الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

"نوار" يتحدث لـ"البوابة نيوز": قدمت في معرض "الشهيد" 33 لوحة تحمل أرواح رفاقي على الجبهة.. الفنان التشكيلي الملقب بـ"عين الصقر": قنصت 15 إسرائيليا.. تفاصيل الحرب منقوشة بوجداني

نوار في حواره للبوابة
نوار في حواره للبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ارتسمت تفاصيل حرب أكتوبر المجيدة فى ذهنه إلى الأبد، ونقشت فى وجدانه كنبع لا ينضب، يغترف ويستلهم منه معانى وأفكار جديدة كل يوم ينقلها إلى لوحات وأعمال فنية خالدة، إنه الفنان التشكيلى أحمد نوار، المعروف بقناص الحرب، يتذكر معنا السنوات التى عاشها على الجبهة حاملا سلاحه، منذ نكسة 67 إلى حرب الاستنزاف وحتى 73، عام النصر والعبور، وتتويج مجهود مئات الآلاف من الجنود بالنصر والعزة والكرامة. نوار القناص صاحب القصة الشهيرة لـ15 جنديا إسرائيليا الذى قام باقتناصهم أثناء وجوده على الجبهة، معتبرا شهر رمضان من أفضل الأوقات له على الجبهة فى اصطياد جنود العدو خصوصا ساعة أذان المغرب، حيث قتل 3 جنود فى ذلك الوقت. «البوابة» التقت «نوار»، لاستعادة مشاهد الحرب التى مرت على أحد أبطال حرب أكتوبر؛ وإلى نص الحوار..

هل تذكر تفاصيل التحاقك بالجيش؟ 

بالتأكيد، فالفترة التى التحقت فيها بالجيش المصرى تركت أثرًا بالغًا فى تكويني، سواء على المستوى الفنى أو الإدارى والتنظيمي. وقتها كنت قد أتممت رسم مشروع تخرج البكالوريوس عام ١٩٦٧، كانت الجامعات قد توقفت بسبب ما حدث فى النكسة، كنت فى مقتبل العمر وقتها وعندى حماس وأمل كبيرين؛ هكذا توجهت بتلقائية للمشاركة فى المقاومة الشعبية، ورسمت فى هذه الفترة مجموعة لوحات بعنوان «استعداد وترقب» وتقدمت بواحدة منها إلى مسابقة بينالى إسبانيا الدولى عام ١٩٦٨. كنت أحاول التعبير فيها عن المقاتل المصرى الحقيقي

وماذا حدث؟ 

اللوحة التى كانت عبارة عن جندى بالقلم الرصاص الأسود اللون حصدت الجائزة الأولى فى بينالى إسبانيا، وكانت عبارة عن جائزة مالية وميدالية ومنحة دراسية لأربع سنوات، ولكن كان عليَّ إتمام إجراءات سفرى للدراسة، فذهبت للحصول على تأشيرة للسفر لاستلام الجائزة، حينها طُلب منى تصريح سفر من الجيش لأنى لم أكن قد حسمت موقفى من التجنيد، وعند ذهابى للحصول على التصريح فوجئت بشخص يرتدى زيًا عسكريًا قال لى نصًا «كويس إنك جيت بنفسك، كنا هنبعت لك»، وقام على الفور بإنهاء إجراءات تجنيدى رغم عدم توجيه استدعاء سابق لى بهذا الشأن، وكذلك دون معرفة أسرتي. بعد ساعة كنت مجندًا فى الجيش، وقتها تأثرت كثيرًا لدرجة البكاء، فقد حصلت على جائزة مهمة وسأقوم بتمثيل مصر فى محفل عالمي، كل هذا ذهب مع ارتداء الزى العسكري

هل استطعت التأقلم سريعًا فى أيامك الأولى بالجندية؟ 

خلال مرحلة التجنيد الأولى بدأت اندمج مع زملائى المجندين فى الإعداد للقتال، وفى أعقاب محاضرات التوجيه المعنوى تغيرت رغبتى من السفر للحصول على الجائزة إلى المطالبة بالذهاب على الجبهة فى قناة السويس. كنت قد تحولت إلى قناص جيد بعد ملاحظة قدراتى البصرية واختيارى لفرقة القناصة، وعندما دخلت فى اشتباكات حية مع العدو على أرض الواقع حدثت تغييرات كثيرة فى وجداني

كانت فترة اشتراكى فى الجيش أهم فترة فى حياتى لأسباب مختلفة فمنها الإحساس بتقديم شيء ثمين للوطن، إحساس بالفخر أن يحمل الفرد حسًا وطنيًا للدفاع عن الوطن والعزة ومدافعا عن الكرامة، وفى نفس الوقت كانت انطلاقة لى كفنان، ورغم مرور ٤٥ عامًا ما زلت أحاول التعبير عن هذه الفترة من تاريخ مصر، فى آخر شهور التجنيد فى عام ١٩٧٠ رسمت أعمالا عديدة، ولكن من وقتها إلى ٢٠٠٥ كنت لا أستطيع الرسم، وليس لدى القدرة لنقل حدث كبير وغالى بالرسم ولكن قدمت معرضًا خاصًا يحمل عنوان «الشهيد» الذى ضم ٣٣ لوحة تحمل أرواحهم التى عشتها معهم

أغرب قنص 

كيف تعاملت كقناص فى الحرب؟ 

كنت دائما أبحث عن التمويهات المختلفة المتعددة التى استخدمها الصهاينة على الضفة الغربية للقناة، وأدهشنى يوما عندما قنصت برصاصى ١٥ جنديًا صهيونيًا وهو عدد جبار خاصة أن العدو كان مجهزًا جيدًا وعلى أتم الاستعدادات، لم يشغلنى أى أمر إلا القنص من هؤلاء الغادرين لا أبالى بموعد الإفطار فى أى وقت نستطيع أن نأكل لكن الوطن لديه فرصة واحدة، وقمت بقتل ثلاثة جنود على التوالى كل يوم حصيلته جندى فكان الانتصار لذاتى عظيمًا. وأتذكر هنا أغرب حادثة واقعة قنص مرت عليا، فأثناء فترتى المفضلة من اليوم، مضيت أبحث عن هدف جديد بأسلوب مختلف لابد أن أراقب الموقع الإسرائيلى من بعيد وبزوايا حادة تكتشف شرائح جانبية عبر اختراق الرؤية للجوانب عن بعد بالبيروسكوب، مع ضبطه على زاوية حادة وتفتح بهذا الأمل صيدًا جديدًا، وقد حدث إنما بشكل مختلف لقد نظرت بزاوية ٣٠ إلى ٤٠ لأحاول بعيدًا عن الرؤية المباشرة التى لا ترى إلا الحصون، رؤية اختراقية لبعض الجوانب حيث تظهر بعض الأعماق العمودية على سطح قناة السويس ويظهر جندى عار كما ولدته أمه لقد كان يستحم، أمام باب الملجا، رأيت نصفه الأعلى ينزح الماء من إناء بكوز ويسكبه على جسمه، لم أستطع أن أمسك رصاصة قنصى انتظاره حتى ينتهى من الاستحمام، فقلت له نعيمًا برصاصتى الجميلة، سقط صريعًا وسال دمه على تراب سيناء الحبيبة، وعلى بعد ١٨٠ مترًا انهالت القنابل والضرب الإسرائيلى بكل أنواع الأسلحة ويصل صوت الهاون إلى أذني، فكان عليا وقتها حفر قبرى بنفسى، ولكن سبحان الله نجوت بأعجوبة ولكنها إرادة الله لكى نحرر الأرض

هل تأثرت بما عاصرته فى الحرب؟ 

أثناء الحرب كنت أحفز نفسى أن الأمور على ما يرام، ولكنى كنت أموت ألف مرة فى الدقيقة الواحدة، ولكن بعد انتهاء تلك الفترات العصيبة التى عاصرتها أحزننى عندما وضح عليا التأثيرات الطبية السيئة التى نتجت من طول مدة خدمتى فى الجبهة، طالت بى تلك الأزمة فترة طويلة ظنا منى لو نمت هيأخدوا مصر مننا، وكلما فتح الشباك كان ينظر فى الفراغ لرصد أى تحرك مريب، وكلما رأى أحد جيرانه فى الشرفة تحركت يداى تلقائيا لقنصه، وكأنى مازلت أحمل بندقيتي

تحدثت سابقا فى أحد حواراتك أن العبور أصبح حدثًا يتم الاستهزاء منه ما السبب وراء ذلك؟ 

أنا أعنى جيدًا ما أقصده من كلامى فمؤسسات الدولة هى المسئولة عن ذلك، بداية من وزارة الدفاع التى رفضت رفضًا تامًا بدون نقاش التصوير أثناء الحرب، وتليها وزارة الإعلام التى تخلت عن دورها فى إنتاج أعمال درامية أو سينمائية عن العبور، حيث ظللت أناشد الدولة لما يزيد عن الـ٢٥ عامًا بإنتاج فيلم عن أكتوبر، وفى مرة تحدثت وناشدت الرئيس محمد حسنى مبارك لأخذ الأمر فى عين الاعتبار

هل أحد استجاب لحديثك علنيًا؟ 

بعد إذاعة الحلقة التليفزيونية تانى يوم وجدت كل أغلفة المجلات والصحف تحمل موافقة على الفور بتنفيذ أفلام وثائقية وده السبب الذى يجعل الشباب يعايشون هذا الحدث الصعب، ولا يمكنهم وقتها الاستهزاء بالحرب، لأنهم لا يعرفون شيئًا عن الذين ضحوا بحياتهم لتحيا مصر، على عكس ما يحدث فى العديد من دول العالم، خاصة بدولة روسيا، والتى يوجد فى كل قراها ومدنها نصب تذكارية لضحايا الحرب العالمية الثانية كتب عليها «حرقنا لتعيشوا أنتم» فقد قمت بزيارتها واتبعت طقوسهم فى زيارة الشهداء فممنوع الدخول بدون ورود للذين أودوا بحياتهم ليبقى الجميع، وممنوع الذهاب للعرس للزوج والزوجة بدون وضع ورود على قبور شهداء الحرب العالمية الثانية، فأين مصر من ذلك». 

وماذا عن انعكاس الحرب على أعمالك الفنية؟ 

تجربة الحرب أثرت فى مثل عدد كبير من الفنانين العالميين، وكان بيكاسو من أكثر الذين خصصوا الكثير من أعمالهم لموازاة حدث معين، إلا أننى قبل تلك الفترة وأثناء الدراسة ارتبطت بالطبيعة لدرجة أن مشروع تخرجى كان عن يوم الحساب والجنة والنار ورسمتها بالقلم الرصاص، وقتها أتذكر استخدمت ٥٥٠ قلم رصاص لأنتهي منها

ما الذي تعلمته من خوضك للحرب التي شاركت فيها؟ 

ما تعلمناه من دروس يونيو ١٩٦٧ كان القليل، هذا القليل حقق انتصارين أولهما فى حرب الاستنزاف، والثانى فى حرب ٦ أكتوبر لكن ما لم نتعلمه هو كيفية الحفاظ على الانتصار.