الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" تفتح الملف.. تحويل السجين من عبء على الدولة إلى قوة اقتصادية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تعد السجون إصلاحًا وتهذيبًا فحسب، فقد غدت خلايا نحل، يسيل فى جنباتها «عرق الجبين»، وتخشوشن الأيادي: الأيادى المنتجة، تلك التى يحبها الله.
الفلسفة التى تتبناها وزارة الداخلية منذ عام 1978: ليس السجين كمًا مهملًا خاملًا، ومن ثم كان تأسيس صندوق التصنيع والإنتاج للسجون، بغرض تدريب المسجونين مهنيًّا، بما يساعدهم على إيجاد عمل شريف متى نالوا الحرية.



لكن هذه الفلسفة بقيت زمنًا طويلًا، محض نظرية حبيسة الأدراج، حتى أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوليو 2014، قرارًا بتقنين عمل الصندوق، وربط موازنته بالسنة المالية 2014/2015.
هذا القرار أسفر عن منح قبلة الحياة للمشروع، حتى بلغت أرباح الصندوق فى السنة ذاتها، 6 ملايين جنيه، غير أن ذلك يبدو أقل من المأمول، خاصة إذا قورن بما تحققه سجون غربية، منها سجن «ميريلاند» بالولايات المتحدة الذى بلغت أرباحه فى السنة ذاتها 60 مليون دولار.
4 آلاف جنيه شهريًا يكلفها السجين للدولة.. و6 ملايين جنيه فقط حصيلة منتجات نزلاء المؤسسة العقابية في عام
ورغم ما حققته مؤخرًا من نجاح نسبي، إلا أن مشروعات تشغيل السجناء، فى مصر اقتصرت على محاولات لمؤسسات المجتمع المدني، أكثر من كونها منهجًا استراتيجيًا للدولة.
ومن المؤسسات المعنية بتلك المشروعات: مؤسسة «حياة» للتنمية والدمج المجتمعي، التى بدأت منذ عام ٢٠١٣، بإطلاق مبادرة لإعادة تأهيل النساء المفرج عنهن، وإعادة دمجهن مجتمعيًا، وبدأت الأنشطة بمشروع قائم على عدد من المتطوعين من المحامين والإخصائيين النفسيين بمبادرة «ابدأ» للعدالة المجتمعية، لإعادة تأهيل ٣٠٠ سيدة خلال ٣ سنوات ودمجهن مجتمعيا، مع دمج عدد آخر من الرجال المرضى والمعاقين، واستخدام أول برنامج نفسى لعلاج الوصمة ومنع العودة للجريمة.
وحصل المشروع على تمويل من مؤسسة «دروسوس»، التى تأسست نهاية عام ٢٠٠٣، كمؤسسة خاصة لا تهدف للربح لدعم تنمية المجتمع، ومقرها فى زيوريخ، سويسرا، وتهتم بتمكين السكان المهمشين للعيش حياة كريمة، وإحداث تغيير طويل الأجل من خلال المشروعات التى تدعمها فى مصر والعديد من الدول العربية والأوروبية.

لكن وزارة الداخلية تؤكد أن هناك خطة لتصحيح هذا الخلل، وهناك دراسات تجرى حاليًا، لتعظيم أرباح الصندوق، وتركز على الاستفادة من تجارب الدول التى حققت نجاحًا فى هذا المجال.
وتفصيلًا، فقد كشفت نتيجة الحساب الختامى للصندوق، للسنة المالية ٢٠١٤/ ٢٠١٥، عن أن موازنته بلغت ٨٨ مليون جنيه، فيما قدرت مصروفاته بنحو ٣١ مليونًا و٧٥٠ ألفًا، ما بين أجور ومصاريف إنتاج، أما الإيرادات فبلغت ٣٨ مليون جنيه، ليسجل الصندوق صافى ربح بنحو ٦ ملايين و٢٥٠ ألف جنيه.
تلك الأرباح، رغم أنها دون المأمول، تفتح الباب لاستنباط أفكار بناءة، تستهدف تحقيق ربحية من جهة، وكذلك تسليح المساجين بمهارات حرفية، تساعدهم على كسب الرزق حلالًا، ما إن تنتهى محكومياتهم، ومن ثم يصبحون مواطنين صالحين فى المجتمع.

ويؤكد المستشار سامح عبدالحكم، رئيس محكمة الاستئناف، أن السجين كان يكلف الدولة ٢٠٠٠ جنيه شهريا، عام ٢٠١٥، أى قبل تحرير الجنيه.. وهذا يعنى أن هذه التكلفة تضاعفت الآن، وعليه فإن الحل الأمثل أن يتحول السجين إلى طاقة إنتاج.
وتقدم عبدالحكم، بمشروع قانون بدائل العقوبات المقيدة للحرية بالنسبة للقضايا البسيطة، لمجلس النواب، وأحيل المشروع إلى اللجنة التشريعية بعد موافقة ٧١ عضوًا، ويرتكز القانون المقترح على استبدال عقوبة الحبس بالعمل لصالح الدولة، فى قضايا مثل قضايا الغارمين والغارمات، ويهدف إلى مراعاة حقوق الإنسان وإعادة تأهيل المحكوم عليه حتى يكونوا أعضاء نافعين فى المجتمع بالتزامن مع النظرة العالمية لتجنب العقوبات السالبة للحريات، وتطبيق معايير الأمم المتحدة لبدائل السجن والعدالة التصالحية، وإشراك المجتمع فى تدبير شئون العدالة الاجتماعية، إضافة إلى معاونة الدولة فى اتخاذ سياسة تشريعية حديثة، تسهم فى الحد من العقوبة المقيدة للحرية.
وتلاقى فكرة الاستفادة من تأهيل وإعادة دمج نزلاء السجون ترحيبا كبيرا فى العديد من دول العالم، التى ابتكرت أفكارًا للاستغلال الأمثل للنزلاء سواء بتشغيلهم طوال فترة العقوبة أو بتأهيلهم ليخرجوا من السجن ليجدوا مصدر رزق يمنعهم من العودة للإجرام والإضرار بالمجتمع.
ويرى عبدالحكم أن أبرز الأمثلة تتمثل فى سجن ميريلاند المسمى بـ«مؤسسة جيسوب الإصلاحية» التابعة لمشروع ميرلاند لتأهيل السجناء، حيث كان مؤسسة عقابية صارمة، ومخصصة للمجرمين شديدى الخطورة، لكن لوحظ أن الخارجين منه سرعان ما يستعيدون سيرتهم الإجرامية، فتقرر تطبيق المشروع فيه، فإذا بالعوائد تبلغ ٦٠ مليون دولار، فيما نجح كثيرون من النزلاء بعد خروجهم فى إيجاد فرص عمل، ولم يعودوا إلى سيرتهم الإجرامية.
ويوضح رئيس محكمة الاستئناف، أن المشروع الأمريكى أسهم بما لا يقل عن ١٠٠ مليون دولار، فى اقتصاد ولاية ميريلاند، كما ساهم فى مشروعات الخدمة العامة، حيث قام السجناء بالعديد من الوظائف الإنتاجية المهمة، مثل: تأسيس مصانع خاصة بإنتاج المنتجات المعدنية والملابس والأثاث وغيرها.
ويدار المشروع عبر مجلسين تمثلهما جهات حكومية ومنظمات غير هادفة للربح، لتحديد المنتجات الجديدة المطلوبة للأسواق، وكذلك الخدمات والتسويق ومتابعة العملاء، وكذلك متابعة تنفيذ السياسات والمقترحات الصادرة من مجلس المستهلكين بالإضافة إلى الأمور المالية.
ووفقا لأحدث التقارير الإحصائية؛ فإن الولايات المتحدة، لديها أكبر عدد سجناء أكثر من ٢ مليون و٢٠٠ ألف سجين، فمن بين كل ١٠٠ ألف مواطن، يوجد حوالى ٧٣٠ سجينًا.
وتسعى الحكومة الأمريكية إلى تخفيض مدد عقوبة السجناء ممن يتفوقون فى مجالات العمل، كما تخفض العقوبات عن الذين يشتركون بانتظام فى أعمال النظافة.

من جهته يقول اللواء مجدى الشاهد، الخبير الأمنى ومساعد وزير الداخلية الأسبق، إن النزيل الواحد فى المؤسسات العقابية يكلف الدولة شهريًا ٤٠٠٠ جنيه، ما يمثل إهدارًا فادحًا للموارد، نظرًا لارتفاع عدد السجناء، الذى فسره بارتفاع عدد السكان الإجمالي.
ويشدد على أن تحويل السجون إلى مراكز إنتاجية يعد الحل الأمثل، لوقف الهدر وتحقيق أرباح أولًا، وكذلك لتسليح المساجين بالمهارات اللازمة حتى يكسبوا أرزاقهم بالوسائل المشروعة، ومن ثم تتحقق عناصر الإصلاح والتهذيب والتأهيل معًا.

ويقول اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن التعامل مع نزلاء السجون شهد تطورًا كبيرًا فى السنوات الماضية، فضًلا عن إصلاح وتأهيل السجين.
ويؤكد أن الوزارة أنشأت العديد من الورش والمصانع بهدف تعليم السجناء والسجينات حرفًا يستطيعون من خلالها، بعد خروجهم من محبسهم احترافها، حيث يتم تعليم السجناء العديد من الحرف المناسبة لهم.
ويقول: «هناك سجناء ينفقون على أسرهم بالخارج من الأموال التى يكسبونها فى السجن»، مضيفًا «كما قام قطاع مصلحة السجون، بتجديد صالات وقاعات الأنشطة الرياضية التى أصبحت حاضرة بقوة، فضلًا عن تزويد السجون بالعديد من الكتب الثقافية والدينية، وإنشاء المستشفيات».
ويوضح أن الرعاية الطبية داخل السجون شهدت عملية تطوير بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بعدما تم توفير أحدث الأجهزة الطبية المتطورة، بجانب زيادة مراكز الغسيل الكلوي، ووحدات علاج العيون.

ويرى الدكتور جمال فرويز، رئيس لجنة الصحة النفسية بالمجلس المصرى لحقوق الإنسان، أن الاهتمام بالسجناء أمر يصب فى الاتجاه إلى تحويلهم إلى مواطنين صالحين، وهو ما يتحقق من خلال العديد من النشاطات التى يمكن العمل عليها كالمساهمة فى رفع الروح المعنوية للمسجون.
ويشير فرويز إلى أنه لا بد من وجود هدف أساسى داخل السجون من أجل إعادة التأهيل قائلًا: هو الهدف الأسمى داخل السجون التى تهدف إلى تغيير الشخصية السلبية للمسجون إلى شخصية إيجابية، وهو ما يمكن أن يتم من خلال العديد من الوظائف مثل ممارسة الأنشطة التى تتبناها إدارة السجون، مثل العمل وممارسة حرفة نافعة تنفع المسجون وتفيد مجتمعه، وتأهيله لفترة ما بعد السجن، بحيث يستطيع الحصول على عمل عقب فترة السجن.
ويشدد على أن تحويل السجين إلى فرد منتج ومفيد للمجتمع أمر من المفترض أنه جزء لا يتجزأ من البرنامج الموجه له داخل السجن، ولكن التأهيل لم يكن مطبقًا بصورة جادة؛ حيث يقضى السجين فترة العقوبة، وبمجرد الخروج يبتعد عن الحرفة التى تعلمها داخل السجن ويعود للسرقة أو يعود إلى نشاطه السلبى أو يغدو عاطلا بلا عمل.
ويضيف، «توفير فرص عمل هو أمر إيجابى للغاية يساعد على تحقيق هدف السجن: تحويل الفرد الذى أنهى فترة عقوبته من شخص موصوم بالعار إلى عنصر فعال فى المجتمع».
ويقول: «الأمر يحتاج إلى أن تكون هناك عملية تغيير سلوك تدريجية حتى يتكون اقتناع وحب بينه وبين الحرفة التى يتعلمها؛ حيث لا يتوقف الأمر هنا على رعاية المسجون فحسب، وإنما تحقق حماية أسرته من الضياع ووقايته من العودة إلى الجريمة».

ويقول الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسى بجامعة الزقازيق، إن السجون فى الأساس مؤسسات إصلاحية وعقابية، تعمل على إنتاج أفراد صالحين، إلا أنه خلال فترة الستينيات لوحظ أن انتشار الفكر التكفيرى يعطل عمليات إصلاح السجين.
ويضيف، أن الأفكار السلبية حينما تنمو يتحول الإنسان بعدها إلى شخص خطير من السهولة اللعب بعقله وتشكيل أفكاره، وهو ما اعتمد عليه الجهاديون خلال الـ٤٠ عامًا الماضية، لتجنيد العناصر الجهادية والتكفيرية خلف القضبان.
ويشدد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، على أن السجن فى مصر يجب أن يعمل على إخراج مواطن صالح يستقبله المجتمع على أساس أنه شخص تغير وتاب عن ما فعل، ولن يعود مرة أخرى إلى السلوك الإجرامي.
ويقول: يجب أن يلعب السجن كمؤسسة دورًا فى تقديم البرامج الإصلاحية للنهوض بالمساجين من خلال إعادة إدماج السجين فى مجتمعه بعد خروجه من السجن.
ويقول الدكتور عادل عامر، القانونى والحقوقي، إن دور الأمن فى مصر لا يجب أن يقتصر على ملاحقة العناصر الإجرامية فحسب؛ بل يجب أن يتضمن المساعدة على تغيير شخصية هؤلاء المجرمين وجعلهم مواطنين شرفاء، ومن ثم مساعدتهم على المشاركة فى تنمية المجتمع.

البرازيل تخفض عقوبة «الخيّاطين».. و60 مليون دولار أرباح منتجات نزلاء سجن «ميريلاند» بالولايات المتحدة
تضم سجون البرازيل نحو ٢٠٠ ألف سجين، الأمر الذى لا يعتبر عددًا كبيرًا، مقارنة بعدد السكان الذى يتجاوز ٢٠٠ مليون.
وحققت الدولة اللاتينية التى يحقق اقتصادها تقدمًا سريعًا، نجاحًا ملحوظًا فى تأهيل المساجين؛ حيث إن نصفهم على الأقل منتج، وقد تعلموا حرفًا خلف القضبان.
وتقل مدة العقوبة فى البرازيل عندما تتعلم السجينات الحياكة، ويسمح القانون بتخفيض العقوبة يومًا، كلما عمل المحكوم عليهم يومًا.
وتخفض العقوبة بالاعتماد على كتابة التقارير؛ حيث يمكن للسجين اختيار مجموعة متنوعة من الكتب فى مختلف المجالات؛ كالأدب، الفلسفة، علم النفس، والتاريخ؛ ثم كتابة تقارير مختصرة عن كل كتاب قرأه، ومقابل كل أربعة تقارير يتم خفض يوم من المدة، ولا بد أن تكون هذه التقارير خالية تمامًا من الأخطاء، ومكتوبة ومنسقة بشكل جيد.
مخبرون فى سجون أمريكا
تجند الولايات المتحدة الأمريكية السجناء للعمل مخبرين لدى الشرطة، وقالت إدارة السجون الفيدرالية إنها على مدار خمسة أعوام خفضت عقوبات نحو ٥٠ ألف سجين، مكافأة على اصطيادهم لمتهمين آخرين فى الخارج.
ولا تمنع القوانين الأمريكية المسجون من جنى الأرباح جراء عمله، فقد حصد سجين فى عام ٢٠١٢ مبلغ ٢٥٠ ألف دولار مكافأة له بعد إدلائه بمعلومات أسفرت عن القبض على مجرم شديد الخطورة.
وتعتمد الشرطة المصرية على المخبرين السريين، غير أن الأمر ليس ممنهجًا، كما هو فى الولايات المتحدة، غير أن مصادر وزارة الداخلية تقول إن هناك خطة طموحة فى هذا الصدد.