملت الجماعة منذ تأسيسها عام 1928 على تصدير فكرها إلى محيطها العربى والإسلامى وصولًا إلى الانتشار الدولي. وقد أفرزت الانتخابات التى شهدتها موريتانيا فى سبتمبر الماضى، واقعًا جديدًا بالنسبة لمستقبل الإخوان هناك.

ورغم تمكن الحزب الحاكم الذى يترأسه رئيس الجمهورية «محمد ولد عبدالعزيز» من الفوز بالأغلبية فى المجلس التشريعى والمجالس البلدية والجهوية، إلا أن هذه الانتخابات أبرزت خطابًا عدائيًا متصاعدًا من الحكومة الموريتانية تجاه تيار الإخوان؛ حيث أطلق «ولد عبدالعزيز» العديد من التصريحات ضد التنظيم؛ إذ اتهمه بالراديكالية والتطرف، بل وصل الأمر حد اعتباره أخطر من إسرائيل على المنطقة العربية.
تعالى نفوذ الإسلاميين واليساريين فى موريتانيا بعد محاولات الرئيس الموريتانى السابق «محمد ولد الشيخ عبد الله» الذى قام بتوظيفهم سياسيًا بغرض تجاوز نفوذ المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن برزت محاولات الفشل نتيجة سطوة هذه المؤسسات وسيطرتها على القبائل الموريتانية، وكذلك سيطرتها على الأغلبية النيابية، وانتهى الأمر فى الأخير إلى الإطاحة بالرئيس «ولد عبدالله»، وتراجع مشروع الإسلام السياسى الذى بدا «ولد عبدالله» معتمدًا عليه للقضاء على مراكز القوى فى السياسة الموريتانية.

الخريطة التنظيمية للإخوان
تعمل أنشطة التنظيم فى موريتانيا من خلال العديد من المؤسسات الاقتصادية، والخيرية، والدعوية، والدعائية إضافة إلى ذراعهم السياسى المتمثل فى حزب تواصل. وسنحاول فيما يلى تفكيك هذه الخريطة، والبحث فى علاقاتهم المتشابكة.
العمل السياسي؛ بدأت التيارات الإسلامية فى موريتانيا مع تأسيس حركة الإصلاحيين الوسطيين فى منتصف السبعينيات، وظهرت الجماعة الإسلامية كأول تنظيم للتيار الإسلامى عام ١٩٧٨؛ وخرجت من رحم المساجد، وتطور التنظيم حتى تم تأسيس تنظيم حاسم عام ١٩٩٠، ثم حزب الأمة، وأخيرًا حزب تواصل الذى تم إشهاره فى أغسطس عام ٢٠٠٧.
وتأسس الحزب بعد فشل تيار الإسلام السياسى فى العقود الماضية فى الحصول على الشرعية الحزبية، ليصبح بذلك حزبًا معترفًا به من طرف الدولة فى ضوء التحولات السياسية والاجتماعية التى شهدتها موريتانيا مطلع القرن الحادى والعشرين. ويستند الحزب فى عمله السياسى على المساجد، واستغلال التوجه الدينى والصوفى الغالب فى مناطق وولايات موريتانيا، بالإضافة إلى الاستفادة من أخطاء النظام فى مجالات السياسة والاقتصاد والتى تتعلق بمعايش واحتياجات الشعب الموريتانى اليومية.
النشاط الاقتصادي؛ يرصد المتابعون والمحللون أنشطة تيار الإخوان الاقتصادية فى موريتانيا؛ وتتهمه الدوائر الحكومية بالحصول على تمويلات خارجية تحت مسميات دعم النشاط الأهلى وعمل المجتمع المدني. ويسيطر التنظيم على ميزانيات ضخمة ترتبط بالعديد من المجالات التجارية مثل الاستثمار فى إنتاج وبيع الأدوية، ومحطات البنزين، ومحلات بيع الملابس والمواد الغذائية ووكالات بيع وتأجير السيارات، إضافة إلى مراكز بيع العملات الأجنبية.
٣- المنظومة الدعائية؛ تتهم الحكومة الموريتانية الآلة الإعلامية التابعة للتنظيم ببث الشائعات والأكاذيب لتمرير مشاريعها السياسية، لذا يعتبر التنظيم المنظومة الإعلامية أحد أهم الأسلحة التى يمكن أن يتكئ عليها لمواجهة السياسات الحكومية المضادة لأنشطته، ويسيطر الحزب على عددٍ كبير من المنصات الإلكترونية والصحف مثل الأخبار، والسراج. وتتبنى هذه المنصات والأبواق الإعلامية سياسة معادية لنظام الرئيس الموريتانى الحالى «ولد عبدالعزيز» مما يعتبره البعض سببًا مهمًا فى تأجيج الحرب الكلامية الدائرة رحاها بين الجانبين منذ شهورٍ قليلة.
النشاط الخيرى والاجتماعي؛ تتهم الحكومة الموريتانية التنظيم بمحاولة استغلال التراخيص الممنوحة للجمعيات والتنظيمات الخيرية التابعة له لتسهيل الحصول على المساعدات والتمويلات الخارجية بهدف دعم أجندته السياسية. ويعتمد الحزب فى دعم هذه الأنشطة على جمعية المستقبل للدعوة والتربية والثقافة، والتى تمثل الذراع الاجتماعى والخيرى للحزب.
النشاط الديني؛ تعتمد حركة الإخوان فى موريتانيا على مركز تكوين العلماء لإعداد الكوادر من العلماء الدينيين. وتتهم الحكومة الموريتانية المركز الذى يترأسه القيادى الإخوانى «ولد الددو» عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين ببث خطابات الكراهية والفكر المتطرف، وتعتبر الحكومة أن الإخوان يقومون بتوظيفه لاستقطاب أعضاء جدد والترويج لأفكار الحركة بين الجماهير. وفى المقابل، ينفى تنظيم الإخوان أى دور سياسى للمركز؛ إذ يعتبرونه صرحًا تعليميًا عالميًا يسعى إلى إعداد العلماء المؤهلين لاستيعاب إشكاليات الواقع وتقديم حلول شرعية فيما تُصر الحكومة الموريتانية على أن التنظيم وأذرعه السياسية تستغل المركز للاستفادة من أنشطته والمصادر التمويلية التى يوفرها، بل واتخاذه واجهة علمية لأنشطتهم الدينية والسياسية.

حزب تواصل
يُعتبر الإسلاميون فى موريتانيا صداعًا كبيرًا فى رأس السياسة الموريتانية؛ ويمثل حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارضة المتشددة فى وجه الرئيس الموريتانى «ولد عبدالعزيز»؛ حيث يعتبره الرئيس الموريتانى معول هدم فى تغذية أزمات الشارع الموريتاني، ومن بين الأزمات التى افتعلها الحزب انسحاب أعضائه الممثلين فى البرلمان من جلسة التصديق على النشيد الوطنى الموريتاني، إضافة إلى رفضهم التعديلات الدستورية التى جرت عام ٢٠١٧، وترتب عليها إجراء الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية.
من ناحيةٍ أخرى، دافع أعضاء حزب تواصل عن مجلس الشيوخ الذى تم حله واستبداله بالمجالس الجهوية وفق التعديلات الدستورية الأخيرة. وحاول الحزب تصدير خلافاته مع الحكومة الموريتانية إلى الشارع؛ حيث قام بتنظيم العديد من المظاهرات الشعبية لرفض هذه التعديلات ولكنهم فشلوا فى إحداث التأثير.
ويعتبر المحللون الموريتانيون أن تنظيم الإخوان فى موريتانيا يتبع سياسة البراجماتية التى يعتمدها الإخوان فى مصر؛ حيث تقوم سياساتهم على عقد الصفقات، وتوظيف الدعاية السياسية بغرض الضغط على النظام السياسى للحصول على مزيد من المكاسب السياسية. ويستشهد فى ذلك بمشاركة حزب تواصل فى الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية فيما يقاطعون الانتخابات الرئاسية رغم تشابه البيئة السياسية، لذا يُمكن اعتبار أنهم يتبنون الاستراتيجية التى تعتمد على مقاربة الفرص المتاحة التى تعتمد على أخذ ما هو متاح بدلًا من تركه، وكذلك التحلى بالصبر لتحقيق ما لم يدركونه فى الوقت الحالى للحصول عليه مستقبلًا. ويمتلك الحزب قناة تليفزيونية لتسويق برامجه.

سياسات الرئيس الموريتانى
فتح الرئيس الموريتانى جبهة مواجهة مع تنظيم الإخوان فى موريتانيا؛ حيث اعتبر «ولد عبدالعزيز» فى أحد تصريحاته أن تنظيم الإخوان يُشكل خطرًا كبيرًا على موريتانيا واستقرارها. ونُسب إليه تصريحًا يهاجم فيه حزب «تواصل»؛ حيث اتهم أعضاءه أنهم مجموعة من المتطرفين الذين يرتدون ربطات عنق، لكنهم سرعان ما يستبدلونها بالأسلحة عندما لا يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم من خلال السياسة، وألمح إلى إمكانية حل الحزب لسد الباب أمام ما اعتبره محاولات نشر الفكر المتطرف بين أوساط الشباب الموريتاني.
واتخذت الحكومة الموريتانية العديد من الإجراءات بحق التنظيم، وسنحاول أن نرصد بعض شواهدها فيما يلي:
التضييق على الأنشطة الاجتماعية؛ بادرت الحكومة الموريتانية عام ٢٠١٤ لحل جمعية المستقبل للدعوة والتربية والثقافة، والتى تمثل الذراع الخيرية للحزب، ويرأسها «محمد الحسن ولد الددو» القيادى فى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الذى يرأسه الشيخ «يوسف القرضاوي». ويرفض التنظيم هذه الاتهامات معتبرًا أن العمل الخيرى والدعوى من صلب اهتماماته وأجنداته التى بدأها منذ تأسيسه ودخوله للعمل السياسي. وعلى الرغم من ذلك، لم تقتنع الحكومة الموريتانية بهذه التبريرات خاصة بعد رصد الأجهزة الرقابية الإمكانيات الكبيرة التى بدأ عليها الحزب فى الانتخابات الأخيرة، وهو ما يتعارض مع الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعيشها نواكشوط.
سحب التراخيص من المؤسسات الدعوية؛ سارعت الحكومة الموريتانية مؤخرًا بإغلاق مركز تكوين العلماء؛ حيث اعتمد قرار الإغلاق على ما ادعته الحكومة من استغلال حزب تواصل وحركة الإخوان لأنشطة المركز لاستقطاب وتمويل أنشطة الحزب السياسية. وكانت قد تمركزت قوات الأمن فى محيط المركز قبيل اتخاذ القرار الرسمى بإغلاقه وسحب تراخيصه، كما قامت القوات الحكومية بإغلاق كل الطرق المؤدية إليه. على صعيدٍ آخر، سارعت وزارة التعليم العالى الموريتانية بسحب ترخيص جامعة عبدالله بن ياسين التابعة للتنظيم فى نواكشوط.
٣- رفض منح التراخيص لأنشطة التنظيم الدعائية؛ رفضت الحكومة الموريتانية محاولات التنظيم للحصول على ترخيص بتأسيس إذاعة للقرآن الكريم؛ إذ سعى التنظيم لتعظيم منظومته الدعائية رغم هيمنته على العديد من المنصات والمواقع الصحفية والتليفزيونية.
٤- التهديد بحظر حزب تواصل؛ يشن «ولد عبدالعزيز» هجومًا عنيفًا على حزب تواصل؛ حيث دائمًا ما يتهمه بالراديكالية والتطرف، بل يعتبره أنه يتخذ الإسلام وسيلة للوصول إلى السلطة. وكان قد هاجم «ولد الشيخ» التنظيم قُبيل الانتخابات النيابية والمحلية والجهوية التى تم إجراؤها مطلع سبتمبر الماضى، فوز حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يُمثل هزيمة ساحقة للمتطرفين الدينيين والعرقيين، وذلك فى إشارة لحزب تواصل.