الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

عودة "الدب الروسي".. موسكو تهزم واشنطن في الشرق الأوسط.. بوتين يقدم نموذجا ناجحا جذب حلفاء وأعداء أمريكا.. وروسيا تحقق المكاسب بأقل الإمكانيات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شكلت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى روسيا، والحفاوة الكبيرة التى قوبل بها من القيادة الروسية بكل مستوياتها، بداية مرحلة جديدة فى العلاقات بين القاهرة وموسكو، ووصولها إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي، خاصة مع إدراك الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أهمية الدور المصرى فى قيادة المنطقة، ودورها فى العديد من الملفات التى تهم موسكو بعد استعادتها لمكانتها كقوة عظمى.


لعب العديد من التطورات الإقليمية والدولية الدور الأكبر فى إعادة رسم خرائط توزيع النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط؛ حيث وجدت روسيا نفسها أمام العديد من الفرص الذهبية التى من شأنها العودة لدورها المعتاد فى السياسة الدولية، خاصة بعد أحداث الثورات العربية وفيما يتعلق بتطورات الوضع فى سوريا، وقد وقعت منطقة الشرق الأوسط وفى قلبها المنطقة العربية بما فيها من تطورات فى القلب من هذا الدور.
وفى السياق نفسه، عملت روسيا على توثيق علاقاتها مع دول المنطقة، وتحديث قائمة حلفائها، بما يتضمن دولا عدة حليفة أيضًا للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قدّم الروس نموذجًا أكثر قوة وإصرارًا ووضوحًا اجتذب حلفاء قدماء وحاليين لأمريكا، وأعداء لها فى الآن نفسه.
وتم استخدام السياسة الروسية تجاه المنطقة لتعظيم المكاسب الاستراتيجية فى مواجهة العديد من القوى الدولية الغربية، عوضًا عن تحسين الوضع الداخلى الخاص بها اقتصاديًا وعسكريًا.
ونتيجة لذلك باتت السياسة الخارجية الروسية مرتكزة فى المقام الأول على تقديم الدعم السياسى والدبلوماسى والاقتصادى والعسكرى لحلفائها الرئيسيين، ولعل هشاشة النظام الإقليمى الشرق أوسطي، جعل من اليسير على روسيا استخدام أقل الإمكانيات لتحقيق مكاسب عدة، وروسيا لا تحتاج فعل الكثير حتى تؤكد نفوذها الحالي، خاصة فى سياق ينظر إلى تراجع التأثير الغربى داخل المنطقة.
وبرغم المشاكل الاقتصادية التى تواجهها موسكو، فإنها أصبحت ذات وجود مؤثر على خريطة السياسة العالمية؛ حيث عادت روسيا لتلعب دورًا فاعلًا، وتتخذ مواقف واضحةً فى العديد من القضايا الدولية والإقليمية.

دوافع الدور والنفوذ
يتمثل الدافع الرئيسى للدور الروسى الجديد فى المنطقة فى بعدين أساسيين؛ أولهما: تحقيق مكاسب داخلية على مستوى الاقتصاد والاستقرار الداخلى الروسي، وثانيهما: هو دعم ومساندة الحلفاء مع البحث عن حلفاء جدد، وتشكيل خريطة من العلاقات التى تخدم المصالح الروسية داخل المنطقة فى المقام الأول، وقد شملت دوافع ومحددات داخلية وأخرى خارجية نابعة من المصالح الاستراتيجية لروسيا، ويندرج من الهدفين السابقين العديد من السياسات الروسية التى من شأنها الولوج لتحقيق هذين الهدفين، وأهم تلك السياسات هى إعادة رسم الخريطة الإقليمية والدولية، وخلق تحالفات إقليمية ودولية وتطوير الروابط بينها وفق المتغيرات المستجدة على الساحة.
العودة مجددًا
عند تحليل الدور الروسى فى المنطقة العربية، لا بد من التعرض إلى علاقات روسيا وتفاعلاتها مع دول المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وفى هذا الشأن تطول اللائحة بين أنماط العلاقات الثلاثة المختلفة، إلا أنه وفى المجمل، استطاعت موسكو أن تنسج خيوط علاقاتها على الساحة العربية وسحب البساط بصورة كبيرة من قبضة واشنطن.
فالسياسة الروسية فى المنطقة العربية كالسياسة الروسية تجاه محيطها الجغرافى القريب فى آسيا وأوروبا الشرقية، بما يحافظ على تحقيق البعد الأمنى بتعزيز النفوذ الروسى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى ١٩٩١.

سوريا
بدت روسيا محركًا فاعلًا فى مجريات الملفات المتعلقة بمستقبل سوريا السياسى والاقتصادى والعسكري؛ حيث عملت روسيا على تعميق تحالفاتها مع النظام السوري وحافظت على علاقات ودية مع النظام التركى المناهض للأسد، كما عمقت علاقاتها السياسية مع طهران الحليف الأكبر للنظام السوري، وجاءت سلسلة الاجتماعات والمؤتمرات فى «أستانة» و«سوتشى» بجانب «محادثات جينيف» ليكلل الوجود الروسى بالنجاح.
كما ساندت موسكو دمشق فى العديد من المحافل الدولية وبلورت الحلول السياسية التى تتناسب وخياراتها مع المصالح الروسية وحلفائها. وتُعَدّ سوريا دولة محورية بالنسبة إلى التطلّعات الروسية الجيوسياسية، كما تحتفظ البحرية الروسية بقاعدة عسكرية لإعادة التموين والصيانة فى ميناء طرطوس السوري، عوضا عند قواعد أخرى فى حميميم.
العراق
فى العراق، عارضت روسيا الاحتلال الأمريكي، وطرحت إمكانية تسوية القضية العراقية بالطرق السلمية، كما طالبت بإلغاء الحظر الجوى فى شمال وجنوب العراق وإيقاف الغارات الأمريكية والبريطانية على العراق، ووصفت روسيا الاحتلال الأمريكى بالانتهاك المباشر للقانون الدولي، كما رفض بوتين ما سمته الولايات المتحدة بمفهوم محور الشر الذى طرحه جورج بوش فى وصفه العراق وإيران وكوريا الشمالية.
كما أن روسيا كان لها دور مهم فى تسليح العراق لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، وقد ترافق ذلك مع بروز سياسة روسية خارجية واضحة المعالم تقوم على تفعيل دور روسيا على الصعيد الإقليمى والدولى بحيث لا تخضع لهيمنة أو ابتزاز.
وفى عام ٢٠١٢م، وقع الكرملين على صفقة مع الحكومة العراقية تصل قيمتها إلى ٤ مليارات دولار، ويعد هذا الاتفاق أكبر صفقة تمت بدفعة واحدة فى عهد بوتين؛ حيث أسهم هذا الاتفاق فى جعل العراق ثانى أكبر مشتر للأسلحة الروسية.

مصر

شهدت العلاقات الروسية مع مصر تطورات على صعيد العلاقات السياسية والعسكرية، وبعد ثورة ٣٠ يونيو وقفت روسيا داعمًا للدولة المصرية، خاصة أن روسيا أعلنت فى ٢٠١٣م حظر جماعة الإخوان المسلمين بسبب اتهامها بدعم التمرد شمال القوقاز، وشهدت البلدان زيارات على مستوى الرؤساء أو الوفود العسكرية كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين منها إنشاء محطة الضبعة النووية، وتعزيز سبل مواجهة المخاطر الناتجة عن انتشار الإرهاب والتطرف؛ حيث اتفق الجانبان على أهمية تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. كما أيد بوتين الرئيس السيسى منذ توليه الحكم فى مصر، وعلى الجانب الآخر كان الكرملين يتطلع لتعزيز العلاقات مع مصر لضمان نجاح مؤتمر جنيف للسلام المتعلق بسوريا، على اعتبار أن السيسى هو خليفة الرئيس عبدالناصر الذى يقف أمام الغرب الإمبريالى بالقومية العربية.


السعودية
اتفقت السعودية وروسيا خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى موسكو فى أكتوبر ٢٠١٧م، على توريد عدد من أنظمة التسليح؛ حيث وقعت وزارة الدفاع السعودية مع روسيا عقودًا لتوريد نظام الدفاع الجوى المتقدم (S-٤٠٠)، وأنظمة (Kornet-EM)، وراجمة الصواريخ (TOS-١A)، وراجمة القنابل (AGS-٣٠)، وسلاح (كلاشنكوف AK- ١٠٣) وذخائره. ووقعت السعودية مذكرة تفاهم مع روسيا لزيادة توطين الصناعات العسكرية. ويمكن القول بأن طرق الرياض أبواب موسكو عبر مطرقة صفقات التسليح والشراكة الاقتصادية يهدف إلى نية السعودية توسيع دائرة علاقاتها الخارجية مع روسيا بعد موجات المد والجذر فى العلاقات بين الجانبين.
ومهدت تلك العوامل السابق ذكرها، الطريق لروسيا لاستعادة جزء كبير من دورها على الساحة الدولية، وتنطلق روسيا فى هذا الدور من الحفاظ على مصالحها فى مناطق نفوذها الرئيسية والعمل على فتح أطر جديدة للعلاقات فى المرحلة المقبلة.