الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"مكافحة الإرهاب".. استراتيجية التنين الصيني لغزو العالم.. افتتاح أول قاعدة عسكرية في جيبوتي.. زيادة ميزانية الدفاع 8% في 2018.. بكين ترفع قدراتها العسكرية بالبحر الجنوبي لردع أمريكا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى خطوة جديدة لتعزيز انتشار الصين خارج حدودها أمنيا وعسكريا وليس فقط اقتصاديا وسياسيا، أعلن الجيش الصينى فى سبتمبر ٢٠١٨، عن تشكيل ما أسماها «قوات خاصة لمكافحة الإرهاب»، محددا مهامها بتنفيذ عمليات اقتحام عسكرية داخل البلاد وخارجها لحماية مصالح بكين فيما «وراء البحار».



جاءت هذه الخطوة التنفيذية من قبل الجيش الصيني، تنفيذا لقانون سابق صدر منذ عام ٢٠١٥، وذلك مع تنامى انتشار التنظيمات الإرهابية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط مثل «داعش» وانضمام صينيين إلى هذه الجماعات، مما يمثل خطرًا أمنيًا على بكين بعد عودتهم إلى بلادهم مجددا، بجانب رغبة بكين فى استغلال موجة التدخلات الدولية بزعم مكافحة الإرهاب وتوسيع وجودها العسكرى والأمنى خارجيا من أجل حماية مصالحها.
قوات مكافحة الإرهاب
أصدرت الصين فى عام ٢٠١٥ قانونا لمكافحة الإرهاب يسمح لجيشها بتنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب، فيما وراء البحار أى خارج البلاد خلافا لسياسة بكين المتبعة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ورفض انخراطها فى أى صراعات خارجية، مكتفية بتعزيز حضورها الاقتصادى والسياسي.
ووقت صدور القانون شكك الكثيرون فى مدى جدية الأمر، نظرا لوجود اعتراضات قوية من قبل القوى الكبرى، التى سترفض مثل هذا الإجراء بخلاف الدول التى قد تشهد أنشطة إرهابية، وعلى أى أساس سيتم التدخل وتحت أى غطاء.
رغم أهمية الحدث لم تعلن بكين الكثير من التفاصيل عن القوات الجديدة، فقد كشف رئيس المخابرات فى الشرطة المسلحة الصينية، تشانغ شياو تشي، عن أن تشكيل قوات خاصة بشان الإرهاب جاء ضمن خطط التحديث الشامل للجيش الصيني، مشيرا إلى أن نطاق مهمة القوات الخاصة يمتد من الأرض إلى البحر ومن الوطن إلى خارجه، وأن استعدادات الحرب ضد الإرهاب يجب أن تشمل حماية المصالح الاستراتيجية الوطنية للصين فى أى مكان حول العالم. هذا هو الأمر المقلق، الذى قد يدفع بالصين إلى الاصطدام بشكل مباشر مع بعض القوى الدولية بخلاف الدول التى قد يحدث فيها التدخل.

وبالنظر إلى مهام القوة الصينية الجديدة لمكافحة الإرهاب، نجد أنها تصب فى خانة تعزيز وتوسيع النفوذ الصينى حول العالم، ففى البداية بدأت بكين باختراق العالم اقتصاديا، خاصة فى الدول النامية، وهذا الاختراق جاء على حساب ومصالح آخرين، بالتالى تتطلب حماية هذه المشروعات التى تقوض نظام عالمى قائم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشكيلات واستراتيجية أمنية وعسكرية جديدة لحماية الوجود الاقتصادي، الذى قد يتعرض لاستهداف من قبل قوى منافسة كما جرى للاستثمارات الصينية فى ليبيا، ومثلها الروسية عقب التدخل الغربى فى ليبيا عام ٢٠١١.
كانت بداية التحركات العسكرية الفعلية من قبل بكين للانتشار عسكريا فى الخارج، بافتتاح أول قاعدة عسكرية لها بالخارج فى جيبوتي، لتزاحم القواعد الأمريكية والفرنسية وغيرها فى هذه المنطقة المهمة من العالم، فمن خلالها يمكن لها حماية استثماراتها فى القارة الأفريقية التى تفوقت فيها على منافسيها، فوفقا للتقارير الدولية سجل حجم التجارة الصينية فى أفريقيا نموًا كبيرًا منذ عام ٢٠٠٠ وحتى عام ٢٠١٧، فخلال ١٧ عامًا فقط ارتفع إجمالى حجم التجارة بين الجانبين حوالى ١٧ مرة، لتكون الصين أكبر شريك تجارى لقارة أفريقيا لـ٩ سنوات متتالية، ففى عام ٢٠١٧، وصل حجم هذه التجارة إلى ١٧٠ مليار دولار، كما ارتفعت استثمارات الصين بالقارة السمراء إلى أكثر من ١٠٠ مرة منذ عام ٢٠٠٠ وحتى نهاية عام ٢٠١٧.

وبخلاف استخدام الصين قاعدة جيبوتى فى حماية استثماراتها ومصالحها الاقتصادية بالقارة الأفريقية، تستخدمها أيضا لتأمين عمليات استيراد النفط من دول الشرق الأوسط ومن القارة الأفريقية، فهى أصبحت الدولة الأكثر نموا فى استهلاك النفط على مستوى العالم منافسة للولايات المتحدة التى تحتل المرتبة الأولى فخلال عام ٢٠١٦ كانت تستهلك حوالى ٢٠ مليون برميل نفط يوميا بينما بكين حوالى ١٣ مليون برميل نفط يوميا، وإلى جانب تأمين صادرات النفط تريد بكين أيضا مستقبلا حماية الأنظمة السياسية الموالية لها فى أفريقيا مثلما تفعل الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون.
وكشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية فى تقرير لها أن الصين تريد أن تلعب قواتها فى مكافحة الإرهاب دورا أكبر فى الخارج، وذلك لحماية مصالحها الدولية المتنامية فى المقام الأول، ففى ظل سياسة الرئيس شى جين بينج لخلق نفوذ خارجى أكثر قوة، فى ظل التنافس مع الولايات المتحدة، خاصة على المستوى العسكري، فقد اعتبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن الصين وروسيا أكبر خطر يواجه الولايات المتحدة، وذلك فى استراتيجية الأمن القومى التى أقرتها إدارته بجانب استراتيجية الدفاع التى أقرها البنتاجون، وعلى هذا الأساس تم زيادة مخصصات الإنفاق العسكرى سواء لتطوير الأسلحة التقليدية والقدرات الفضائية أو الأسلحة النووية.
وفى تقرير صادر عن المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، كشف عن أن القانون الذى أقرته الصين عام ٢٠١٥ لمحاربة الإرهاب فى الخارج «لديه القدرة على إحداث تغيير كبير فى استخدام القوة العسكرية الصينية فى الخارج»، وهو ما حدث بالفعل الشهر الماضي، ببدء الصين فى تشكيل قوة خاصة عسكرية فى هذا الشأن لتعمل على نطاق أوسع وذات مهام أكبر، فسبق أن نشرت بكين وحدات قوات خاصة فى أفغانستان والعراق لحماية البعثات الدبلوماسية هناك فى ظل الاضطرابات التى تشهدها البلدان.

احتمالات الاصطدام العسكري
تدرك بكين أن عليها تعزيز قوتها العسكرية ليس فقط على المستوى الداخلى وإنما خارجيا، من أجل الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التى حققتها وتطلعها للمزيد عبر طريق الحرير البرى والبحري، وفى هذا الإطار أعلنت بكين عن رفع ميزانيتها العسكرية بنسبة ٨.١ ٪ لعام ٢٠١٨، لتصل إلى ١.١١ تريليون يوان (١٧٥ مليار دولار)، إلا أنها صغيرة ولا تقارن بنظيرتها الأمريكية التى أقرها ترامب لعام ٢٠١٨ لتصل إلى حوالى ٧٠٠ مليار دولار، ومع هذا يعتبر هذا الرقم مهما بالنسبة للصين فى ظل زيادتها المستمرة لميزانية الدفاع من أجل مواكبة التحديثات الأمريكية والروسية وباقى منافسيها.
وفى أغسطس ٢٠١٨ أقر ترامب ميزانية جديدة للدفاع لعام ٢٠١٩ وصلت إلى حوالى ٧١٦ مليار دولار، خصص منها حوالى ٦٩ مليار دولار لعمليات ما وراء البحار المحتملة، مع تعزيز القدرات النووية والفضائية، وهذا يؤكد أن ترامب متمسك بالتدخلات العسكرية وتوسيع النفوذ الأمريكى فى الخارج رغم انتقاده للإدارات السابقة وتكلفة انخراطها فى العمليات العسكرية، فقد كشف ترامب عن إنفاق واشنطن منذ عام ٢٠١١ وحتى ٢٠١٧ حوالى ٧ تريليون دولار فى منطقة الشرق الأوسط فقط، وبالمقابل لم تحصل بلاده على أية مكاسب مقابل هذه التدخلات.
وفى إطار الصدامات المحتملة بين الصين وخصومها خاصة الولايات المتحدة وحلفائها فى آسيا، تستعد بكين جيدا فى منطقة بحر الصين الجنوبى التى تسيطر عليها بكين وسط استمرار النزاع مع خصومها حول المنطقة مثل كوريا الجنوبية واليابان حلفاء واشنطن، اللذين زودتهما مؤخرا بأسلحة متقدمة خاصة الدفاعات الجوية مثل منظومات «ثاد» المتطورة التى اعتبرتها بكين أنها موجهة ضدها بالأساس وليس لمواجهة خطر كوريا الشمالية كما تزعم واشنطن، وفى هذه النقطة تزيد بكين من قدراتها العسكرية سواء التقليدية أو أسلحة الدمار الشامل، من أجل تحقيق قدر كاف من الردع للولايات المتحدة.
ورغم لجوء بكين إلى تشكيل قوة خاصة من أجل المهمات الخارجية بزعم مكافحة الإرهاب إلا من المستبعد حاليا الاصطدام بشكل مباشر مع خصومها أو التورط عسكريا، فهل لم تتدخل فى سوريا عسكريا ونفت ذلك مرارا رغم ميلها للموقف الروسى ودعمها للنظام السورى سياسيا كما يجرى فى مجلس الأمن الدولي، لكن تشكيل هذه القوة مؤشر على الاستعدادات الصينية لعمليات التدخل العسكرى فى الخارج، فهى ليس لديها أى خبرات سابقة فى هذا المجال، وبالتالى تلجأ إلى الاعتماد على وحدات صغيرة ومدربة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لأنها غير قادرة على نشر قوات عسكرية كاملة فى الخارج مثلما فعلت الولايات المتحدة وروسيا.